كلنا نتحيز لشيء ما، ولو كان لنوع معين من القهوة، فمن طبيعة الأمور أن نقبل بأمر ونرفض آخر، ولكن التحيز يصبح مشكلة حين يرتبط بالتمييز، فيصبح تحيزاً ضد لون بشرة معين أو ضد فكرة ثقافية معينة، أو تحيزاً ضد نوع معين من العلاقات الاجتماعية، ما يؤدي إلى إيجاد أنواع من الخلافات الاجتماعية العنصرية وهي تتمثل في أشكال كثيرة من التمييز ضد الآخر أو التحيز معه أو ضده.
يمكن القول إن بعض التحيزات إيجابية ومفيدة مثل اختيار الطعام الذي يعد صحياً أو الابتعاد عن شخص تسبب عن قصد في حدوث أضرار، لكن التحيزات غالباً ما تستند إلى الصور النمطية بدل المعرفة الفعلية للفرد أو الظروف، ويمكن أن تؤدي هذه الاختصارات المعرفية إلى أحكام مسبقة تؤدي إلى قرارات متهورة أو ممارسات تمييزية.
يوصف التحيز على أنه صور نمطية عن الأشخاص بناءً على جنسهم أو عرقهم أو توجههم الجنسي ولهذا النوع من التحيز نتائج ضارة في العالم الحقيقي، وتتطور التحيزات من خلال تجاربنا الخاصة والعمومية، وهي تميل إلى المبالغة في الاتجاهات المتصورة إلى حقائق عالمية، الأمر الصعب هو أن هذه التحيزات لها تأثير دوري لأننا بمجرد أن نعتقد أن أمراً ما صحيحاً فإن الانحياز التأكيدي لدينا يجعلنا نرفض الاستثناءات، ويمكن لمعظمنا أن يلاحظ أنه من الممكن أن نشعر بالرضا تجاه قرار ما ثم نكتشف أننا كنا مخطئين.
وعلى رغم أننا نشعر بالإهانة عندما يصفنا الآخرون بأننا متحيزون، إلا أن الحقائق أفادت العلماء بأن هناك أكثر من 100 نوع من التحيز في إدراكنا الواعي ومثلها في اللاواعي، وبأن التحيز جزء متأصل بعمق وضروري للغاية في آليتنا المعرفية، ويمكن اختصار الأمر بهذه الطريقة، إذا كان لديك دماغ، فأنت متحيز.
ما هو التحيز وأنواعه
التحيزات هي ما يشكل آراء الناس حول أي شيء، وكلما زادت تجارب الحياة التي يمر بها الأشخاص زاد ميلهم إلى التحيز، ويقول علماء النفس المعاصرون إنهم مهما حاولوا لن يتمكن الناس من القضاء على التحيزات، وقد يكون الناس قادرين على التخلص من بعض التحيزات التي يحملونها، ومع ذلك، بالنظر إلى كيفية عمل الدماغ البشري والأعداد اللانهائية من التحيزات التي يمتلكها الناس والتي تكون الغالبية العظمى منها صادرةً عن اللاوعي، فمن غير الواقعي التوقع أو الإيحاء بأنه يمكن للناس القضاء على تحيزاتهم، بحسب مقدمة مجلة "الفلسفة" الفرنسية في عددها حول التحيز.
ويقول مارك ب. باير مؤلف مشارك لكتاب Putting Kids First in Divorce))، ومؤسس مشارك لمركز مساعدة "فاميلي ديناميكس" Family Dynamics))، "أعتقد أنه من الضروري أن يركز الناس على ما يمكنهم فعله لتقليل تحيزاتهم وإبقائها تحت السيطرة بدل الانخراط في مهمة محاولة القضاء على التحيزات وجعلهم يعتقدون أن ذلك ممكن حتى من الناحية البشرية".
على سبيل المثال، كانت سوزي مارشال شارب أول امرأة تتولى رئاسة المحكمة العليا في نورث كارولينا، في عام 1956 كانت مسؤولة عن إلغاء الفصل العنصري في نادي "بوني براي" للغولف على رغم أنها كانت صاحبة آراء تمييزية وأعربت عن آراء عنصرية حول الأميركيين من أصل أفريقي طوال حياتها، وكانت غير راضية عن حكمها حتى عندما أصدرته، ومع ذلك فقد كانت شخصيتها ونزاهتها من النوع الذي جعلها تحتفظ بهذه التحيزات لنفسها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التحيز هو ميل طبيعي لصالح أو ضد فكرة، ويعتمد بشكل كبير على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للشخص والعرق والخلفية التعليمية، ويمكن أن يؤثر التحيز سلباً في العلاقات الشخصية والمهنية، ويمكن أيضاً أن يؤدي إلى اضطهاد جماعات معينة كما فعلت النازية وجماعات الـ"كو كلوكس كلان" الأميركية العنصرية، وكما جرى في أكثر المجازر في الحروب الأهلية سواء في دول البلقان بين الصرب والبوسنة أو في أفريقيا بين الهوتو والتوتسي، وغيرها كثير من الأمثلة المشهودة والواقعية والمؤرشفة.
فالتحيز يشكل ضرراً للشخص في حياته الشخصية، ويمكنه أن يكون ضاراً على المستوى العام وفي قضايا تعني مجتمعات بأكملها.
في سن مبكرة يميز الأفراد بين أولئك الذين يشبهونهم في المجموعة" وأولئك الذين ليسوا مثلهم في المجموعة الخارجية، إيجابياً، يمكن للفرد أن يكتسب إحساساً بالهوية والأمان، ومع ذلك فإن هذا التصنيف يمكن أن يعزز عقلية "نحن ضدهم" ويؤدي إلى التحيز الضار، ويصبح هذا التحيز اللاواعي مشكلة عندما يتسبب في قيام فرد أو مجموعة بمعاملة الآخرين بشكل سيئ أو عنيف بسبب جنسهم أو عرقهم أو دينهم أو لأنهم يشجعون فريق كرة قدم معين.
التحيزات المعرفية
هي أنماط متكررة من التفكير يمكن أن تؤدي إلى استنتاجات غير دقيقة أو غير معقولة، وقد تساعد التحيزات المعرفية الأشخاص في اتخاذ قرارات أسرع، لكن هذه القرارات لا تكون دقيقة دائماً، ومن أسبابها الشائعة الذاكرة الضعيفة وقلة الانتباه والتركيز وقيود على قدرة الدماغ على معالجة المعلومات والأزمات العاطفية والضغوط الاجتماعية، ويميل الناس إلى التعلق بأول جزء متاح من المعلومات واستخدامه دون وعي "لترسيخ" عملية اتخاذ القرار حتى عندما تكون المعلومات غير صحيحة أو متحيزة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى حكم منحرف وضعف اتخاذ القرار، بخاصة عندما لا يأخذون الوقت الكافي للتفكير في خياراتهم، ويكون ميل الدماغ للبحث عما يدعم ما يعتقده والتركيز عليه مع تجاهل الحقائق التي تتعارض مع تلك المعتقدات. وفي تأثير "دونسنغ – كروغر" (Dunning-Kruger)، يفتقر الأشخاص إلى الوعي الذاتي لتقييم مهاراتهم بدقة، فغالباً ما ينتهي بهم الأمر إلى المبالغة في تقدير معرفتهم أو قدراتهم، على سبيل المثال، ليس من غير المألوف أن تعتقد أنك أكثر ذكاءً أو لطفاً أو أفضل في إدارة الآخرين من الشخص العادي.
التحيز السلبي هو التحيز الأكثر تأثيراً في حياة الأشخاص الذين يميلون إلى إيلاء مزيد من الاهتمام للنتائج السلبية ووزنها بشكل أكبر من النتائج الإيجابية عند التفكير في اتخاذ قرار ما، ويكتب مات هيوستن أن العلماء لطالما اعتقدوا أن الأشخاص المتعصبين هم أصحاب الصور النمطية أو التنميط، ولكن دراسة التحيز اللاواعي في زمننا المعاصر بينت لعلم النفس حقيقة مقلقة، وهي أننا كلنا نستخدم الصور النمطية طوال الوقت دون أن نعرف ذلك، ويكمل أن الفجوة بين ما نقوله وما نفعله يمكن أن تدفع الأميركيين الأفارقة والبيض إلى الخروج بانطباعات مختلفة جداً عن الموضوع نفسه، ويقول "إذا كنت أبيض أتحدث إلى أميركي من أصل أفريقي، فربما أراقب ما أقوله بعناية شديدة وأتأكد من أن كل ما أقوله يتفق مع جميع الأشياء الإيجابية التي أريد أن أعبر عنها، وعادة ما أعتقد أنني ناجح للغاية لأنني أسمع الكلمات الصحيحة تخرج من فمي، لكن السلوك غير اللفظي قد يصل إلى رسالة معاكسة تماماً، فمهما كنا واضحين في قولنا الواعي فإن الشخص الآخر سينتبه متى سيكون ما نقوله تجاهه حقيقياً أو هو مجرد قناع نحاول فيه أن نبدو غير متحيزين، فهناك اللغة غير الشفهية التي يمكن لكثيرين التقاط إشاراتها".
توضح فكرة التحيز اللاواعي بعض التناقضات الخطيرة، إنها تفسر كثيراً من تناقض الناس تجاه الآخرين المختلفين وكثيراً من التناقضات في سلوكهم، وتساعد في شرح كيف يمكن للأشخاص الطيبين أن يفعلوا أشياء سيئة، وسيكتشفون بأن النوايا الحسنة وحدها ليست كافية.