فتاة تشكو قسوة عائلتها

منذ 2 سنوات 322

فتاة تشكو قسوة عائلتها


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/11/2022 ميلادي - 26/4/1444 هجري

الزيارات: 278



السؤال:

الملخص:

فتاة تشكو قسوة عائلتها التي أوصلتْها إلى أنها تأخُذ مضادات اكتئاب، وصارت تفكِّر في الانتحار، وتدخِّن، وتسأل: ما النصيحة؟

التفاصيل:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة عزباء أبلغ الثانية والعشرين من عمري، أدرس وأعمل في غير بلدي، مشكلتي أنني نشأت قليلة الكلام في عائلتي، عانيت من التفريق بيني وبين أخواتي، مع العلم أنني أكبر أخواتي، أعمل أنا وأبي وأختي لتلبية احتياجات المنزل كأسرة، وأقسم بالله العظيم إنني طيبة النية، وأحب عائلتي، لكن قسوتهم تجعلني أصل لمرحلة البكاء من التعب، حتى إنني أشعر بالرغبة في ضرب رأسي في الحائط كي أوقف سيل الأفكار في رأسي، الحمد لله، أنا ملتزمة بالصلاة والذكر، أقترف بعض المعاصي التي أعمل جاهدة كي أتوقف عنها، لكن الله ابتلاني بعائلة غير متفهمة، أوصلتني لأمراض نفسية؛ فقد وصف لي الطبيب أدوية مضادة للاكتئاب، ومنومًا ومهدئًا، وكل ذلك دون علم من عائلتي أو ملاحظة منهم، حتى إن أمي اكتشفت مرة - وهي تفتش أغراضي - أخذي لمضاد الاكتئاب، وبدل أن يسألوني عن السبب، نهروني، وحذروني من كلام الناس، أحيانًا يصفونني بأنني فتاة لا خير فيها، لمجرد أنني طلبت ألَّا أغسل الصحون لأنني متعبة، تأخرت بدراستي لأنني مجبرة على العمل ولا يمكن لراتب أبي أن يكفي، أحيانا أشعر بالحقد والحنق عليهم، وفجأة ينقلب كل حقدي شفقة عليهم، وأخاف أن يشعروا بالوحدة وأُهْرَع لإرضائهم، لكني متعبة، ومحبة الناس لي مهما كانت كبيرة، فهي لا تعوضني، وأحاول جاهدة ألَّا أنحرف عن طريق الله، أو أسمع لوسوسة الشيطان فأنتحر، أو أتركهم وأرحل، وأريد أن أوضح أن أبي رجل فاضل مصلٍّ، وذاكر لله، لكنه قاسٍ، وأمي كذلك عصبية جدًّا حتى إنها تقلب أتفه الأمور مشاكل كبيرة تصل لإهانات وكلام جارح، أنا أدخن سرًّا، وقد بدأت التدخين في عمر صغير جدًّا (سن المراهقة)، وأعترف أنني فعلت ذلك لأشعر أنني أقوم بشيء لا يرضونه، فقد أجبروني على الموافقة على الزواج من شخص لا أريده، واكتشفوا بعدما جرحوني وأهانوني أمامه أنه شخص غير مناسب، وعانيت بعد ذلك لسنوات من ضغطهم في موضوع الزواج والخطبة؛ لأنني رفضت الفكرة تمامًا من شدة خوفي من أن أخرج من زنزانة لأخرى، أرجو مشورتكم، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فملخص رسالتكِ هو:

١- والداكِ طيبان ولكنهما شديدا الغضب.

٢- وربما أنكِ مثلهما في الغضب.

٣- هنا علامات استفهام وتعجب، لماذا يُعاملانكِ بغير معاملتهم لأخواتكِ؟

لا بد من معرفة السبب، وقد يكون منكِ أو منهم، وقد يكون ظاهرًا أو خفيًّا.

٤- ذكرتِ أنكِ قليلة الكلام، فهل هذا طبع وراثي في العائلة، أو نتيجة صدمات نفسية من تسفيه البعض لكلامكِ وآرائكِ، أو نتيجة أمراض نفسية قديمة؟

٥- ذكرتِ أنكِ بدأتِ في شرب الدخان وأنتِ صغيرة، فما السبب يا تُرى: أهو إهمال في التربية، أو هو تقليد للغير، أو هو محاولة هروب من واقع أليم؟

٦- ذكرتِ أنكِ أُصبت بالاكتئاب وتعاطيتِ أدويته دون علم أهلكِ، ونسبتِ سبب ذلك لتعاملهم القاسي، ويبدو أنه قديم، وأن له أسبابًا أخرى لم تفصحي عنها.

٧- ذكرتِ أنهم حاولوا تزويجكِ ممن لم ترتضينه، وأنكِ رفضتِهِ؛ لأنه غير مناسب، ولأنكِ خشيتِ من الخروج من نفق إلى زنزانة، ويبدو أن لوضعكِ النفسي أثرًا كبيرًا في رفضه، وليس مجرد عدم مناسبته.

٨- ذكرتِ أمرين متناقضين؛ وهما: شعوركِ بالحنق والحقد على أهلكِ، ثم الشفقة عليهم، وهذا التناقض يحمل علامات استفهام، وقد يكون نتيجة المرض النفسي، ثم بعد ذلك كله تطلبين المشورة، فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: يبدو أنكِ تُعانين من مرض نفسي قديم، ولكن قد يكون زاد بسبب بعض ما وصفتِهِ بالقسوة في التعامل معكِ؛ ولذا فلا بد من علاج جذري لأساس مشاكلكِ، وهو المرض النفسي بالأسباب الآتية:

الدعاء.

الاستغفار.

الاسترجاع.

الصدقة.

الرقية الشرعية.

العلاج النفسي المكثف عند مختص ثقة.

ثانيًا: عالجي نفسكِ عن شدة الغضب بالعلاجات السابقة، وبمجاهدة نفسكِ على التخلص منه وعدم الاستسلام له، وبأهم من ذلك الاستعاذة بالله من شره، وإذا حصل الغضب، فعالجيه بالوضوء وتغيير الجلسة والمكان، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.

ثالثًا: والداكِ لهم حقوق عظيمة عليكِ، لا تُلغيها أو ينقص من قدرها أي خطأ منهما؛ لقوله سبحانه: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23].

رابعًا: عليكِ بالبحث عن أسباب اختلاف معاملة أهلكِ لكِ عن أخواتكِ، فقد تكون بِرَّهُنَّ لوالديكِ، وقد تكون حسن أدبهن ولباقتهن معهما، وقد تكون أخطاء منكِ مع والديكِ، وقد تكون غير ذلك، المهم البحث عنها والمجاهدة على التخلص منها.

خامسًا: ذكرتِ أنكِ تشربين الدخان منذ أن كنتِ في سن المراهقة، وهذا يدل على أنكِ تعانين من مشكلة نفسية، تريدين الهرب منها بالدخان، وأنتِ في الحقيقة بذلك تزيدين من تفاقم مشاكلكِ؛ بسبب تعاطيكِ الدخان المحرم شرعًا، واعتياد البعض عليه لا يصيره حلالًا، فالحلال ما أحله الله سبحانه، والحرام ما حرمه سبحانه؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].

وقال عز وجل: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157]، ولي رسالة هنا في شبكة الألوكة عن شرب الدخان؛ لعلكِ تطلعين عليها لمزيد من الفائدة، وهذا رابطها: (حوار طريف بين داعية ومدخن محرم في ميقات السيل).

سادسًا: أنتِ ما زلتِ في سن المراهقة، ومن طبيعة هذا العمر في الغالب تضخيم الأمور والحدة في الآراء، وتفسير كلام الأهل وغيرهم تفسيرًا حادًّا، فانتبهي لنفسكِ وصححي من أخطائكِ.

سابعًا: قد تكونين مبتلية بسبب معاصٍ ارتكبتِها، ولم تبالي بها؛ فتفقدي نفسكِ، وحاسبيها، وأكثري من التوبة والاستغفار؛ لأن للذنوب آثارًا وخيمة على الفرد والمجتمع، ومنها تسلط الغير، وتعسر الأمور، وضيق الصدر؛ قال سبحانه: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165].

ثامنًا: أما والداكِ، فإن كانا مخطِئَينِ، فلا بد من مناصحتهما من قِبل عقلاء العائلة مع أهم شيء؛ وهو الدعاء لهما بتقوى الله، وحسن الخلق، واجتناب الظلم.

حفظكِ الله، وشفاكِ، ورزقكِ بر والديكِ، ورزقهما حسن الخلق.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.