♦ الملخص:
فتاة حاول زميل لها في العمل استمالة قلبها بكل الوسائل، ولما تقدم إليها، رفضه أهلها؛ لعدم التكافؤ بينهما، ومع ذلك استمرَّ في محاولاته، فحظرته، وهي تسأل: هل تصرفها صحيح؟
♦ التفاصيل:
أنا فتاةٌ أعمل عن بُعْدٍ، وفي العمل رجال ونساء، تجمعنا مجموعة واتساب إدارية، وأحيانًا يكون هناك تعاونٌ أو احتكاك بيني وبين بعض زملاء العمل، وقد تقدَّم لخِطبتي أحدُ الزملاء، حينما علِم أنني غيرُ متزوجة، وكانت حُجَّته التواصل من أجل العمل، حتى كثُر تواصله، بل تطور الأمر لذكرِ أمورٍ عاطفية، وحجَّته أن هدفه الزواج، وأنه يريد زوجة صالحة تُعينه على الخير، فساءني ذلك، وكنت أقول له: أنا مختلفة عنك؛ لأنني ملتزمة، وأتجنَّب التعامل مع الرجال في غير ضرورة، وقد استمر الأمر على هذه الحال عدة أشهر، ولما تقدَّم إلى خِطبتي، قرَّر أهلي عدمَ الموافقة عليه؛ لعدم التكافؤ الاجتماعي بيننا وبينه، ولأمور أخرى أيضًا، وكان المتوقع من شخص يدَّعي أنه إمامُ مسجدٍ، حافظ للقرآن، أن يتوقف عن المراسلة بعد رفض أهلي، لكني وجدت ما زال يراسلني ويخبرني برغبته في أن يبقى بيننا تعاون في مجال تخصصنا، فاعتذرت لأن هذا يخالف مبادئي، ثم شعرت أنه بين حين وآخر يفتعل مواقفَ ليسألني عن شيء يخص العمل، وكنت أحيانًا أُحسِنُ الظنَّ، وأحيانًا أجِدُ أن مواقفه فيها مخادعة ومحاولة لاستمالة قلبي، وأعترف أنه كان من المفترض أن أتخذ موقفًا حاسمًا منذ البداية بحظر رقم جواله، أو تغيير رقمي، وهذا ما هدَّدتُه به، فلما ضاق بي الأمر، أرسلت إليه واعتذرت من التواصل على الخاص مطلقًا – سواء فيما يخص العمل أو غيره - وهذا يعني أنه عند الحاجة، فسيكتب لي في المجموعة الإدارية، ثم حظرت رقمه، بيدَ أنني أخشى أن يؤذيني، خاصة أن بيده سلطة في بعض الأمور الإدارية، فهل تصرفي معه صحيح؟ وكيف أتصرف إن نالني منه أذًى؟ وكيف أتخطَّى تلك التجربة نفسيًّا؛ حيث أثَّرت فيَّ تأثيرًا سلبيًّا، وكلما رأيت اسمه، تذكرت مواقفه، وتأزمت نفسيتي؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
فنرحب بكِ أختنا الكريمة، ونشكر لكِ ثقتكِ بموقع شبكة الألوكة، ونسأل الله أن نكون عند حسن الظن في تقديم ما يسُرُّكِ ويفيدكِ، وأن تجدي بُغيتكِ.
ذكرتِ في رسالتك: (كان من المفترض أن أتخذ موقفًا حاسمًا منذ البداية بحظر رقم جواله، أو تغيير رقمي)، فعلًا كان هذا هو التصرف الصحيح، الذي كان ينبغي أن تقومي به، ولا بد من التجاهل والتغافُل لِما يقوم به، وما أخَّركِ عن ذلك إلا خوفكِ من سلطته في العمل، إضافة إلى الحياء من إجراء أي تصرف جاد يحُلُّ المشكلة، وكذلك حسن الظن الذي لم يكن في محله، على الرغم من أنه تكلم معكِ في أمور عاطفية، ولم تتخذي أي قرار بشأنها، وهذا خطأ كبير في حد ذاته؛ ما جعله يتمادى في طلبه، مع أن أهلكِ قاموا بردِّه عندما تقدم لخطبتكِ؛ بحجة عدم التكافؤ الاجتماعي، إلى غير ذلك.
ولأن لديكِ معرفةً أنه يجب أن تتخذي موقفًا حاسمًا معه، فما زال في الوقت مُتَّسعٌ لهذا القرار، فلا بد من إيقافه عند حدِّه، حتى لا يتمادى، فأنتِ لكِ كِيانكِ، واحترامكِ، وحدودكِ، ولو كان يحترمكِ حقيقةً فلن يتمادى في طلبه، على رغم الرد الواضح من أهلك، ولكن ما يعنيه ذلك أنه يعرف أن شخصيتكِ غير قوية، وليس لديكِ جرأة في اتخاذ القرار، وقد يكون مساعدًا لذلك كونه مسؤولًا، وخوفكِ من أي قرار يتخذه ضدكِ أمرٌ خاطئ، فالرزق بيد الله، ليس بيده هو، حتى وإن كانت المسؤولية في يده؛ فلا تخافي إلا من الله، وتوكلي عليه سبحانه، فلا يمكنه التدخل في أمور عملكِ، إلا إذا سمحتِ له أنتِ بذلك، سواء بحسن نية، أو بضعف الحدود التي رسمتِها له.
وما يقوم به الآن من تدخُّل في الخصوصية بشكل غير صحيح، ويتحجج بأن هدفه الزواج، وقد رددت عليه بأنكِ ملتزمة، وتتجنبين التعامل مع أي شخص أجنبي، خارج نطاق حدود العمل، ولم يتوقف عن المراسلة، وقد يفتعل المواقف والأعذار، فموقفكِ من هذا الأمر سليم بحظر رقم جواله، ولا تخشَي من أي أذًى يمكن أن يُسبِّبه لكِ في مجال عملكِ، وإن عمِل شيئًا من هذا، فيمكن الرد عليه بسهولة، وتقديم خطاب إلى ربِّ العمل، أو رئيس المشروع، توضِّحين فيه ما حصل لكِ من تصرف هذا الشخص، واجمعي الحقائق والمعلومات التي تدعم شكواكِ، وتعبِّر عن تأثير سلوك الزميل فيكِ، وفي الفريق، وفي العمل، ولا تنسَي أن تعبري عن مشاعركِ بشكل محترم ومهذب، وحافظي على هدوئك، لا تكوني مهزوزة، وزوِّدي ثقتكِ بنفسك، وغيِّري نظرتكِ للأمور، ومنها تخطي المشكلة، وتحييد تأثيرها، وذلك بتقليل إمكانية أن يقوم بشيء يؤذيكِ في العمل؛ لأنه لا يستطيع ذلك إلا بدليل موثق، ولن يستطيع ذلك لأنه لن يستطيع تمرير أي قرار مثل هذا، وهذا من شأنه أن يُبعِدَ عنكِ الأثر النفسي بسبب الخوف من هذه النقطة.
ومن الأمور التي من شأنها أن تحيِّد التأثير النفسي تقديمُ الأداء الممتاز لكِ، والتركيز على أداء عملكِ بشكل جيد، وهذا بحد ذاته من الممكن أن يساعد في إظهار قيمتكِ الفعلية أمام الزملاء، وأمام صاحب العمل، ويكون بالتركيز على نموكِ الشخصي، فاستغلي وقتكِ وجهودكِ في تطوير مهاراتكِ ومعرفتكِ في مجال عملكِ، وهذا سيساعدكِ على بناء ثقتكِ بنفسك، وتعزيز قيمتكِ المهنية؛ مما يقلل من تأثير سلوك الزميل السلبي عليكِ، ومن المهم البحث عن الدعم الداخلي والخارجي، فحاولي الاستفادة من دعم الزملاء الآخرين الذين يقدِّرونكِ، وتقديركِ للعمل الذي تقومين به، وهذا سيبعد عنكِ التفكير في الموضوع من جهة، فيساعد في تحسين نفسيتكِ، ويجلب لكِ الراحة في العمل، ومن جهة أخرى لا يستطيع هو أن يضركِ في مجال عملكِ لتميُّزكِ، ويساعد بإذن الله في التخفيف من آثار تصرفات الزميل المزعجة، وهذا سيحقق لكِ التكيف، فإذا أردتِ حقًّا أن تكوني محترفة في عملكِ، فعليكِ بالتكيُّف، ولا تقومي بأي شيء يُعطي انطباعًا عنكِ أنكِ تكرهين شخصًا ما، وهذا ما يسمى بالتغافل، كما ذكرناه سابقًا في بداية الرد.
وإن تمادى في تدخله، فيمكنكِ إيصال رسالة بشكل غير مباشر بالتهديد برفع دعوى للتدخل في الخصوصيات خارج العمل، فربما يكون لها أثر طيب في الحد من تدخله في حياتكِ الخاصة.
نسأل الله تبارك وتعالى لكِ التوفيق والسداد، ونسأله سبحانه وتعالى أن يسهِّل أمركِ ويسعدكِ، ويوفِّقكِ، ويدلَّكِ على طريق الخير والسعادة، وأن يبعد عنكِ الشر، والله الهادي إلى سواء السبيل.