أعربت الولايات المتحدة عن "قلقها" إزاء اعتقال أكاديمي أمريكي في تايلاند بتهمة إهانة النظام الملكي، ما قد يعرّضه لعقوبات سجن مشددة بموجب القوانين التايلاندية الصارمة.
ويواجه بول تشامبرز، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ناريسوان والمتخصص في شؤون الجيش التايلاندي، تهماً بموجب المادة 112 من قانون العقوبات، التي تفرض عقوبة تصل إلى 15 عاماً على من يُدان بإهانة الملك أو الملكة أو ولي العهد أو الوصي على العرش.
كما يواجه تهمة إضافية بموجب قانون جرائم الكمبيوتر، قد تصل عقوبتها إلى السجن خمس سنوات.
ووفقاً للسلطات التايلاندية، تم توقيف تشامبرز، البالغ من العمر 58 عاماً والمنحدر من ولاية أوكلاهوما، ووُضع قيد الحبس الاحتياطي يوم الثلاثاء بعد رفض طلب الإفراج عنه بكفالة. وينفي الأكاديمي الأمريكي جميع التهم المنسوبة إليه.
وفي تعليقها على القضية، أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أنها تتابع الأمر عن كثب، وأنها ستوفر لتشامبرز الدعم القنصلي اللازم.
وأضافت وزارة الخارجية الأمريكية في بيانها: "تعزز هذه القضية مخاوفنا الراسخة بشأن استخدام قوانين إهانة الذات الملكية في تايلاند. ونواصل حث السلطات التايلاندية على احترام حرية التعبير، وضمان عدم استغلال هذه القوانين لقمع الآراء المشروعة".
ويُحتجز بول تشامبرز حالياً في سجن إقليمي بمدينة فيتسانولوك شمال البلاد، بعد أن استدعته الشرطة في وقت سابق من الأسبوع الماضي لاستجوابه بشأن التهم الموجهة إليه.
ورفضت المحكمة التايلاندية طلب الإفراج عنه بكفالة يوم الثلاثاء، مشيرة إلى "خطورة العقوبات المحتملة" وإلى أن المتهم "عرضة للفرار"، وق ما أفادت به منظمة "المحامون التايلانديون من أجل حقوق الإنسان"، وهي جهة حقوقية بارزة تتابع قضايا حرية التعبير في البلاد.
ورغم إصدار المحاكم التايلاندية في السنوات الأخيرة أحكاماً بالسجن لمدد طويلة بحق مئات المواطنين بموجب قانون إهانة الذات الملكية، إلا أن ملاحقة أجانب بموجب المادة 112 تُعدّ أمراً نادراً.
وفي هذا السياق، دعت منظمات حقوقية دولية إلى الإفراج الفوري عن تشامبرز، ووصفت التهم الموجهة إليه بأنها "لا تستند إلى أساس قانوني، وتشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية".
قالت إيلين بيرسون، مديرة قسم آسيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إن "السلطات التايلاندية دأبت على استخدام قانون إهانة الذات الملكية لإسكات المواطنين، لكنها اليوم تبدو مستعدة لتوسيع هذا القمع ليشمل الأجانب أيضا".
وأضافت بيرسون أن "الملاحقة القضائية الجائرة لبول تشامبرز تمثل تهديدا خطيرا للحرية الأكاديمية وحرية التعبير في تايلاند".
وتعود القضية إلى شكوى قدمها الجيش التايلاندي ضد تشامبرز، زاعما أنه المسؤول عن إعلان ترويجي لندوة أكاديمية عقدت عبر الإنترنت، اعتبرت من قبل الجيش مسيئة للنظام الملكي.
الندوة، التي حملت عنوان "التعديلات العسكرية والشرطية في تايلاند عام 2024: ماذا تعني؟"، نظمها معهد دراسات جنوب شرق آسيا (ISEAS – Yusof Ishak) وهو مركز أبحاث بارز مقره في سنغافورة، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وتضمنت الندوة نقاشات حول دور الجيش والمؤسسات الأمنية في السياسة التايلاندية، ما أثار حفيظة السلطات التي رأت فيها انتقادا ضمنيا للعائلة المالكة.
يشار إلى أن الجيش التايلاندي لعب دورا محوريا في الحياة السياسية للبلاد منذ أن أصبحت ملكية دستورية عام 1932، ونفذ منذ ذلك الحين 13 انقلابا، ما يعكس عمق تدخل المؤسسة العسكرية في شؤون الحكم.
من جانبها، قالت نابيسا ويتولكيات، زوجة بول تشامبرز وعميدة كلية العلوم الاجتماعية في جامعة ناريسوان، إن زوجها ليس هو من كتب الإعلان الذي استندت إليه السلطات في توجيه التهم إليه.
وأضافت: "يبدو أنهم أرادوا ترهيب بول وثنيه عن مواصلة عمله الأكاديمي، الذي يتناول في كثير من الأحيان قضايا حساسة مثل اقتصاد الجيش التايلاندي"، مشيرة إلى أن الشرطة لم تستجوبه قبل إصدار مذكرة التوقيف، وهو ما يعد انتهاكا للإجراءات المعتادة.
وتسلط قضية تشامبرز الضوء على تزايد استخدام المادة 112 من قانون العقوبات التايلاندي، المعروف بقانون إهانة الذات الملكية، كأداة لقمع حرية التعبير.
فمنذ مطلع عام 2020، وجهت هذه التهمة إلى أكثر من 270 شخصا، من بينهم عدد كبير من الطلاب والنشطاء، بحسب منظمة "المحامون التايلانديون من أجل حقوق الإنسان".
وفي سابقة لافتة، أصدرت محكمة تايلاندية في يناير/كانون الثاني الماضي حكما بالسجن 50 عاما بحق مواطن أدين بإهانة الملك، في واحدة من أقسى الأحكام التي سجلت بموجب هذا القانون، ما يعكس تصاعدا مقلقا في وتيرة التضييق على الحريات في البلاد.