استشارات متعلقة
تاريخ الإضافة: 25/5/2024 ميلادي - 17/11/1445 هجري
الزيارات: 21
♦ الملخص:
فتاة لها أخوان لا يُصلِّيان، وهي تهتم بالأصغر منهما عوضًا عن أبويها الكبيرين؛ لأنه مراهق، ولا يدرك خطورة الأمر، وتقسو وتشتد عليه في الكلام؛ حتى لا يُضيِّع الصلاة، ولكن بلا جدوى، وهي تسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم.
لي أخوان لا يُصلِّيان، أحدهما في الثامنة والعشرين، لا يصلي منذ كان مراهقًا، أحيانًا يصلي الجمعة مع أبي وإخوتي، ويقول: دعوني، فأنا مصيري النار، والآخر في الخامسة عشرة، وهو الذي أهتم به لأنه مراهق، ولا يستوعب خطورة ترك الصلاة، ولأن أبويَّ سنهما كبيرة، أحيانًا أقسو أنا وأبي عليه بالكلام، لكنه لا يهتم، وينام مضيِّعًا وقتَ الصلاة، أما أمي، فتلومني على إيقاظه للصلاة، تريد راحته، وتأمرني بألَّا أتدخَّل في الأمر، لا أدري كيف أفعل، هل عليَّ النصح فقط، أو أظل أقسو عليهما؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين؛ أما بعد:
فقد وَصَلَتْنا استشارتكِ أيتها السائلة، وجزاكِ الله خيرًا لمشاركتنا مشكلتكِ، وهي مشكلةُ معظمِ البيوت إلا من رحم ربي.
تقولين: إنكِ أختٌ لاثنين من الإخوة الذكور، أحدهما في عمر الثامنة والعشرين، والثاني في عمر الخامسة عشرة، المشكلة الكبرى أن الأخ الأكبر لا يصلي منذ بلوغه سنَّ التكليف، مع أنه يصلي الجمعة مع والدي في المسجد، ولا أدري لمَ جزم أن مصيره النار (سنتحدث عن هذا الأمر فيما بعد).
أما الأخ الأصغر الذي أوْلَيْتِهِ الاهتمامَ والنصح نيابة عن والديكِ الكبيرين في السن، وها أنتِ قد تحمَّلتِ هذه المسؤولية عن والدتكِ بصفتكِ أكبر منه، وتعديلًا لسلوك غالبية الأمهات اللواتي يجِدْنَ الأفضل لراحة الابن هو تركه دون إيقاظه للصلاة.
كما علمتُ منكِ أنكِ طالبة بمستوى تعليمي جيد؛ لذا سأخاطبكِ على هذا الأساس يا بنتي:
المشكلة في مفهوم التربية في وقتنا الحاضر إنما يدور حول معاني تنشئة الإنسان منذ ولادته وحتى وفاته، في ضوء المنهج الرباني الذي يضبط حياته على وفق الغاية من وجوده في هذه الحياة الدنيا؛ ألَا وهي الخضوع التام لمنهج الله عز وجل والتذلُّل له.
مع العلم أن الأساس في التربية هو المحافظة على فطرة الإنسان، وتوجيهها بالتدرُّج منذ ولادته، فالله عز وجل جَعَلَ رعاية الطفل الصغير منذ ولادته، وتعليمه، ورعايته بكل الجوانب، فلو عُدْنا إلى القرآن الكريم لَوجدنا كل معاني التربية واضحة عَبْرَ قصص الأنبياء وغيرها من قِيَمِ التربية التي لا يَسَعُنا ذِكْرُها الآن، ولكن فقط لأُسلِّط الضوء حول أن مجتمعنا اليوم بعيدٌ عن هذا المفهوم بسبب سيطرة القيم المادية، والحضارة الغربية، عبر جميع أنواع وسائل التواصل التي لا يوجد عليها رقابة أصلًا من قِبَلِ الأهل، هذا الكلام لكل من يريد تربية أبنائه التربيةَ الصالحة في زمان الإنترنت، وجميع منصات التواصل الاجتماعي.
أيضًا أرى أنه بإمكانكِ متابعة صفحتي عبر شبكة الألوكة لتستعيني بها حول أهم المفاهيم التربوية التي تساعدكِ في حياتكِ اليومية.
كل ما تقدَّم من حديث سابق إنما كان لبيان دور التربية منذ الولادة، والحرص فيها على تجنُّب الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
ولأن أخاكِ بلغ خمسة عشر عامًا، فلا بد لكِ من معرفة الخصائص العامة لهذا العمر، التي يُراعى فيها أيضًا الظروف المجتمعية المحيطة به.
إنه بحاجة في هذا العمر للشعور بالاستقلالية الفكرية بعيدًا عن أفكار أسرته؛ حيث إن شعوره الدائم الذي يسيطر عليه أنَّ كلَّ من البيت والمدرسة والعائلة وحتى المسجد إنما همُّهم التحكم به، وخصوصًا فيما يخالف رغباته، هذه الخصائص لهذه المرحلة العمرية تحتاج لشرح يطول، ولكن أستطيع تلخيصها:
الحاجة إلى الإرشاد والتوجيه، مع النصح بأسلوب تربويٍّ هيِّنٍ ليِّنٍ.
شرح الأسباب التي خلقنا الله عز وجل لأجلها (تجدين هذا المقال عبر رابط خصائص النمو في مرحلة المراهقة والبلوغ، عبر شبكة الألوكة، كما تجدين أيضًا مقالات يمكنكِ الاستفادة منها).
أما بالنسبة لموضوع الصلاة، فهذا حديث آخر؛ لأنها هي الميزان الذي يُعرَف به الإنسان في الدنيا، وأول ما يُحاسَب عليه في الآخرة، فهي الفريضة التي لا تسقط عن الإنسان، ما دام صحيحَ العقل، سليمَ الحواس، بالغًا؛ لذا الحديث هنا أولًا:
• هل يعرف أهمية الصلاة، وأنها صلة بين العبد وربِّه؟
• هل يدرك أن حبَّه لله مرتبط بمدى تقربه إلى الله باتباع ما أمر، وخاصة – والأهم - الصلاة؟
• هل يعلم ويفهم ويستوعب أن الصلاة - وكما قال ابن القيم في كتابه أسرار الصلاة والفرق والموازنة بين ذوق الصلاة السماع (ص: ٥٥) - قرة عيون المحبين، ولذة أرواح الموحدين، وبستان العابرين، ولذة نفوس الخاشعين، ومحك أحوال الصادقين، وميزان أحوال السالكين، وهي رحمة الله المهداة إلى عباده المؤمنين... فوالله لو علِمَ العبد ما هي النِّعَم التي أنعمها الله عليه، فقد وصفها ابن القيم بمأدُبة قد جمعت من جميع الألوان والتُّحف والعطايا، ودعاه إليها كل يوم خمس مرات، وجعل في كل لون من ألوان تلك المأدبة لذة ومنفعة ومصلحة ووقارًا للعبد الذي دعاه إلى تلك المأدبة؛ ليُكرمه بكل صنف من أصناف الكرامة... وأهمها تكفير الذنوب، وأن الصلاة نور وقوة في قلبه وجوارحه وسَعَة في رزقه، ومحبة في العباد له، وإن الملائكة لَتفرح، وكذلك بقاع الأرض، وجبالها وأشجارها، وأنهارها جميعها تكون له نورًا وثوابًا خاصًّا يوم لقائه؛ [(ص57-58) بتصرف]، ومهما تحدثنا عن أهمية الصلاة، فلن نَفِيَها حقَّها في هذه السطور القليلة؛ لذا ما عليكِ الآن سوى البحث عن أسباب تكاسُل أخيكِ عن أداء الصلاة، ومعرفة من يصادق من أقرانه، كما أوَدُّ منكِ التفكير في الأرحام، هل لديكِ من تجدينه أهلًا لمساعدتكِ في حثِّ أخيكِ على أداء الصلاة في وقتها، كما يمكنكِ وبمساعدة الكبار من الأهل معرفة أجواء المدرسة، والتحدث مع مدرس التربية الإسلامية؛ ليكون عنصرًا هامًّا في إيصال أهمية الصلاة لأخيكِ وللجميع، بهذا تكونين قد حاولت اتخاذ الكثير من الأسباب لتحقيق الهداية لإخوتكِ، مع الْمُعِين الأهم؛ وهو الدعاء في قيام الليل.
• عليكِ محادثته لإبعاد ما في داخله من أفكار في أنه في النار؛ حيث إنه ما من أحدٍ يدخل الجنة بعمله إلا أن يتوفَّاه الله وهو كافر والعياذ بالله، وفي ختام هذا أقول لكِ: إن المسؤولية ليست عليكِ وحدكِ، وإنما لا بد من وجود شخص يمكنه أن يكون قدوة لهما، ويكون لديهم القدرة على إفهامهم وتبليغهم، مع بيان وإيضاح قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كَفَرَ))؛ [أخرجه الترمذي (2621)، والنسائي (463)، وابن ماجه (1079)، وأحمد (22987)، وأخرجه مسلم (82)]، فمن فرَّط في الصلاة، فلا يلومَنَّ إلا نفسه، فماذا بعد هذا الحديث الذي حذَّر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم تحذيرًا شديدًا مِن تَرْكِها؟ وأما الآيات التي ذمَّ فيها الله عز وجل تارك الصلاة: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ﴾ [مريم: 59، 60].
أعانكِ الله وسدَّد خطاكِ، وألهمكِ الصواب في كيفية الإرشاد والنصح والتوجيه بحبٍّ دون النفور منكِ، فأنتِ أدرى بما يحبه وما يكرهه، فادخلي إلى قلبه من خلال ما يحب، وتقرَّبي إليه بما يريد من بعد معرفتكِ لأسباب تكاسله في الصلاة كما تحدثنا سابقًا.
وفي الختام أتقدم إليكِ بالقيم اللازمة لتربية الأطفال، وغرس محبة الله عز وجل في قلب الطفل لينشأ على محبة الله عز وجل، ويسعى بمحبته إلى التقرب إليه بأحبِّ ما يحب الله عز وجل من العبد؛ ألَا وهي الصلاة، مع شرح كتاب أسرار الصلاة المبسط للصغار قبل الكبار؛ ليتعرفوا على أهمية التقرب إلى الله بهذه العبادة، لإحياء القلوب التي طغى عليها حب المادة؛ لذلك يجب أن نخاطب الوجدان بوقتنا الحاضر لكسر جليد هذه الحضارة المبهرة، التي أبهرت العيون بجميع أنواع الفتن والمعاصي، فلا يحضرني في هذا المقام سوى ما حدث مع موسى عليه السلام مع السَّحَرة، ولكن أمَرَ الله عز وجل موسى عليه السلام بأن يُلقيَ العصا، وأن الله عز وجل القادر على أن يبطل هذا السحر، فندعو الله عز وجل وحده لا شريك له أن يبطل انبهار أبنائنا بهذا التقدم السريع في التكنولوجيا، والعودة دومًا إلى الإيمان الجازم أن كل ما هو مقدَّر من عند الله، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وعلينا أن نعرف أنه ليس كل ما توصَّل إليه العلم من حضارة يمكننا الاعتماد عليها، فهناك ما هو منافٍ لمنهجنا وعقيدتنا، فما كان موافقًا لمنهج الله عز وجل اسْتَعَنَّا به في حياتنا اليومية دون أن تؤثِّر هذه الحضارة في عقيدتنا وصلاتنا، وأهمها في لقائنا بالله عز وجل يوم القيامة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.