♦ الملخص:
سائل يسأل عن جواز الدعاء على أبيه القاسي الذي يظلمه منذ صغره، ويأكل ماله في كِبَرِه.
♦ التفاصيل:
والدي منذ صغري يضربني دون سبب، ويكسر ألعابي، ويدعو عليَّ، وفي كبري يقوم بظلمي واتهامي بأشياءَ لم أفعلها، ويأكل مالي، وهو ليس بحاجة إليه، وأنا فقير، فهل يجوز أن أدعوَ عليه؟ وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
أولًا: فقد سألت عن مسألة خطيرة؛ وهي: هل يجوز الدعاء على والدك الذي تعتقد أنه ظلمك؟ ويبدو أنك تظن أن بِرَّ الوالدين مجرد مكافأة لهما على إحسانهما، والأمر ليس كذلك؛ فَبِرُّ الوالدين واجب، ولو كانا كافِرَينِ، ويأمران ابنهما بالكفر، فكيف بالمسلمين؟ لقوله سبحانه: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 15]، فالدعاء عليهما عقوق لهما، فاحذره واستبدل به البرَّ والدعاء لهما، مهما قصَّرا أو ظَلَمَا.
ثانيًا: ثم ذكرتَ طامة كبرى أخرى؛ وهي: إدمانك الكحول، والخمر محرَّمة بالنص والإجماع؛ لقوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90].
ثالثًا: وذكرتَ أنك لجأت إلى الخمر بسبب قسوة والدك، وهذا ليس مبررًا لك للوقوع في هذه الكبيرة من كبائر الذنوب، ويدل تساهُلك بها على ضعف إيمانك وخوفك من الله سبحانه، وضعف تعظيمك لشعائر الله وحُرُماته؛ والله سبحانه أمر بتعظيمهما في قوله عز وجل: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ [الحج: 30]، وقوله عز وجل: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].
رابعًا: وكان عليك بدلًا من اللجوء للمعاصي المحرَّمة التي تزيدك بُعْدًا عن الله سبحانه، وتزيدك كآبةً وبؤسًا أن تأخذ بالأسباب الشرعية الآتية؛ وهي:
• المحافظة على الواجبات الشرعية، خاصة الصلاة في أوقاتها بالمساجد.
• والإكثار من ذكر الله سبحانه بالصلاة، وتلاوة القرآن، والذكر؛ فهي مجتمعة تطمْئِنُ القلب، وتقوِّي الإيمان، وتدفع الشرور؛ كما قال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وقال سبحانه عن المعرضين عن ذكره المتساهلين بمقارفة الآثام: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124].
خامسًا: والخلاصة أنك وقعت في ظُلُمات مُدْلَهِمَّة، وكبائرَ عظيمة؛ من عقوق وشرب للخمر، وما قد يتبعها من ترك أو تساهل بالصلاة... فبادر إلى التوبة فورًا مما اقترفته يداك، ولا تيأس من رحمة الله سبحانه، فباب التوبة مفتوح ما لم تُغَرْغِرِ الروح؛ لقوله سبحانه: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر: 53 - 56].
سادسًا: نصيحة لك: لا تُزَكِّ نفسك، وتنشغل باتهام والدك، فربما كنت السبب في سوء تعامل والدك معك بسبب معاصٍ وقعت فيها، ولم تأبَهْ لها من عقوق وخمر ومعاصٍ أخرى، سبَّبت تسلُّطَ والدك عليك عقابًا دنيويًّا لك؛ كما قال عز وجل: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165].
حفِظك الله، ووفَّقك للتوبة النصوح، ووفَّق والدك للرفق بك.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.