هل سيُساعدنا براز الطيور على التنبؤ بجائحة الإنفلونزا المقبلة؟

منذ 17 ساعة 12

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- تخرج سرطانات حدوة الحصان من خليج "ديلاوير" في شهر مايو/ أيّار، وتحديدًا عند أول اكتمال للقمر، بهدف التزاوج ووضع بيضها.

وبالتزامن، تهبط مئات آلاف الطيور الساحلية المهاجرة على هذه الشواطئ حتى تتغذّى على البيض الغني بالبروتين والدهون. وعلى مدار الأسبوع، تتضاعف أوزان بعض الطيور، بينما تستعد لاستئناف رحلاتها بين أمريكا الجنوبية ومناطق تكاثرها الصيفية في القطب الشمالي.

يتوقف هنا نحو 25 نوعًا مختلفًا من الطيور كلّ ربيع.

وتُعدّ أعجوبة بيئية لم يسبق لها مثيل في أي مكان آخر من العالم، وثروة للعلماء الذين يتطلّعون إلى وقف الجائحة المُقبلة.

كيف ذلك؟

قالت الدكتورة باميلا ماكنزي، مشيرة إلى شريكها البحثي، باتريك سيلر: "يوجد كنز ثمين هنا".

ويُعدّ كلًا من سيلر وماكنزي جزءًا من فريق مُموّل من المعاهد الوطنية للصحة في مستشفى "سانت جود" لأبحاث الأطفال، يزورون الشواطئ القريبة منذ حوالي 40 عامًا، لجمع براز الطيور.

وهذا المشروع كان فكرة الدكتور روبرت ويبستر، عالم الفيروسات النيوزيلندي الذي كان أول من فهم أن فيروسات الإنفلونزا تأتي من أمعاء الطيور.

في رحلته الأولى إلى خليج "ديلاوير" في العام 1985، وجد ويبستر وفريقه أن 20% من عينات براز الطيور التي أحضروها معهم تحتوي على فيروسات الإنفلونزا.

وأدرك الفريق أن المنطقة كانت مرصدًا مثاليًا لتتبّع فيروسات الإنفلونزا في الطيور، أثناء انتقالها على طول مسار الطيران الأطلسي، الذي يمتد بين أمريكا الجنوبية والدائرة القطبية الشمالية في شمال كندا.

وقد يؤدي العثور على فيروس إنفلونزا جديد هنا إلى إعطاء العالم إنذاراً مبكراً حول العدوى المقبلة.

وبحسب الدكتور ريتشارد ويبي الذي توّلى إدارة المشروع، أصبح هذا المشروع واحدًا من أطول المشاريع لسحب عيّنات من فيروسات الإنفلونزا، من مجموعات الطيور ذاتها في أي مكان من العالم.

وأوضح أن التنبؤ بالأوبئة يُشبه إلى حدّ ما محاولة التنبؤ بالأعاصير.

 فيروس "H5N1"

قبل أشهر قليلة من وصول فريق "سانت جود" إلى مدينة "كيب ماي" هذا العام، ظهر فيروس "H5N1" لأول مرّة في الأبقار الحلوب بتكساس.

أدّى هذا الاكتشاف إلى وضع خبراء الإنفلونزا، وبينهم ويبي، في حالة تأهّب. ولم يسبق أن انتشرت فيروسات الإنفلونزا من النوع "A"، مثل "H5N1"، في الأبقار.

تابع العلماء الفيروس لأكثر من عقدين من الزمن.

ولم تُسبّب بعض فيروسات الإنفلونزا أي أعراض أو أعراضًا خفيفة فقط في الطيور. وتسمى هذه الفيروسات بـ"إنفلونزا الطيور منخفضة العدوى"، أو (LPAI).

فيما تُسبّب بعض فيروسات الإنفلونزا أعراضًا شديدة الخطورة للطيور، خصوصًا الدواجن. وتُسمّى هذه الفيروسات بـ"إنفلونزا الطيور شديدة العدوى"، أو (HPAI).

وفي الولايات المتحدة، يتم إعدام القطعان المُصابة بمجرد اكتشاف الفيروس، وذلك للحد من انتشار العدوى والتخفيف من معاناة الطيور.

وهذه ليست المرة الأولى التي يضطر فيها المزارعون في أمريكا للتعامل مع إنفلونزا الطيور شديدة العدوى.

ففي العام 2014، جلبت الطيور المهاجرة من أوروبا فيروسات "H5N8" إلى أمريكا الشمالية. وأدت عمليات الإعدام العنيفة، التي أسفرت عن نفوق أكثر من 50 مليون طائر، إلى وقف تفشي المرض.

وظلّت الولايات المتحدة خالية من فيروسات إنفلونزا الطيور شديدة العدوى لسنوات.

لكن هذه الاستراتيجية لم تمنع فيروس "H5N1" من التفشّي.

وصل H5N1" إلى الولايات المتحدة في أواخر العام 2021. ورغم التخلّص من قطعان الدواجن المصابة، إلّا أن الفيروس استمر بالانتشار.

وفي العامين الماضيين، طوّرت فيروسات "H5N1" أيضًا القدرة على إصابة مجموعة متزايدة من الثدييات، مثل القطط والثعالب وأسود البحر، ما جعلها أقرب للانتشار بسهولة بين البشر.

يمكن أن تُصيب فيروسات "H5N1" البشر.. لكن هذه العدوى لا تنتقل من شخص إلى آخر لأنّ الخلايا الموجودة في أنفنا وحلقنا ورئتينا لها مستقبلات مختلفة قليلاً عن الخلايا المُبطّنة لرئات الطيور.

ومع ذلك، لن يتطلب الأمر الكثير لتغيير ذلك.

فقد وجدت دراسة حديثة في مجلة "Science" أن تغييرًا رئيسيًا واحدًا في الحمض النووي للفيروس سيسمح له بالالتحام بالخلايا في رئتي الإنسان.

لم يعثر  الفريق في "كيب ماي" على فيروس "H5N1" في الطيور التي أخذوا عينات منها.

لكن مع انتشار الفيروس في الأبقار في العديد من الولايات، تم الإبلاغ أيضًا عن عشرات الإصابات البشرية بين عمال المزارع، من دون تسجيل أي حالات عدوى من إنسان لإنسان.

أولاً، دخل مراهق المستشفى في مدينة فانكوفر بكندا بسبب ضائقة تنفسية، ثم أُصيب شخص في ولاية لويزيانا الأمريكية بفيروس "H5N1" بعد تعرضه لقطيع من الأبقار في الفناء الخلفي. 

وفي الحالتين، كان الفيروس من نوع مختلف قليلاً عن النوع المنتشر بين الأبقار. 

وينتمي الفيروس، الذي تمّ تحديده في الأبقار، إلى النمط الجيني "B3.13"، في حين أنّ الفيروس الموجود في الإصابتين البشريتين يتّبع النمط الجيني "D1.1".

وبعد محاولات عديدة للعثور على موقع الفيروس، نقل فريق "سانت جود" مختبره المتنقل إلى أرض شتوية ضخمة للبط البرّي وأنواع البط الأخرى في شمال غرب ولاية تينيسي.

وأخذوا بدورهم مسحات من 534 بطة في شهري نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول، حيث وجدوا النمط الجيني "D1.1" للفيروس في حوالي 12 عينة.

وقالت ليزا كيرشر، مديرة عمليات المختبر في "سانت جود": "حصلنا على ذات السلالة التي تُسبّب كلّ هذا الدمار في البشر والطيور البرّية".

لا يعرف العلماء حتى الآن متى ظهرت هذه السلالة وبدأت تنتشر كنوع متميّز خاص بها.

لكن يقول ويبي إنهم سينظرون في بيانات المراقبة التي جمعوها على مدار العام الماضي لمحاولة معرفة ذلك.

وخلص الباحثون إلى أن الطيور البرّية تُشكّل مستودعًا ناشئًا للفيروس في أمريكا الشمالية. وتُشكّل عملية مراقبة الطيور المهاجرة أهمية بالغة لمنع تفشّي المرض في المستقبل.

وبحسب ويبي وفريقه فهم يُخططون للعودة إلى مواصلة عمليات المراقبة في شهر مايو/ أيّار، وتحديدًا عند شروق القمر المكتمل الأول.

وقالت كيرشر: "تتوقف هذه الطيور في خليج "ديلاوير" للتزوّد بالوقود، ثم تحمل الفيروسات معها وتُحلّق بها مجددًا".

وقد لا توجد طريقة لمعرفة ما ينتظرنا مستقبلًا، أو ما إذا كان فيروس "H5N1" سيُشكّل خطرًا على الناس في وقت لاحق، لكن ستكون عمليات المراقبة قيد التنفيذ في حال حدوث ذلك.