خفّضت محكمة روسية عقوبة السجن الصادرة بحق جندي أمريكي أدين العام الماضي بتهمتي السرقة والتهديد بالقتل، وفقاً لما أوردته وسائل الإعلام الرسمية يوم الإثنين، في مؤشر جديد على بوادر تقارب في العلاقات بين واشنطن وموسكو.
وكانت محكمة في مدينة فلاديفوستوك الساحلية قد أصدرت في يونيو 2024 حكماً بسجن الرقيب الأمريكي جوردون بلاك لمدة ثلاث سنوات وتسعة أشهر. غير أن محكمة الاستئناف قررت تخفيف العقوبة إلى ثلاث سنوات وشهرين، بحسب ما أفادت به وكالتا الأنباء الحكوميتان "ريا نوفوستي" و"تاس".
وكان بلاك، البالغ من العمر 34 عاماً، قد سافر إلى فلاديفوستوك في أبريل 2024 لزيارة صديقته ألكسندرا فاششوك، التي تعرف إليها أثناء خدمته في كوريا الجنوبية. وجرى اعتقاله في الثاني من مايو من العام نفسه، بعد أن اتهمته فاششوك بسرقتها وتهديدها بالقتل.
وخلال محاكمته في يونيو الماضي، أنكر بلاك تهمة التهديد بالقتل، غير أنه أقر جزئياً بتهمة السرقة، موضحاً أن ذلك تم بدافع الضرورة.
وصدر الحكم المُخفَّف في ظل مؤشرات متزايدة على تحسّن العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، مع سعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تعزيز التقارب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في إطار جهود ترمي إلى وضع حد للحرب الدائرة في أوكرانيا.
وفي الأسبوع الماضي، التقى كيريل ديمترييف، مبعوث بوتين لشؤون الاستثمار، عدداً من المسؤولين الأمريكيين في العاصمة واشنطن، في زيارة استثنائية مُنح لأجلها إعفاء خاص من العقوبات، ما أتاح له أن يكون أول مسؤول روسي رفيع يزور الولايات المتحدة منذ سنوات بهدف إجراء محادثات من هذا النوع.
وفي خطوة لافتة سبقت هذه اللقاءات بيوم واحد، أعلن الرئيس ترامب فرض رسوم جمركية شاملة على 185 دولة وإقليماً، لكن روسيا لم تكن من بين الدول المشمولة، ما اعتُبر إشارة سياسية إلى طبيعة الانفتاح الجاري بين الجانبين.
من جهته، أوضح كيفن هاسيت، رئيس المجلس الاقتصادي الوطني في البيت الأبيض، في تصريح لشبكة ABC الأسبوع الماضي، أن استثناء روسيا من الرسوم الجمركية لا ينفصل عن الحوار القائم معها بشأن اتفاق سلام محتمل في أوكرانيا.
وأشارت الإدارة الأمريكية إلى أن موسكو لم تتأثر بهذه الرسوم بسبب القيود التجارية الصارمة المفروضة عليها أصلاً نتيجة الحرب، ما يجعل أي تبادل تجاري معها "ضئيل القيمة". وقد شمل الاستثناء أيضاً دولاً أخرى تخضع لعقوبات مشددة، مثل بيلاروسيا وكوبا وكوريا الشمالية.
وتُظهر بيانات مكتب الإحصاء الأمريكي أن حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وروسيا انخفض بشكل حاد، من نحو 36 مليار دولار (32.8 مليار يورو) في عام 2021، إلى 3.5 مليار دولار فقط (3.2 مليار يورو) في عام 2024.
وفي فبراير الماضي، أفرجتالسلطات الروسية عن المواطن الأمريكي كالوب بايرز، البالغ من العمر 28 عاماً، بعد توقيفه بتهمة تهريب مخدرات، عقب العثور على ما وُصف بأنه "مربى القنب" في أمتعته لدى وصوله إلى مطار فنوكوفو في موسكو.
وجاء إطلاق سراح بايرز قبل أيام قليلة من انعقاد اجتماع بين مسؤولين أمريكيين وروس في السعودية، خُصّص لمناقشة سبل تحسين العلاقات الثنائية، ولبحث مسارات محتملة لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وفي تعليق لافت، ألمح المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إلى أن الإفراج عن بايرز يمكن النظر إليه ضمن إطار "استعادة كامل مجمع العلاقات الروسية-الأمريكية".
وخلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، شهدت العلاقات الثنائية توتراً متصاعداً، تمثّل – من بين مظاهره – في سَجن عدد من المواطنين الأمريكيين داخل روسيا. ومن بين هؤلاء المدير التنفيذي السابق في مجال أمن الشركات، بول ويلان، ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال إيفان غيرشكوفيتش، والمعلم مارك فوجل، الذين اعتبرت الحكومة الأمريكية أنهم "احتُجزوا ظلماً"، وقد تم الإفراج عن بعضهم ضمن صفقات تبادل أسرى بين الجانبين.
مع ذلك، لا يزال عدد من الأمريكيين رهن الاعتقال في روسيا، من بينهم كسينيا كاريلينا – التي تحمل الجنسيتين الأمريكية والروسية – إضافة إلى المعلم المتقاعد ستيفن هوبارد، والموسيقي ترافيس ليك، ما يعكس استمرار التوترات في ملف المواطنين المحتجزين، رغم المؤشرات الأخيرة على الانفراج الدبلوماسي بين البلدين.