«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (17)

منذ 1 سنة 353

مما يروى عن الشعبي قال: استأذنت سودة بنت عمارة بن الأسد على معاوية بن أبي سفيان، فأذن لها، فلما دخلت عليه قال لها: يا بنت الأسد ألست القائلة:
شمر كفعل أبيك يا ابن عمارة/ يوم الطعان وملتقى الأقران
إلى آخر القصيدة المعروفة.
قالت: بلى يا معاوية، وما مثلي من رغب عن الحق واعتذر، قال: فما حملك على ذلك؟ قالت: حب علي واتباع الحق، قال: والله ما أرى عليك من أثر علي شيئاً، قالت: أنشدك الله يا معاوية! لا تذكر ما مضى، قال: هيهات! وما مثلك، ومقام أخيك يسيئني، وما لقيت من أخيك، قالت: صدقت يا معاوية، لم يكن أخي ذميم المقام، ولا خبياً، وهو والله كقول الخنساء:
وإن صخراً لتأتم الهداة به/ كأنه علم في رأسه نار
وأنا أسألك يا معاوية إعفاءك مما استعفيت به، قال: قد فعلت، فما حاجتك؟! قالت: يا معاوية، إنك أصبحت للناس سيداً، ولأمورهم والياً، والله سائلك عن أمرنا، وما افترض عليك من حقنا، ولا تزال تقدم علينا من يغرك ويبطش بسلطانك، ويحصدنا حصد السنبل، ويدرسنا درس العصفر، ويسومنا الخسف، ويسلبنا الحيل، هذا ابن أرطاة قدم علينا فقتل رجالي وأخذ مالي، ولولا الطاعة لكان فينا عز ومنعة، فإما عزلته، فشكرناك، وإما أقررته فعرفناك، فقال لها برأفة ورحمة: ألك حاجة؟ فأخبرته فبكى، ثم قال: اللهم اشهد علي وعليهم أني لم أولهم وآمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك، ثم أخرج من جيبه قطعة من جلد كهيئة طرف الجواب فكتب عليها: بسم الله الرحمن الرحيم: (قد جاءتكم بينة من ربكم، فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين، بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين، وما أنا عليكم بحفيظ)، إذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك حتى يقدم عليك من يقبضه منك، والسلام.
فأخذته منه وأوصلته إليه فامتثل ورجع عما كان فيه، فقال معاوية: اكتبوا لها برد مالها والعدل في حالها، فسألته سودة: ألي خاص أم لي ولقومي؟ قال: بل لك، قالت: إذًا الفحشاء واللؤم، هي والله إما عدلاً شاملاً وإلا فأنا كسائر قومي، فهز رأسه إعجاباً وقال: اكتبوا لها بحاجتها هي وقومها.
وسودة هذه شاعرة همدانية، عرفت بأنها شجاعة وذات منطق فصيح وبليغ.