بعد مرور ثمانية أشهر على القصف الإسرائيلي اليومي على الفلسطينيين في غزة، تتزايد الاتهامات للقوات الإسرائيلية بالمعاملة اللاإنسانية للأسرى الفلسطينيين في المستشفى الميداني العسكري في "سدي تيمان"، وتقول منظمات حقوقية إن ما بدأ كمكان مؤقت لعلاج الأسرى بعد 7اكتوبر، تحول إلى معتقل قاسٍ لا يخضع للمساءلة.
داخل خيمة بيضاء "لمستشفى" يقع بالقرب من مدينة بئر السبع في الصحراء، يرقد جرحى فلسطينيون مكبلين ومعصوبي الأعين على أكثر من اثني عشر سريراً ... وعمليات جراحية تُجرى عليهم دون تبنيج أو مسكنات كافية".
وتقول ثلاثة عناصر طبية إسرائيلية أخفت هوياتها: "هذا غيض من فيض، بشأن ما يتعلق بظروف علاج فلسطينيين أسرى يحتجزهم الجيش الإسرائيلي في المستشفى الوحيد في قطاع غزة"، مؤكدين روايات مماثلة من منظمات لحقوق الإنسان.
وفي حين تقول إسرائيل إنها لا تعتقل سوى المسلحين المشتبه بهم فقط، تبين أن العديد من المصابين هم من المدنيين الذين تم اعتقالهم خلال الهجمات الإسرائيلية وأسرهم دون محاكمة، وإعادتهم في نهاية المطاف إلى غزة التي دمرها القصف الإسرائيلي.
شهادة عناصر طبية
وينفي الجيش الإسرائيلي أفعاله اللاإنسانية بحق الفلسطينيين المعتقلين، لكن بحسب شهادة ثلاثة من العناصر العاملة في المستشفى والذين قابلتهم وكالة أسوشيتد برس، تحدث اثنان منهم شريطة عدم الكشف عن هويتهما، خوفاً من انتقام الحكومة الإسرائيلية وارتداد الجمهور ضدهم.
قال الدكتور يوئيل دونتشين، الطبيب المبنج الذي يعمل في مستشفى "سدي تيمان": ”اليسار يديننا بأننا لا نلتزم بأخلاقيات المهنة، واليمين يديننا ويعتبرنا مجرمين لاعتقاده بأننا نعالج إرهابيين.“
وقال الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع إنه شكل لجنة للتحقيق في ظروف مراكز الاعتقال، ومن المقرر أن تستمع المحكمة العليا في إسرائيل الأسبوع المقبل، إلى مرافعات منظمات حقوق الإنسان التي تسعى إلى إغلاق المستشفى المذكور.
وجاء في تقرير صادر في أبريل/نيسان عن منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان-إسرائيل، استناداً إلى مقابلات مع عاملين في المستشفى، أن الأطباء في المنشأة واجهوا ”ضائقة أخلاقية ومهنية وحتى عاطفية“.
اعتقال آلاف الفلسطينيين
اعتقلت القوات الإسرائلية نحو 4000 فلسطيني منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، رغم أنه تم الإفراج عن نحو 1500 شخص بعد أن قرر الجيش أنهم لا ينتمون إلى الفصائل الفلسطينية المقاتلة.
وتقول جماعات حقوق الإنسان الإسرائيلية إن غالبية المعتقلين مروا في مرحلة ما عبر مركز ”سيدي تيمان“، وهو أكبر مركز اعتقال في البلاد، ويقول الأطباء هناك إنهم عالجوا العديد من المدنيين.
رائحة عفنة
وروى أحد الجنود الذين عملوا في المستشفى ما رآه عن رجل مسن، خضع لعملية جراحية في ساقه دون تخدير، وقال: ”كان يصرخ ويرتجف“، وقال الجندي أيضا إن الجرحى كانوا يوضعون في مركز الاحتجاز وسط ظروف مزرية، وغالباً ما كانت جروحهم تصاب بالتهابات، وقال إنه كانت هناك منطقة منفصلة ينام فيها كبار السن على مراتب رقيقة تحت الأضواء الكاشفة، وكانت رائحة عفنة تخيم في الهواء.
أصفاد وأغلال وإهمال
وقال الطبيب المبنج دونشين: ”لدينا الآن مرضى ليسوا صغارًا في السن، مرضى يعانون من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم“، وأضاف قوله إن معظم المرضى يتم وضع حفاضات لهم ولا يسمح لهم باستخدام الحمام، ويتم تقييد أيديهم وأرجلهم بالأغلال وتغطية أعينهم، وقال: ”عيونهم مغطاة طوال الوقت. لا أعرف ما هو السبب الأمني لذلك“.
وقد اعترض الجيش على الروايات التي قدمتها وكالة أسوشييتد برس، قائلًا إنه نادرًا ما يتم تقييد المرضى بالأصفاد، إلا أن وزارة الصحة الإسرائيلية قالت بخصوص المستشفى حديث النشأة في مذكرة ، صدرت في كانون الأول/ديسمبر وحصلت عليها وكالة أسوشييتد برس، إنه سيتم علاج الجرحى وهم مكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين، وإن الأطباء الإسرائيليين الذين تم تجنيدهم للخدمة العسكرية، سيبقون مجهولي الهوية بزعم حماية ”حياتهم وسلامتهم“ من انتقام الجرحى الفلسطينيين إذا ما لمحوهم.
تحت التعذيب
وقال عامل طبي إسرائيلي بشأن تعذيب الأسرى الفلسطينيين، (وكان قد قضى بعض الوقت في منشأة "سدي تيمان" وطلب عدم الكشف عن هويته): ”في بعض الأحيان، كنت أرى حالات ضرب، أحيانا من قبل حراس السجن، يتم علاجها في المرفق الطبي". وقال عامل آخر: ”لا يمكنني أن أجد أي مبرر أخلاقي لمجرد الاقتراب من هذا الفعل (التعذيب)، حتى لو كان الأسير مقاتلا، وأكثر من ذلك، أعتقد أنه من الصعب جدًا أن أصدق أن كل هؤلاء الأسرى كانوا مرتبطين بحماس“.
وقال الجيش الإسرائيلي لوكالة أسوشييتد برس إن 36 أسيرا من غزة توفوا في مراكز الاحتجاز الإسرائيلية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، بعضهم بسبب أمراض أو جروح أصيبوا بها في الحرب، بينما قالت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان-إسرائيل إن بعضهم توفي بسبب الإهمال الطبي.