استشارات متعلقة
تاريخ الإضافة: 10/8/2024 ميلادي - 5/2/1446 هجري
الزيارات: 30
♦ الملخص:
فتاة تشكو أن أمَّها تذهب للمشعوذين والدجالين، وتقوم بنشر البخور في البيت كله، وهي تسأل: هل عدم إنكارها على أمها يعد إثمًا او مساسًا بعقيدتها؟
♦ التفاصيل:
أمي تذهب للرُّقاة الذين لديهم مخالفات في العقيدة، وتأتي بالبخور وتنشره في البيت كله، وتقرأ بعض الأذكار والآيات وقت تبخيرها البيت، فهل بقائي دون إنكار على أمي يجعلني آثِمة أو واقعة في أمرٍ يمس عقيدتي؟ وهل تجاوبي مع ما تفعله أمي سواء بقراءة القرآن أو غيره يُعد إثمًا؟ لقد صار الأمر عندي وسواسًا قهريًّا؛ فأرجو الحل.
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين؛ سيدنا محمد، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ أما بعد:
فقبل البدء بالإجابة، أود إعادة قراءة استشارتكِ لكي نستطيع الإجابة عنها.
مضمون استشارتكِ هو كالآتي:
والدتكِ تذهب عادة إلى مشعوذة - ولن أقول راقية - وسؤالكِ هو: هل أنتِ إن تجاوبتِ مع والدتكِ التي تستعين بهذه الخزعبلات الباطلة، تكوني حينها قد وقعتِ في الإثم، خاصة وأنكِ تعرفين أن عقيدتها فاسدة؟ وأيضًا تسألين: هل إذا مكثْتِ مع والدتكِ تكونين مرتكبة للذنب وشريكة في المعصية؟ كما أنكِ تُقِرِّين أن هذه الأفكار صارت عندكِ كوسواس قهري.
وفي حين أنكِ لم تعطينا أية معلومات أو تفصيلات عن مستواكِ العلمي، أو بأي بلد تسكنين، كم عمرك؟ هل أنتِ متزوجة؟ هل أنت عزباء وما زلتِ تقيمين مع أهلكِ؟ وسؤالكِ: هل إذا مكثتِ مع والدتكِ... يمكن أن أفهم أنه يمكنكِ مغادرة المنزل، أو ربما السكن في مكان آخر؟
على العموم سأجيبكِ عن المشعوذة بحديث واضح صريح.
بما أنكِ قد قلتِ: إن عقيدة المشعوذة فاسدة، فهذا يدل على اتصالها بالجن، وأنها تستعين بهم، كما بدت منها تصرفات غريبة؛ كاستعمال البخور غير الطيبة، كل هذا إنما يشير إلى معرفتكِ الحقيقية أنها مشعوذة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول، فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم))؛ [رواه أبو داود: (3904)].
يكفي أن تعرفي أنَّ من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه بما يقول فقد أتى أثمًا عظيمًا، ومن استحلَّ هذا الفعل فقد كفر، وجاء في حديث آخر: ((من أتى عرَّافًا فسأله عن شيء، فصدقه بما قال، لم تُقبَل له صلاة أربعين ليلةً))؛ [صحيح مسلم (2230)].
فالإسلام أمرنا ألَّا نصدِّق بالخرافات والخزعبلات.
أما ما يجب أن تفعليه أولًا قبل الحديث عنكِ وعما يوسوس لكِ شياطين الجن.
عليكِ - أولًا - إن استطعتِ نصح والدتكِ مع بيان الحكم الشرعي لها لمن يذهب إلى هؤلاء، ويصدقهم، ويعمل بما يُوصُون به، كما يمكنكِ أن تميزي لها بين المشعوذ، وبين من يَرْقِي بالقرآن.
انصحيها بأن تعود إلى الله، وتستعين به، وأن تتوب إليه، وبيِّني لها التوحيد الصحيح، ووضِّحي لها حكم الراقي الذي يرقي بالقرآن الكريم، ولست بصدد بيان الفرق الآن، ولكن مهم جدًّا معرفة الفرق بين المشعوذ والراقي.
ولأنكِ ذكرتِ العقيدة الفاسدة، فأنتِ تعرفين التوحيد الصحيح، وأركان الإيمان بالله، وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقضاء والقدر خيره وشره.
المهم معرفة التوحيد الصحيح، ومعرفة ما كان عليه السلف الصالح والصحابة الكرام من توحيد لله عز وجل، بل الأهم ضرورة عدم تصديق أي إنسان على وجه الأرض في أنه يعلم الغيب؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [النمل: 65].
وإن لم تستجِبْ لكِ وخاصةً بعد صبركِ في إبلاغها وتوعيتها، وإخبارها أهميةَ التوحيد الصحيح للدخول إلى الجنة - إن لم تستجب بالتوبة والإنابة، والاستعانة بالله عز وجل، وعدم الذهاب إلى المشعوذة، فاعلمي أن الشيخ ابن باز رحمه الله عندما سُئِل عن استعمال البخور لطرد الشياطين فقال: "لا أعلم لهذا أصلًا شرعيًّا، والواجب تركه؛ لكونه من الخرافات التي لا أصل لها، وإنما تُطرَد الشياطين بالإكثار من ذكر الله، وقراءة القرآن، والتعوُّذ بكلمات الله التامة من شر الخلق..."؛ [مجموع فتاوى الشيخ ابن باز].
أما بالنسبة لكِ، فقد تبيَّن لي أنكِ تعرفين أن وساوس الشيطان يمكن إغلاقها، وإغلاق أبواب الدخول إلى الوسوسة، فما عليكِ إلا الإكثار من الأذكار، وقراءة القرآن، والاستعاذة منها؛ كما استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا حجة للوسواس القهري ما دمتِ تؤمنين إيمانًا جازمًا، وإن كان لديكِ جهلٌ بالتوحيد الصحيح، فما عليكِ إلا تعلُّمه؛ وذلك من خلال معرفة أسماء الله عز وجل، ومعرفة صفاته، ومعرفة توحيد الربوبية، ومعرفة توحيد الألوهية، وانتبهي إلى الشركِ بالله؛ فإذًا عليكِ بالعلم... العلم... العلم ثم العلم؛ قال تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ [محمد: 19].
ولا أنصحكِ بالسكن أو الانتقال للسكن وحدكِ، خاصةً إن كنتِ بنتًا بعدُ، فهنا أيضًا حكم آخر؛ حيث لا يمكنكِ حينها السكن وحدكِ، ولا يسقط حق الوالدين بالبر والمصاحبة بالمعروف، مع إساءتها لكِ، خاصةً مع عدم وجود مَحْرَمٍ معكِ.
المهم إعادة المحاولة مع الدعاء في الثلث الأخير من الليل لوالدتكِ؛ من أجل تركها لهذه المنكرات، وهدايتها إلى الصراط المستقيم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.