ابنتي محتشمة وترفض الحجاب الشرعي

منذ 2 سنوات 319

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فإن مسؤولية الآباء تجاه الأبناء مسؤولية غاية في الضخامة - والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله -
فقد استرعى الله - عزَّ وجلَّ الوالدين على أولادهما؛ كما قال الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها...))؛ الحديث رواه البخاري ومسلم. 

وروى مسلم عن معقل بن يسار المزني قال سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يومَ يَموت وهو غاشٌّ لرعيته، إلاَّ حَرَّم الله عليه الجنة)).

قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (1/ 26): "قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله: على الآباء والأمهات تعليم أولادهم الصِّغار ما سيتعين عليهم بعد البلوغ، فيعلمه الولِيُّ الطهارةَ والصلاةَ والصومَ ونحوها، ويعرفه تحريم الزنا، واللواط، والسرقة، وشرب المسكر، والكذب، والغيبة وشبهها، ويعرفه أنَّ بالبلوغ يدخل في التكليف، ويعرفه ما يبلغ به، وقيل: هذا التعليم مُستحب، والصحيح وجوبه... قال عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - ومجاهد وقتادة: معناه علِّموهم ما ينجون به من النار". اهـ.

ولا شكَّ أن الحجاب من أهم ما يَجب على الوالدين تعويد البنات عليه، ونهيهم عن التبرُّج والسُّفور، والحجاب يجب على الفتاة بالبلوغ أو قبله إن كانت ذات هيئة حسنة، ويتعين على الأم نصحها وإظهار الرغبة الصادقة في نجاتها، ومساعدتها بكل الوسائل الممكنة، وغير أنه يجب الانتباه إلى أن دعوة الفتاة الكبيرة تختلف عن الصغيرة! فهنا يُغلّب الترغيب والإقناع، والدعوة بالحسنى والموعظة الحسنة عن القول الخشن والإلزام المباشر، مع بيان شروط الحجاب الصحيحة بالأدلة، هذا أولاً.

ثانيا: أكثري من الدعاء لها بالهداية وصلاح الحال، وخاصة في أوقات الإجابة؛ فقد قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ثلاث دعوات يستجاب لهن، لا شكَّ فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده))؛ رواه ابن ماجه وأبو داود، وللدعاء تأثير عجيب في أمر الهداية.

ثالثًا: إدراك أن السعي في الهداية والتربية والتوجيه مسؤولية كبيرة ومهمة جليلة، تتطلب وقتًا وجهدًا، ولا يتم هذا إلا بالصبر الجميل والحلم والتروي، مع الحكمة، ولا شك أن عظيم الأجر مع عظم المشقة، فلا ضجر ولاسآمة، وهذا يتطلب طلب العون بالله القوي العزيز.

 رابعًا: استخدم اسلوب الإقناع والمساجلات العقلية والمناقشة، للتعرف على سبب احجامها عن الحجاب الشرعي، فقد تكون عندها شبهة فيجاب عنها، أو تكره صورة نمطية معينة من الحجاب، فصحح تلك الصورة، لا سيما وأعداء الإسلام من الكفار والمنافقين لا يفتؤون في رمي الشبهات التي قد تروج على ضعاف العقول.

خامسًا: الإسلام العظيم لم يفرض صورة محددة للحجاب، ولا حدد ما تلبسه الفتاة المسلمة، وإنما وضع شروطًا وضوابط للباس المرأة المسلمة؛ ففي الشريعة السمحاء سعة ولكل إنسان أن يلبس ما يناسب مستواه الإجتماعي مع الحفاظ على الشروط والضوابط.

خامسًا: لا شك أن الفتاة المحَجبة أفضل مِنْ غَيْرِهَا؛ وهذه بدَهِية يدركها كل أحد من نفسه، وإن قال غير هذا باللسان جحودًا وعنادًا؛ فالحجابُ شعيرة يتميز بها العفيفة الطاهرةُ؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59]؛ فالحجابُ حِمَايةٌ للفَتَاة المُسلمة، لا سيما في هذا العصر، الذي عَمَّ فيه الفساد وطم، وانتشرت فيه المنكرات، والجوهرةُ الغاليةُ هِيَ التي يحفظُها أهلُها، ويُبْعِدُونَهَا عَنِ الأعيُنِ والأيدي، والإسلامُ بتشريعِهِ للحِجَابِ جَعَلَ الفَتَاةَ جوهرةً مَصُونةً، وسلعَةً غاليةً يَبْذُلُ الرجالُ مِنْ أَجْلِهَا الأموالَ، والوَسَائِطَ ويَتَقَدَّمُونَ لأهلِهَا طالبين القُربَ والشَّرَفَ.

ومن أجل تلك الحكم الظاهرة أمر الله سبحانه وتعالى الفتاة المسلمة متى بلغت المحيض بالحجاب الشرعي، وبسَترِ زينتها عن الرجال الأجانب ؛ قال اللّه - تعالى - فى كتابه العزيز: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].

وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((صِنْفانِ من أهل النار لم أَرَهُما: قومٌ معهم سياطٌ كأذناب البقر، يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ، مميلاتٌ مائلاتٌ، رؤوسهن كأسنمة البُخْتِ المائلة، لا يَدْخُلْنَ الجنة ولا يَجِدْنَ ريحها، وإنَّ ريحها ليوجدُ من مسيرةِ كذا وكذا)).

سادسًا: في الحِجَابَ الشرعي معنى من معاني الاستسلام والإنقياد لله تعالى، وهما شرطان من شروط  الإيمان بالله، ولا يَثْبُتُ قَدَمُ الإسلامِ إِلَّا عَلَى ظَهْرِ التسليمِ والاستسلامِ لله، والانقيادِ لأحكامه، وترك المنازَعَةِ له، وكلُّ هَذَا مِن تَمَامِ الرِّضَى بالله ربًّا؛ وَمَعْنى الاستسلامِ: عَدَمُ مُعَارَضَةِ حُكْمِهِ برأي أو شهوة، وعَدَمُ تَلَقِّيهِ بالتسَخطِ، والكَرَاهَةِ، والاعتِرَاضِ؛ قال الله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}، [النساء:65]، قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور: 63]، وقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].

فلا ضمان ولا نجاة يومَ القِيَامَةِ مِنْ عَذَابِ اللهِ والفوزَ بِرَضا اللهِ إلا بطاعة اللهِ، والانقيادُ لِأَوَامِرِه، وَالكف عن نَواهِيه، مَعَ التسليمِ لشرعه الحنيف؛ ومن ذلك الحِجَابِ الشرعي، وَعدم التَّبَرُّجِ، قال تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33].

  سابعًا: الاستعانة بمن يرجى نصحه من أقرباء والأصدقاء، أو أحد الدعاة، مع اختيار الأوقاتِ المناسبة، والمواقف والأحداث المؤثرة.
 ثامنًا- تَجنب الإحراج أو جرح المشاعر، أو الأساليبِ الاستفزازية، والألفاظِ القاسيةِ أو المُحرجةِ، مع مراعاةُ الحالةِ النفسيَّةِ؛ فأساليبُ الدعوة متعددةٌ، تقتضيها حالةُ المدعوِّ؛ وخير الهدي هدي رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم – فكان يراعي أحوال المدعوِّين في طباعهم، وقربهم وبعدهم.

هذا؛ فإِن أصرت لا قدر الله على موقفها بعد معاودة المحاولة تلو الآخرى ولم تستجب بالرغم من إقامة كلِّ الحجج عليها، والأخذ بكل أسباب الهداية:- فلا مانع حينئذ  من حملها على الحجاب بأيِّ وسيلة، أو منعها من الخروج، ولكن كل هذا بشرط أن لا يؤدي لمفاسد أكبر مثل ترك الاحتشام، وحينئذ تقع المسؤولية حينئذ على الفتاة؛ لأنها مكلفة مسؤولة عن أعمالها، ولا يبقى على الأم إلاَّ النُّصح والتوجيه، والصبر الجميل في المعركة لهداية والدعوة، والله تعالى ولم يكلفك عباده إلا ما في وسعهم، وهداية القلوب موكول إلى الله تعالى، وإنما يجب علينا هداية البيان والإرشاد وبيان الصراط المستقيم، والترغيب فيه، وبذل الوسع في الدعوة؛ والله سبحانه وتعالى قال لأفضل خلقه: {نَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[القصص: 56].

فسيد الخلق أجمعين وأفضل رسل الله لا يقدر على هداية أحد هداية توفيق، وهو خلق الإيمان في القلب، ولو كان من أحب الناس إليه، فإن هذا أمر غير مقدور لأحد من البشر، وإنما هو بيد الله سبحانه تعالى، يهدي من يشاء، وهو أعلم بمن يصلح للهداية فيهديه، ممن لا يصلح لها فيبقيه على ضلاله، والله المستعان وعليه التكلان

وقد ورد في الصحيحين وغيرهما أن آية القصص تلك نزلت في أبي طالب عم النبي- صلّى الله عليه وسلّم- الذي كان يحوطه وينصره، ويقف دونه في وجه قريش، ويحميه حتى يبلغ دعوته، ويحتمل في سبيل ذلك مقاطعة قريش له ولبني هاشم وحصارهم في الشعب، ولكن علم الله أنه إنما فعل هذا حبًا لابن أخيه، وحميّة وإباء ونخوة، فلما حضرته الوفاة دعاه رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- إلى الإيمان والدخول في الإسلام، فلم يكتب الله له هذا، لما يعلمه سبحانه من أمره فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله.

قال صاحب الظلال (5/ 2703) معلقًا على هذا الحديث: "وإن الإنسان ليقف أمام هذا الخبر مأخوذًا بصرامة هذا الدين واستقامته؛ فهذا عم رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وكافِله وحاميه والذائد عنه، لا يكتب الله له الإيمان، على شدة حبه لرسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وشدة حب رسول الله له أن يؤمن؛ ذلك أنه إنما قصد إلى عصبية القرابة وحب الأبوة، ولم يقصد إلى العقيدة، وقد علم الله هذا منه، فلم يقدر له ما كان يحبه له رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- ويرجوه.

فأخرج هذا الأمر- أمر الهداية- من حصة رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وجعله خاصًا بإرادته سبحانه وتقديره؛ وما على الرسول إلا البلاغ، وما على الداعين بعده إلا النصيحة، والقلوب بعد ذلك بين أصابع الرحمن، والهدى والضلال وفق ما يعلمه من قلوب العباد واستعدادهم للهدى أو للضلال". اهـ.

هذا؛ والله أعلم.