تزامنا مع انطلاق قمة COP 27 وانطلاقاً من دوره الذي يقوم به كمركز فكر للحكومة المصرية، أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، العدد الأول من مجلة "آفاق صناعية"، والذي جاء تحت عنوان "الصناعة الخضراء"، ليسلِّط الضوء على آفاق الصناعة الخضراء، تلك الصناعة التي تعمل على تلبية الاحتياجات الإنسانية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية دون الإضرار بالبيئة والموارد الطبيعية، حيث استعرض العدد أرقام ومؤشرات الصناعة الخضراء على المستويين المحلى والعالمي، بالإضافة إلى عرض عدد من مقالات الرأي لنخبة من الخبراء والباحثين حول أهمية الصناعة الخضراء وآفاق نموها، مع عرض لأبرز ما جاء بالتقارير الدولية ذات الصلة بالصناعة الخضراء، والتعرف على أبرز الممارسات الدولية في هذا المجال.
أوضح مركز المعلومات ودعم القرار خلال العدد مجموعة من أهم الأرقام والمؤشرات ذات الصلة بمفهوم الصناعة الخضراء على المستويين المحلي والعالمي، حيث أوضح أن حصة مصادر الطاقة المتجددة في توليد الطاقة العالمية قد بلغت 13% في عام 2021، وأن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة قد بلغ 36.3 جيجا طن في عام 2021 بارتفاع نسبته 6% خلال العام نفسه، كما بلغ نصيب الفحم من النمو الإجمالي لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية في عام 2021 حوالي 36%، والغاز بنسبة 23% خلال العام نفسه، وجاءت 6 صناعات ضمن أبرز الصناعات المسؤولة عن ما يقرب من 80% من الانبعاثات الكربونية وهى النفط والغاز الطبيعي والصلب والأسمنت والألومنيوم والأمونيا.
وجاءت حصة الصين من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية بإجمالي 30.6% خلال عام 2020، فيما جاءت حصة الولايات المتحدة الأمريكية بإجمالي 13.5% خلال العام نفسه، فيما بلغت حصة مصر من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية 0.6% في عام 2020، وقد أشار التقرير إلى اتخاذ 137 دولة خطوة بارزة للأمام في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من خلال الالتزام بوقف قطع الغابات وتدهور الأراضي بحلول عام 2030، وقد تم دعم هذا التعهد بمبلغ 12 مليار دولار في التمويل العام و7.2 مليار دولار في التمويل الخاص، فضلاً عن ذلك فإن 10 دول أوروبية جاءت ضمن الأعلى في مؤشر الاقتصاد الأخضر العالمي عام 2022 وهى السويد وسويسرا ثم النرويج وفرنسا والدانمارك وأيسلندا والنمسا والمملكة المتحدة وأيرلندا والبرتغال.
وأشار التقرير أن حجم الاستثمارات المطلوبة لتطوير طاقة منخفضة الانبعاثات وإنتاج الهيدروجين ونقل ثاني أكسيد الكربون وتخزينه قد بلغ 4.2 تريليون دولار وهو أكثر من ضعف الاستثمارات العالمية في الطاقة البالغة 1.9 تريليون دولار في عام 2021، كما بلغت حجم الاستثمارات المطلوبة لصناعات إزالة الكربون بحلول عام 2050 إجمالي 2.1 تريليون دولار.
وأوضح التقرير أبرز المؤشرات المصرية مشيراً إلى أن قيمة محفظة مصر من المشروعات الخضراء المؤهلة حتى سبتمبر 2020 قد بلغت 1.9 مليار دولار، وأن إجمالي عدد محطات الرصد البيئي للهواء قد بلغ 115 محطة في عام 2021، وقد بلغ قيمة أول طرح لسندات خضراء في مصر بإجمالي 750 مليون دولار ، فيما بلغ إجمالي الدعم المقدم من برنامج "إيجيف جيف" لمصر للتوجه نحو الاقتصاد الأخضر 140 مليون يورو، كما تراوحت نسبة مشروعات الاقتصاد الأخضر من الخطة الاستثمارية لمصر في العام المالي 2021/ 2022 ما بين 38% - 40% مقارنة بنحو 30% في العام المالي 2020/ 2021، ومن المستهدف الوصول إلى 50% من العام المالي 2024/ 2025.
ركز العدد على تناول أداء القطاع الصناعي بهدف صياغة سياسة صناعية خضراء، حيث تم استعراض تطور القيمة المضافة للقطاع الصناعي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة (2000- 2019) وذلك وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية "UNIDO"، حيث يعد القطاع الصناعي في مصر ثابت إلى حد ما على مدار العشرين عام الماضية، مع انخفاض طفيف حيث بلغت القيمة المضافة للقطاع نحو 15.3% عام 2019 مقارنًة بـ 17% عام 2000.
كما أكد العدد أن مصر لديها قطاع صناعي تنافسي مقارنًة بمتوسط الدول الإفريقية (10.7%)، وعلى الرغم من ذلك، ما زال توجد فجوة مقارنة بالدول الصناعية الأخرى التي نجحت في أن تصل بالقيمة المضافة للقطاع الصناعي إلى معدلات كبيرة بلغت 22.5%، كما استطاعت مصر خفض كمية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن القطاع الصناعي من 0.83 كجم لكل قيمة مضافة من القطاع الصناعي في عام 2000 إلى 0.67 كجم في عام 2019.
تناول العدد الإشارة إلى سياسات التصنيع الأخضر لتحقيق تقدم نحو التنمية الصناعية الشاملة والمستدامة مشيراً أنها سياسات من شأنها أن تحافظ على البيئة، وتؤدى إلى تحقيق زيادة في التنافسية الاقتصادية للقطاع الصناعي لكنها ينتج عنها تكاليف وأعباء مالية إضافية على الدولة والقطاع الخاص، ومنها الاقتصاد الدوار وهو سياسة جديدة تركز على استخدام الموارد بشكل أكثر كفاءة، وتشجيع الابتكار والاستثمار في التكنولوجيا الخضراء، ووجود العلامات الخضراء، مع وجود حوافز ومنتجات مالية خضراء.
تضمن العدد مقالات رأي تسلط الضوء على أهمية الصناعة الخضراء وآفاقها مع التركيز على آليات تعزيز التحول إلى الصناعة الخضراء في مصر، وقد أشارت أبرز الآراء الواردة بهذه المقالات إلى التوجه الحثيث في مصر تجاه تخضير الصناعات، حيث جاء التوجه نحو التنمية الصناعية الخضراء تنفيذًا لاستراتيجية الحكومة الخاصة بمستقبل الطاقة، والتي تستهدف توفير مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، في ضوء تحقيق أهداف خطة التنمية المستدامة في مصر 2030، ومثل التعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية "اليونيدو" خلال الفترة من 2015 وحتى عام 2021 نموذجًا لخلق بيئة مواتية لتفعيل أنشطة الصناعة الخضراء وتوفير متطلباتها وآليات تنفيذها.
وقد قامت مصر بتحديد مجموعة من الأدوات والسياسات التي تمكنها من تحقيق هدفها نحو التحول الأخضر ومنها، إصدار أدوات تمويل مبتكرة مثل السندات الخضراء، وتنفيذ مشروعات تتفق مع آلية اتفاقية باريس للمناخ من خلال إنشاء نظام وطني للمراقبة والإبلاغ والتحقق يمكِّن من متابعة العمل المناخي، وتأسيس وحدات للتنمية المستدامة وتغير المناخ في كل وزارة، ودمج الجوانب المتعلقة بتغير المناخ في دراسات تقييم الأثر البيئي في مصر، والتزام الوزارات بمعايير الاستدامة في المشروعات المزمع إنشاؤها مع إشراك أصحاب المصلحة في مراحل تطوير الاستراتيجيات البيئية.
وخلال الفترة الماضية وتنفيذًا لاستراتيجية 2030، قامت مصر بالعديد من الإجراءات نحو التحول الاقتصادي الأخضر لتحقيق تنمية مستدامة ومنها، تحديد الاقتصاد الأخضر بـ6 قطاعات وهي المباني الخضراء والطاقة المتجددة والنقل المستدام وإدارة المياه والأراضي والنفايات، وزيادة الاستثمارات العامة الموجهة للمشروعات الخضراء وقد بلغ عددها نحو 691 مشروع بتكلفة بلغت نحو 447.3 مليار جنيه بخطة العام المالي 2020/ 2021 مع توجيه 14% من إجمالي الاستثمارات العامة لهذه المشروعات.
هذا وقد بلغت قيمة محفظة مصر من المشروعات الخضراء المؤهلة 1.9 مليار دولار حتى سبتمبر 2020، منها 16% في مجال الطاقة المتجددة، و19% في مجال النقل النظيف، و 26% في مجال المياه والصرف الصحي، و 39% في مجال الحد من التلوث، ومن الإجراءات أيضًا الترويج للأعمال المصرفية الخضراء ولآليات التمويل المبتكرة التي تعطي الأولوية لإجراءات التكيف كالسندات الخضراء مع مشاركة القطاع الخاص في تمويل الأنشطة المناخية والترويج للوظائف الخضراء والتوافق مع الخطوط التوجيهية لبنوك التنمية متعددة الأطراف لتمويل الأنشطة المناخية.
استعرض العدد آراء الخبراء والمحللين بشأن التحديات التي تجابه الصناعة الخضراء في مصر، وجاء في مقدمتها عدم توافر الحوافز الحقيقية لرؤوس الأموال لتبني هذه الصناعة التي تأخذ البعد البيئي في حسبانها لدى اختيار تكنولوجيا التصنيع والتعاقد على خطوط الإنتاج قليلة التلوث والمقتصدة في استهلاك الموارد، كذلك ضعف انتشار ثقافة الاستدامة والترويج للصناعات الخضراء.
ركز العدد على متطلبات وآليات تفعيل الصناعة الخضراء في مصر وجاء من أبرزها، التوسع في تطبيق التكنولوجيات البيئية النظيفة، وتقديم الخدمات والاستشارات البيئية في مجال ترشيد الطاقة وتحسين نظم تداول الموارد الكيميائية، والتطبيق المستمر لاستراتيجيات وقائية تشمل عمليات التصنيع والتسويق وتستهدف تقليل المخاطر التي تلحق بصحة الإنسان والبيئة، ودعم الجهود الإيجابية للتصنيع الأخضر، وتفعيل عمليات الرقابة الصناعية الجادة ونشر ثقافة الاقتصاد الأخضر والصناعات الخضراء وآليات تفعيلها، واستخدام التكنولوجيا الحديثة في عمليات التخزين لما لها من أهمية في التوجه المبتغى في تفعيل الصناعات الخضراء، والاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في هذا المجال.
كما استعرض العدد مجموعة من العروض البحثية لعدد من الخبراء والباحثين والتي توضح أهم ما جاء بالتقارير الدولية ذات الصلة بالصناعة الخضراء، مع تسليط الضوء على بعض الخبرات والتجارب الدولية في مجال التحول للصناعة الخضراء على رأسها المملكة المتحدة والصين وبعض الدول الأفريقية.