الحمد لله.
أولاً : أحكام الله كلها عدل ، و أقواله كلها صدق ( و تمت كلمة ربك صدقاً و عدلاً )
صدقاً في الأقوال وعدلاً في الأحكام , و الأصول الدينية والضوابط الشرعية الثابتة
في الكتاب و السنة وما أجمع عليه العلماء ليست مجالا للشكّ ولا تقبل المناقشة عند
المسلم المستسلم لله .
ومرجع المسلم في الأحكام الشّرعية هو الكتاب والسنّة وفهم العلماء الثقات للكتاب
والسنّة وليس ما يخطر بباله أو يستحسنه بعقله ولكنّ الإنسان قد تعرض له شبهة تدفعه
للبحث عن الحكم الشرعي كما حصل لك أيها الأخ السائل فتعال بنا نرجع إلى الشريعة
وكلام العلماء :
عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الأَسْلَمِيَّ أَتَى
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَزَنَيْتُ وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي
فَرَدَّهُ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي
قَدْ زَنَيْتُ فَرَدَّهُ الثَّانِيَةَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا
تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا فَقَالُوا مَا نَعْلَمُهُ إِلا وَفِيَّ الْعَقْلِ مِنْ
صَالِحِينَا فِيمَا نُرَى فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا
فَسَأَلَ عَنْهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لا بَأْسَ بِهِ وَلا بِعَقْلِهِ فَلَمَّا
كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ قَالَ
فَجَاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ
فَطَهِّرْنِي وَإِنَّهُ رَدَّهَا فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَتْ يَا رَسُولَ
اللَّهِ لِمَ تَرُدُّنِي لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا
فَوَاللَّهِ إِنِّي لَحُبْلَى قَالَ إِمَّا لا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي فَلَمَّا
وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ قَالَتْ هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ قَالَ
اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ
بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ
فَطَمْتُهُ وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ
النَّاسَ فَرَجَمُوهَا فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى
رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا فَسَمِعَ نَبِيُّ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ إِيَّاهَا فَقَالَ مَهْلا يَا
خَالِدُ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا
صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ *
رواه مسلم رقم 1695
يُؤخذ من هذا الحديث أنّ أولى الناس بحضانة ابن الزنا هي أمه لأنها أقرب الناس إليه
ولما جُبلت عليه الأم من الشفقة على مولودها وهو أمر مشاهد لا يُنكره أحد لكن ليس
ذلك على سبيل الإلزام فإن تخلّت عنه كان على وليّ أمر المسلمين أن يهيّئ له مرضعة
وحاضنة ومن يقوم بأمره .
ثانياً : أن من رحمة الله تعالى و كمال عدله أنه لم يُحمل الولد من الزنى معرَّة جناية والديه ، و بالتالي فإنه يحكم له بالحرية و له حق الرعاية حتى يشب و يصير قادراً على الكسب .
ثالثاً : لا يخفى أن الأم لا يلزمها شرعاً تجاه ولدها الشرعي نفقة و لا رضاع و لا
حضانة . أما النفقة فهي من واجبات الأب ، و أما الرضاع فإنه يكون المنظور فيه مصلحة
الزوج ، أو الأم أو الولد . و على كل الأحوال فلو امتنعت من إرضاعه ، أو طلبت الأجر
على ذلك كان لها حق في هذا كله و يكون على الأب أن يسترضع لولده لأن ذلك على الأب
وحده و ليس له أن يجبر الأم على ذلك .
و الله يقول : ( و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين …) الآية . هذا في حال
التراخي ، أما في حال التعاسر فقد قال تعالى : ( و إن تعاسرتم فسترضع له أخرى )
أما الحضانة فإن الأم أحق بها من غيرها نظراً لعظم شفقتها على الولد ، لكن لو أسقطت
حقها في ذلك فإنه يسقط ، و تنتقل الحضانة إلى غيرها من جدة أو غيرها على خلاف
مدوَّن في محله في كتب الفقه .
فإذا كان ذلك كذلك بالنسبة للولد الشرعي فإن الولد من الزنى أحرى أن لا يلزمها
نحوه رضاع و لا حضانة … إلا إن خيف هلاكه . و إنما يتحمل أعباء ذلك من بسط الله يده
من أهل الولايات أو من يقوم مقامهم .
و بهذا ينجلي الإشكال . و الله أعلم .
الولد للفراش وللعاهر الحجر :
جاء في الحديث النبوي الذي أخرجه الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
: " الولد للفراش وللعاهر الحجر " وقال الإمام النووي : العاهر هو الزاني ، ومعنى "
وللعاهر الحجر " أي له الخيبة ولا حق في الولد ، وعادة العرب أن تقول : له الحجر ،
يريدون بذلك ليس له إلا الخيبة .
لا يثبت نسب الولد من الزنى :
وبناء على الحديث النبوي الشريف : " الولد للفراش وللعاهر الحجر " فقال الفقهاء
بعدم ثبوت نسب الولد من الزنى ، أي لا يثبت نسبه من الواطئ الزاني ، ولا يلحق به
بذلك قال الفقهاء .
من أقوال الفقهاء في عدم نسب الولد من الزنى :
أولاً : قال ابن حزم الظاهري : " نفى صلى الله عليه وسلم أولاد الزنى جملة بقوله
عليه الصلاة والسلام " وللعاهر الحجر " فالعاهر - أي الزاني - عليه الحد فلا يلحق
به الولد ، والولد يلحق بالمرأة إذا أتت به ، ولا يلحق بالرجل ، ويرث أمه وترثه ،
لأنه عليه الصلاة والسلام ألحق الولد بالمرأة في اللعان ونفاه عن الرجل "
ثانياً : ومن فقه المالكية : " إن ماء الزاني فاسد ، ولذا لا يلحق به الولد " .
ثالثاً : من فقه الحنفية : " أقر أنه زنى بامرأة حرة وأن هذا الولد ابنه من الزنى
وصدقته المرأة فإن النسب لا يثبت من واحد منهما لقوله عليه الصلاة والسلام : "
الولد للفراش وللعاهر الحجر " ولا فراش للزاني ، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه
وسلم حظ الزاني الحجر فقط ، والمراد هنا أنه لا حظّ للعاهر من النسب … "
الولد من الزنى يلحق بالمرأة الزانية :
والولد من الزنى لا يلحق بالرجل الزاني كما ذكرنا ، ولكن يلحق بالمرأة الزانية التي
ولدته إذا ثبت ولادتها له ، فقد جاء في " المبسوط " للسرخسي : " أقرَّ أنه زنى
بامرأة حرة وإن هذا الولد ابنه من الزنى وصدقته المرأة ، فإن النسب لا يثبت من واحد
لقوله صلى الله عليه وسلم : " الولد للفراش وللعاهر الحجر " ولا فراش للزاني … فإن
شهدت القابلة -أي شهدت بولادتها - ثبت بذلك نسب الولد من المرأة دون الرجل ، لأن
ثبوت النسب منها بالولادة وذلك يظهر بشهادة القابلة ؛ لأن انفصال الولد عنها معاين
فلهذا ثبت النسب منها "
زواج الزاني بمزنيته وأثره في نسب الولد :
جاء في " الفتاوى الهندية " في فقه الحنفية : " ولو زنى بامرأة فحملت ثم تزوجها
فولدت ، إن جاءت به لستة أشهر فصاعداً ثبت نسبه منه ، وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر
لم يثبت نسبه إلا أن يدعيه - أي يدعي أن هذا الولد ابنه - ولم يقل أنه من الزنى ،
أما إن قال إنه مني من الزنى فلا يثبت نسبه ولا يرث منه " .
جاء في " المغني " لابن قدامة الحنبلي : " ولد الملاعنة يلحق الملاعن إذا استلحقه ،
وولد الزنى لا يلحق الزاني - أي لا يلحق الزاني ولد الزنى إذا استلحقه - في قول
الجمهور .
والراجح أن ولد الزنى لا يثبت نسبه من الزاني سواء تزوج بمزنيته وهي حامل فجاءت
بولد لأقل من ستة أشهر من وقت عقد النكاح ، أو لم يتزوجها وجاءت بولد ، ولكن إذا
استلحقه بأن ادّعاه ولم يقل أنه ولده من الزنى ، فإنه يثبت نسبه في أحكام الدنيا ،
وكذلك لو تزوج بمزنيته وهي حامل منه من الزنى فجاءت بولد لأقل من أدنى مدّة الحمل
وسكت أو ادّعاه ولم يقل إنه من الزنى ، فإن نسبه يثبت في أحكام الدنيا .