هذا المقال نشر باللغة الفارسية
لطالما كان التفكير في طبيعة الموت، اللغز الأصعب لعقل الإنسان، وفي هذا الفلك دارت تساؤلات عديدة عما إذا كان الموت النهاية المطلقة لنا، أو أن هناك عالمًا آخر نستكمل فيه ما لم تمكّننا الحياة من قطفه. غير أن بحثًا حديثًا لمجموعة من العلماء كشف عن وجود "وضع ثالث" وسط بين الحياة والموت.. فما القصة؟
أظهر بحث جديد لمجموعة من علماء أحياء الخلايا أن الإنسان يمكن أن يدخل في حالة وسطية بعد مماته، تنتهك التعريفات التقليدية للحياة والموت، فهي خليط بين الموت من جهة والحياة من جهة أخرى، وهي حالة يمكن القول عنها بأنها "لا حياة ولا موت" أو ما سموه "الوضع الثالث".
بشكل عام، يقول العلماء في تعريف الموت إنه "توقف لا رجعة فيه للأداء العام للكائن الحي"، غير أن عمليات التبرع بالأعضاء تثبت أن الأنسجة يمكن أن تستمر في العيش لبعض الوقت بعد الموت. وقد لفتت هذه المعلومة انتباه اثنين من علماء الأحياء، وهما بيتر نوبل، الأستاذ المساعد في علم الأحياء الدقيقة بجامعة ألاباما في برمنغهام، وأليكس بوزيتكوف، مدير المعلوماتية الحيوية في كلية إيرل ومانيلا للعلوم البيولوجية في هوب سيتي.
وفي ورقة بحثية نُشرت في مجلة "ذا كونفيرسيشن"، أظهر العالمان أن خلايا الكائنات الحية تستطيع أن تتجاوز الموت.. حتى بعد الموت، وذلك بعد ملاحظة وجود عمليات معقدة داخل الخلايا الحية تنبئ بقدرتها على تجاوز النهاية نحو حياة جديدة.
كيف تم الاكتشاف؟
قام الباحثان بعزل خلايا من أجنة ضفادع ميتة، ووجدوا أن الخلايا الميتة تستطيع أن تتكيف تلقائيًا مع ظروف المختبر، وتشكل هياكل جديدة متعددة الخلايا تسمى "xenobots". واللافت أن هذه الهياكل الجديدة تتسم بسلوكيات تتجاوز وظائفها البيولوجية الأصلية؛ ففي الحياة الطبيعية تستخدم الضفادع الخلايا الجديدة في الأهداب لتحريك المخاط، لكنها في حالة الباحثين استعملت أهدابها للتنقل في بيئتها.
علاوة على ذلك، تمتلك هذه الهياكل الجديدة أو "Xenobot" أيضًا قدرة غير عادية على إجراء النسخ الذاتي الحركي؛ مما يعني أنها يمكن أن تكرر شكلها المادي وكذلك وظيفتها دون النظر إلى مسار النمو التقليدي.
وفي سياق متصل، أظهرت الدراسات أن خلايا الرئة البشرية يمكن أيضًا أن تتجمع تلقائيًا في كائنات صغيرة متعددة الخلايا مع القدرة على الحركة، وأظهرت أيضًا أنها يمكن أن تقوم بسلوكيات مغايرة لحالتها الحية، بالإضافة إلى قدرتها على ترميم نفسها وإصلاح الخلايا العصبية التالفة القريبة منها.
كما كشفت نتائج الاختبارات أن الكائنات الحية يمكن أن تتكيف مع محيطها وتتطور بطرق غير محددة مسبقًا.
هل يمكن الحفاظ على الحياة بعد الموت؟
تتأثر قدرة الخلايا والأنسجة على البقاء والعمل بعد وفاة الكائن الحي بعدة عوامل، بما في ذلك الظروف البيئية والنشاط الأيضي وطرق الصيانة. كما أن بعض الخلايا تموت بشكل أسرع من غيرها، حيث يتم تدمير خلايا الدم البيضاء عادة في غضون 60 إلى 86 ساعة بعد الموت. غير أن النشاط الأيضي للخلايا هو الذي يحدد مدى قدرتها على الاستمرار، وبالتالي فإن الحفاظ عليها حية يتطلب إمدادات طاقة ثابتة وكبيرة. كما يمكن لتقنيات مثل التجميد أن تساعد عينات معينة من الأنسجة، مثل نخاع العظام، على الاستمرار في الحفاظ على نفس الوظيفة.. فهل يكون هذا البحث بوابة لكسر المزيد من الأفكار التقليدية عن الموت؟