♦ الملخص:
فتاة دخلت في علاقة مع رجل، وذهبت معه إلى بيته، ثم إنها راودها شك في أن يكون قد صوَّرها، فكرِهت نفسها، وتريد إنهاء حياتها، وإخبار أهلها، وتسأل: هل ثمة ضررٌ قد يأتي من ناحيته؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم.
عرفت رجلًا في علاقة عابرة، مثَّلت لي درسًا قاسيًا، دمَّر حياتي، وأردت أن أُطْلِعَ أهلي على الأمر لأموت مرة واحدة، بدل أن أموت كل يوم.
استمرت علاقتي به شهرًا واحدًا، لم أرسل له صورًا أو أي شيء، لكني ارتكبت خطأً وذهبت معه شقته، ثم راودني شك في أن يكون قد صوَّرني، ما زلت بنتًا لم يلوثني ولله الحمد، أخشى أن يصل إلى أهلي شيءٌ بخصوص هذا الأمر، وبسبب ذلك فكرت في أن أخبر أهلي وأنهي حياتي المهنية الممتازة، فأنا لا أستطيع إكمال حياتي، كرهت نفسي، وكرهت مهنتي، وكرهت كل شيء، أحس أني دُمِّرتُ، كل المحامين قالوا لي: لا ضرر عليكِ، لكني أشعر أن ضررًا كبيرًا عليَّ، وأحاول أن أتجاهل هذا الشعور فلا أستطيع، مع العلم أن الرجل قدم اعتذاره، وقام بحذفي من كل مواقع التواصل، وأخبرني بأسفه أنه لمسني، وأني لا أستحق مثل هذا الشيء، أريد أن أحميَ نفسي من أي ضرر قد يأتيني من ناحيته، أرجو نصيحتكم، وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتكِ هو:
١- وقعتِ في خطأ الخروج مع رجل أجنبي، ثم ندمت ندمًا شديدًا.
٢- وتُحسين أنكِ كرهتِ نفسكِ، وكرهتِ عملكِ، وكرهتِ كل شيء، وتُحسين أنكِ دُمِّرتِ.
٣- ثم سألتِ مستشارين أو محامين، وقالوا: ليس عليكِ ضرر، ولكنكِ تحسين بالضرر.
فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: احمدي ربكِ كثيرًا الذي حفظكِ من الوقوع في فاحشة الزنا؛ إذ لو وقعتِ فيها كنتِ مرتكبة لكبيرةٍ من الكبائر، توجب غضب الرب سبحانه وعقابه، ثم ينتج عنها ضياع مستقبلكِ، وأحزان وهموم تلازمكِ، وتقضُّ مضجعكِ؛ بسبب المعصية، ولوكة الناس لعرضكِ، وتشنيعهم عليكِ.
ثانيًا: (ما كل مرة تسلم الجرة)، فاستفيدي الحذر الشديد من معسول كلام الرجال؛ فليس لديهم إلا الرغبة في الاستمتاع الحرام.
ثالثًا: اعلمي - وفقكِ الله - أن الله سبحانه عندما حرم الزنا لم يحرمه فقط، بل حرم كل ما قد يوصل إليه من نظر وخلوة وتبرج وتميع في الكلام وغيرها؛ فاحذري هذه الأمور أشد الحذر؛ قال سبحانه: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32]، فالنهي عن قربه نهيٌ عنه وعن كل ما قد يؤدي له؛ وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 59]، وفي هذه الآية نص صريح على وجوب تغطية المرأة وجهها عن الأجانب.
رابعًا: يبدو أنكِ تعملين في مكان مختلط، وقد تحصل فيه الخلوة المحرمة، وهذه من أسباب الفتن؛ ولذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم منها في الحديث الآتي: عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: ((لا يخلُوَنَّ رجلٌ بامرأة إلا ومعها ذو مَحْرَمٍ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجَّةً، وإني اكتُتِبْتُ في غزوة كذا وكذا، قال: انطلق فحُجَّ مع امرأتك))؛ [متفق عليه].
خامسًا: أبشري واطمئني ما دمتِ تبتِ بصدقٍ، وندمتِ، فإن الله سبحانه يقبل توبة التائب الصادق، بل ويبدل سيئاته في ميزانه إلى حسنات؛ كما في آخر سورة الفرقان عندما ذكر الله عز وجل المعاصي العظيمة؛ وهي: الشرك، والزنا، وقتل النفس بغير حق؛ قال بعدها: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 68 - 70].
سادسًا: بالنسبة لخوفكِ من أن يكون الرجل صوركِ، أو أن ينشر صوركِ، فلا داعي له؛ لأن ظاهره أنه هو أيضًا تاب، فأحسني الظن بالله سبحانه، واحفظي الله بالحرص على طاعته، واجتناب معاصيه؛ ليحفظكِ سبحانه، ويدفع عنكِ شرَّ مَن به شرٌّ؛ كما قال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾ [الحج: 38].
وكما في الحديث الآتي: عن أبي العباس عبدالله بن عباسٍ رضي الله عنهما قال: ((كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: يا غلام، إني أعلمك كلماتٍ: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعـوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجفَّت الصحف))؛ [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيحٌ].
سابعًا: أكثري من الدعاء، ومن الاسترجاع، ومن الاستغفار، ومن عموم الأعمال الصالحة، وأهمها: الصلاة، وبر الوالدين، وحافظي على أذكار الصباح والمساء؛ فهي جميعًا أسباب عظيمة للحفظ والتوفيق وصرف الشرور.
ثامنًا: استري على نفسكِ، واحذري أشد الحذر أن تذكري ما حصل منكِ لأي إنسان، مهما كانت ثقتكِ به، ولا حتى لزوجكِ في المستقبل؛ حتى لا ينتشر الخبر ويُساء الظن بك.
حفظكِ الله، وزادكِ توفيقًا، وأعاذكِ من الفتن.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.