♦ الملخص:
فتاة مخطوبة لشابٍّ ذي خلق ودين، يحبها ويقدرها، سعدت به في أول الخطبة، ثم ما لبثت أن التفتت إلى بعض السلبيات التي تظن أنها تؤثر فيها بعد الزواج منه؛ وأهمها اختلاف مستوى التعليم والثقافة بينهما، وهي في حيرة من أمرها، وتسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:
خُطبتُ منذ سبعة أشهر من شابٍّ على خُلُقٍ ودين، وهو يحبني جدًّا ويُقدرني، وكنت سعيدة به، حتى بدأت أركز في بعض سلبياته التي لم أُلْقِ لها بالًا في أول الخطبة؛ مثل: اختلاف الثقافة، ومجال التعليم، وشعرت أنني لن أكون سعيدة معه بعد الزواج، وأنه لن يلبي لي احتياجاتي، مع أنه وعدني بالسعي والاجتهاد من أجلي، لكني لا أصدقه، موعد زواجنا بعد سنة من الآن، وأنا في حيرة شديدة، وأخشى إن استمر الأمر أن أظلمه وأظلم نفسي معه، وقد تحدثت مع أمي في الأمر، فكان رأيها أن مثل هذا الشخص نادر هذه الأيام؛ لأنه على خُلُقٍ ودين، فلا أدري ما أفعل، أرشدوني، وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين؛ سيدنا محمد، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ أما بعد:
فحيَّاكِ اللهُ - أيتها السائلة - وبيَّاكِ.
ينص السؤال على أنه تمَّت خطبتكِ ولكنكِ لملاحظة اختلاف الثقافة ومستوى التعليم ومجاله، خِفْتِ من عدم التوافق في المستقبل، أو أنكِ لا تصدقينه.
أختي في الله: الأحاديث واضحة حول وصف من يتقدم للخطبة؛ وأهمها خصلتان: ((إذا أتاكم من ترضَون دينه وخُلُقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير))؛ [رواه الترمذي (1084)].
فالخصلتان هما: الدين، وصلاح الخُلُق، وعليهما يُبنى القَبول أو الرفض، والمشكلة في تحديد الدين، وكيف يستطيع الإنسان من التحقُّق أنه صاحبُ دينٍ؟
فأهمية الدين بكل أبوابه: أركان الإسلام، أركان الإيمان والإحسان، وأيضًا أهمية لإيمان بأشراط الساعة؛ فالحديث: ((بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجلٌ شديدُ بياضِ الثياب، شديدُ سواد الشَّعر، لا يُرى عليه أثَرُ السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفَّيه على فخِذَيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تشهد أن لا إله إلا االله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيمَ الصلاة، وتُؤتيَ الزكاة، وتصومَ رمضان، وتحُجَّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلًا، قال: صدقت، فعجِبنا له يسأله ويصدِّقه، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيرِهِ وشرِّهِ، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني عن الساعة، قال: ما المسؤول عنها بأعلمَ من السائل، قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: أن تَلِدَ الأَمَةُ ربَّتها، وأن ترى الحُفاة العُراة العالة رُعاءَ الشاءِ يتطاولون في البنيان، قال: ثم انطلق فلبثت مليًّا، ثم قال لي: يا عمر، أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: إنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم))؛ [صحيح مسلم، كتاب الإيمان، حديث رقم: 8].
والشاهد من الحديث: أن السؤال عن الدين يقع تحت الأركان الواردة في الحديث، ومنها معرفة أشراط الساعة والإيمان بها، والإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره.
ولقد ذكر الله عز وجل صفات المؤمنين بأنهم الذين يؤمنون بالغيب؛ وهو كل ما غاب عن العيون، وهو كل ما أمرنا الله بالإيمان به مما غاب عن أبصارنا.
ولأن الدين هو نظام الحياة الكامل الشامل لنواحيها الاعتقادية والفكرية، والخلقية والعملية.
وهذا هو النظام المرضِيُّ عنه عند الله، وهو النظام المبنيُّ على طاعة الله وعبوديته، فالطاعة هي الطاعة لله وحده، والأهم هو الإقرار باللسان والقلب بالعبودية والذلة لله وحده لا شريك له، وانقياده فيما أمَرَ ونهى، وتذلل الأعضاء له بذلك من غير استكبار عليه ولا انحراف عنه، دون إشراك غيره من خَلْقِهِ معه في الألوهية.
هنا نقف لنقول: هل تجدين فيه بعضًا من هذه المفاهيم؟ إن كان ما تجدينه في أساس هذه المفاهيم، فحينها يعود إليكِ اتخاذ القرار الصائب، وإلا تكن هذه الاختلافات بينكِ وبينه فتنة في الأرض وفسادًا كبيرًا.
إذًا عليكِ من جديد معرفة هذه الخصائص؛ لكي يكون لديكِ الدليل القاطع في ترك الخطبة، وإلا كانت فتنة، خاصة أنه لا بد لكِ من معرفة الأخلاق، وهي مشكلة بالنسبة لكِ؛ حيث لا يمكن معرفتها بسهولة إلا من خلال الممارسة العملية، وهذه لا تكون على عاتقكِ وحدكِ، بل على عائلتكِ أيضًا.
وبعد دراسة جميع الأسباب، وإغلاق منافذ الشيطان الذي لا همَّ له أكثر من التفريق بين الزوجين، وبعدها الاستخارة بجانب الاستشارة.
المهم في الختام: الحديث واضح: ستكون فتنة في الأرض وفساد.
فحين تأخذين القرار النهائي بنفسكِ ولنفسكِ، راجعي مجددًا جميع المواصفات، وقارنيها بما فيه، فحينها قراركِ سيكون صائبًا ومناسبًا لكِ ولحياتكِ.
وفقكِ الله عز وجل لِما يحبه ويرضاه، فمن يتَّقِ الله يجعل له من كل ضيق مخرجًا، ويرزقه من حيث لا يحتسب.
ختامًا، ندعو الله عز وجل لكِ بالتوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.