استشارات متعلقة
تاريخ الإضافة: 1/1/2024 ميلادي - 19/6/1445 هجري
الزيارات: 42
♦ الملخص:
أمٌّ لأربعة أطفال، متزوجة منذ اثني عشر عامًا، كان زوجها يسيء معاملتها جدًّا، ولما هددته بالطلاق، وصمَّمت عليه، أقسم أنه سيتغير للأفضل، وبالفعل تغير إلى حدٍّ كبير، لكنها لم تعُد تحبه، ولا تستطيع تقبُّل طبعه وتفكيره وكلامه الذي لا يخلو من حديث عن العلاقة الخاصة، كلُّ الذي يربطها به حبه لأولاده، وحبهم له؛ وهذا الذي يزهِّدها في الطلاق، ومن ناحية أخرى تشعر بصراع داخلي؛ فهي تحاول إجبار نفسها على العيش معه، وتسأل: ما الحل؟
♦ التفاصيل:
أنا امرأة في منتصف الثلاثينيات، متزوجة منذ 12 عامًا، لي من الأولاد أربعة، لا أشعر بالارتياح مع زوجي منذ سنوات طويلة؛ إذ إنه يسيء معاملتي جدًّا، ويشتمني كثيرًا أمام أطفالي، وصوته العالي يفضحني أمام الناس، الذي أرى في نظراتهم الشفقة عليَّ أحيانًا، والشماتة أحيانًا أخرى، فلما عزمت على الطلاق وصمَّمت، أقسم لي أنه سيتغير، وبالفعل تغير منذ عام، إلى حدٍّ كنت أتمناه، فتوقف عن شتمي، وبدأ يجلس معي دون صراخ، لكنني – مع الأسف – لم أعُد أحبه، فحاولت أن أحبَّه، لكني فشلتُ، أردتُ الطلاق، وصليت الاستخارة، فخوَّفني زوج صديقتي – وهو محامٍ – من الطلاق وعواقبه؛ فشعرت أنها رسالة من ربي وأجبرتُ نفسي على تقبُّله وحبِّه، العلاقة الخاصة هي جُلُّ اهتمامه، يتحدث عنها في كل وقت، وهذا يضايقني؛ فأنا أريده أن يتكلم في أمور أخرى، وقد أخبرته بذلك، فما كان منه إلا أن زاد حديثه عنها، وإذا لم يتكلم في هذا الأمر، فهو لا يتكلم أصلًا، بل يشاهد التلفاز فقط، وهذا على عكس ما أهوى وأحب؛ فأنا محبة للحياة والعلاقات، والقراءة والمحاضرات والعلم، ألَّفت كتابين في التنمية البشرية، مغرمةٌ أنا بمجال الاستشارات الأسرية والنفسية، أدرسه منذ ثلاث سنوات، من مالي الخاص، دون علم زوجي؛ لأنه يكره ذلك، ويقول: كل تفكيرك في العلم، أولادي متعلقون بأبيهم تعلقًا شديدًا، ويرفضون الذهاب معي لأهلي؛ لذا لا أريد أن أُهرع للطلاق؛ خوفًا على أطفالي، أيضًا أريد أن أكون استشارية نفسية متميزة، فأبدأ بنفسي، وأحاول تطبيق ما أتعلمه قدر الطاقة؛ كي لا أكون منافقة، ومن ناحية أخرى فلا أرى أي مميزات في زوجي إلا حبه لأولاده وحبهم له، أما طبعه الانطوائي وتفكيره وكلامه المستمر في الجنس، فهذا ما لا أستطيع أن أتعايش معه، وأشعر بصراع داخلي؛ إذ أجبر نفسي إجبارًا لأنسى عيشي معه، مع العلم أن أخي الوحيد يوافق على الطلاق، وإن طُلقت فسوف آخذ معاشَ أمي، أريد استشارة أسرية، تُنهي الصراع الدائر في نفسي.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فإن من طبيعة الحياة وجودَ المشكلات، فذاك مشكلته في توافقه الزوجي، وذاك في علاقاته مع الآخرين، وذاك في تجارته، وذاك في وظيفته.
وإن صحَّ التعبير، فهي تحديات أكثر من كونها مشكلاتٍ، وعلى العاقل أن يقاوم هذه التحديات، وأن يتعامل مع هذه المنغِّصات بما يحمي نفسه من الأذى، مستعينًا بالله تبارك وتعالى أولًا، طالبًا منه التوفيق والسعادة، وأن يتحلى بالأخلاق الحميدة، ويتعامل مع الآخرين بسلوك حسن يتمثل فيه تعاليم الإسلام وقِيَمه؛ فإن حُسن الخلق والتعامل مع الآخرين بما يرضي الله سبحانه هو من أسباب التوفيق والفلاح في الدنيا والآخرة.
ثم دعيني أتحدث عن مشكلة عدم التوافق الزوجي، هذه المشكلة المتكررة لدى الكثير، وهناك من يُوفَّق للتعامل معها بشكلٍ جيد يُقرِّب المسافات، ويخفف من آثار هذا التفاوت في الطبائع، وفي نفس الوقت هناك مَن يرغب بالهروب، والتخلُّص من هذه العلاقة التي تراكمَت فيها الذكريات الْمُؤْلِمة.
ولذلك أود التنبيه على أن هناك مِنَ النساء مَن تتحمل مسؤولية ما وقع عليها من خطأ، نَعم، هي مخطئة بتأخرها في وضع حدٍّ لهذه التجاوزات، ومحاولة تصحيح الوضع السيئ، فهناك من البشر وللأسف مَن يتمادى إذا لم يُوقِفْه الآخرون عند حدِّه، مثل ما حدث معكِ أيتها الكريمة؛ فإن الزوج لم يتغير إلا حينما رأى منكِ الوقوف بحزم تجاه تجاوزاته، وأنا لا أدعو إلى التصادم والدخول في مواجهات عنيفة، ولكنَّني أدعو إلى الحزم ووضع حدٍّ للأخطاء والتجاوزات، فإن البعض لا ينتبه حتى يُنبَّه، ولا يحسب حسابًا لسوء أفعاله إلا إذا تمت مواجهته بالعواقب، وهذا قد يكون بسبب خلل في التربية؛ حيث إن البعض ربما كان مدلَّلًا في صغره، ولم تتم تربيته على احترام حدود الآخرين، وإنما على تلبية احتياجاته فقط؛ ولذلك أدعو الوالدين جميعًا إلى الانتباه إلى هذه النقطة المهمة في تربية الأبناء.
أختي الكريمة، ما حصل قد انتهى وأصبح من الماضي؛ ولذلك دعينا ننظر ونتأمل ما الذي يُمكن إصلاحه من خلل؟ وهل الأفضل هدم هذه العلاقة، أم تحسينها؟ فإن العُمر قد مضى، واستمرت علاقتكما لمدة اثني عشر عامًا، ورزقكم الله أثناءها أربعة أطفال، ولا يُمكننا العودة للوراء لإصلاح ما فات، ولا استعادة ما افتقدتِه فيما تصرَّمَ من أعوام، ولكن يمكن تحسين الوضع فيما تبقى فهو أنفع من الهدم؛ فإنه لو حصل الانفصال مع وجود هؤلاء الأبناء، فستكون أسرتك مشتتة، وعمودا الأسرة مفترقان، فبأي ظلٍّ يستظل هؤلاء الأطفال؟ وهل تضمنين وجود زوج آخر تحبينه ويحبكِ؟ حتى لو حصل، فإن تعلقكِ بأبنائكِ سيُتعب قلبَكِ، وحتى لو كانوا معكِ وبصحبتكِ، لكنهم عند رجل ليس والدهم.
هل تأمَّلتِ حجم الخسائر؟!
نعم، سوف أوافقكِ الرأي، وأدعوكِ لاتخاذ هذا القرار لو كان حالكم بعد الانفصال سيكون هو الأفضل، ولو كان وجودكِ مع زوجكِ يُشكِّل خطرًا عليكِ وعلى أبنائكِ، كما هي الحال في بعض الانحرافات الأخلاقية، وكذلك الإدمان وشروره.
ولكن ما دام الأمر في حدود المشاعر، وفي اختلاف وجهات النظر فيمكن إصلاحه.
ومما يعينكِ على إصلاح الأمر دعاءُ الله سبحانه وتحري أوقات إجابة الدعاء، ثم نسيان الماضي وتخطيه، والبعد عن الرغبة في الانتقام، ما دام أنه قد تبين لكِ أن البقاء أنفعُ، ومحاولة التقارب، أما الانكفاء والتعامل بجفاء، فسوف يزيد الأمر سوءًا.
ومما يعينكِ على التخطي تأمُّلُ الإيجابيات وتفخيمها، والتغاضي عن الزلَّات وعدم الإمعان فيها.
وكذلك استخدمي مهاراتِ التواصل، ومهارات الذكاء العاطفي والذكاء الاجتماعي، على وَفق ما تعلمتِ في هذه المجالات، بالإضافة إلى الانشغال بالتعلم وتطوير المهارات، وإيجاد شغف يصرف هِمَّتَك إلى ما تحبين.
أسأل الله للجميع التوفيق والسعادة، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.