ما لنا وما لماو... فالمشكلة واقعنا العربي!

منذ 2 سنوات 252

حتى وإن جرى ألفُ حوار بين الرئيس الأميركي، جو بايدن، ونظيره الرئيس الصيني، شي جينبينغ؛ فإن الصدام العسكري بين الطرفين لا بدَّ منه وقادمٌ لا محالة، فالتوتر بين هاتين الدولتين لا بد أن يؤدي إلى المواجهة العسكرية، وهذا تطورٌ لا بد منه؛ فالصراع في هذا الكون الملتهب هو صراعُ مصالح ومراكز قوى، والمؤكد أنه ليس بالإمكان تهدئته، حتى ولو «تهاتف» الزعيمان الكبيران، عبر الهاتف، أو «الفيديو»، في اليوم خمسين مرة، وليس خمس مرات فقط.
فالخلاف بين القوتين العظميين لا يمكن تطويقه... حتى وإن جرت محاولات فعلية لتهدئته؛ فهذا الصراع «استراتيجيٌ»، وقد بقي مثله حاضراً وموجوداً على مدى حقب التاريخ، وحتى في فترة وعهد القبائل البدائية التي كانت تقتتل على الكلأ والماء، حيث كل قبيلة أرادت فرض نفسها على القبائل الأخرى، وكما هو واقع الحال الآن بين الدول الكبرى والصغيرة!!
فالصين «الشعبية» باتت تعتقد وترى أنها قد أصبحت، بما أصبحت عليه، القوة الرئيسية في العالم بأسره، وحقيقة أنها أصبحت كذلك، وسواء رضيت الولايات المتحدة أم غضبت، وإذا رفعت الصين قبضتها، وقالت بصوت مرتفع: «نحن هنا»؛ فالحقائق هي التي تتكلم في هذه المجالات. والحقيقة أنه لم يعد هناك منافس للصين؛ إنْ بالتماسك الاجتماعي وإن بالقوة السياسية والعسكرية... وأيضاً، وإن بالمكانة الدولية، وهذا واقعٌ لا تستطيع الولايات المتحدة إنكاره، وذلك مع أنها تحاول عدم طأطأة رأسها لحقائق الأمور التي لا يمكن أن ينكرها إلّا مخادع أو مَن لا يعرف حقائق التاريخ.
إنّ الصين لا يستطيع الرئيس بايدن ولا أي رئيس آخر أن ينكر أنها قد أصبحت الدولة العظمى اقتصادياً وسياسياً، وأيضاً عسكرياً... وكل شيء؛ فالحقائق الشاخصة تقول إن هذا البلد بعد مراحل سابقة مريرة قد أصبح الدولة الرئيسية في العالم، وهذا ومع التقدير والاحترام للولايات المتحدة التي لم تعد قادرة على أن ترفع قبضة يدها وتقول للعالم: «نحن هنا»!
لا يمكن إنكار أن الولايات المتحدة قوة رئيسية عظمى، لكن الصين «الشعبية» تجاوزت الجميع؛ إنْ عسكرياً، والبعض يقول: واقتصادياً؛ فماو تسي تونغ (مؤسس الصين الحديثة) قد تجاوز، كما يقال، كل القادة الشعبيين في التاريخ بتأسيس الجمهورية الصينية الشعبية، وأنه، وحتى بعد كل هذه السنوات الطويلة، لا يزال يُعتبر من أهم القيادات الكونية المعروفة، وأن قبره أصبح «محجّاً» لأبناء شعبه ولبعض قادة العالم الكبار، والمشكلة أنّ هذه العظمة كلها قد انهارت أمام مشكلة صحية هي مرض «باركنسون» اللعين.
وبالطبع، فإنّ البعض، وبعد كل هذه السنوات الطويلة، يتساءلون: هل يا ترى أن ماو تسي تونغ هو القائد الفعلي لنهضة الصين الحالية هذه، أم أنه عكس هذا هو المسؤول عن نكبات هذا البلد العظيم، وعن إفناء الملايين من أبناء شعبه؟ وذلك مع أن والده فلاح بسيط، لكنه، أي ماو تسي تونغ، قد أخذ عن هذا الفلاح البسيط الذي كان قد بنى نفسه، ليعطي لابنه؛ ما جعله قائد هذه النهضة الصينية العظيمة، وجعله قائداً تاريخياً فذّاً، وحقيقة أنه لا يمكن معرفة تاريخ هذا البلد العظيم حقاً دون معرفة تاريخ هذا القائد العظيم الذي إذا أردنا قول الحقيقة؛ فهو مؤسس وباني جمهورية الصين الشعبية العظيمة.
لكن، وبعد رحيل ماو تسي تونغ الذي بات بعيداً، فإن الأجيال لم تعد تنظر إليه بعين التقدير، وترى بعد كل هذه السنوات أنه كان مجرد «بطلٍ كرتوني»، وأنه قد تم «النفخ» فيه حتى أقصى الحدود، ومثله العديد من رموز الحركة الشيوعية، ومثله مثل العديد من قادة العالم الثالث الذين يستغل أتباعهم الوسائل الإعلامية لنفخهم كالقِرَب الهوائية، ثم ما إنْ تتم الإطاحة بهم حتى يبدأ فتح ملفاتهم السوداء، ونبش قبور بعضهم، ومطاردة أتباعهم وأقاربهم، وعلى أساس أن هؤلاء كانوا زمراً مأجورة «تسلطت» على الشعوب «المسكينة» التي كانت ترسل إلى الزنازين وأعواد المشانق ويتم البطش البدائي بأهلهم وذويهم وأقاربهم وكل من يمتون لهم بأي صلة.
ويمكن القول إن هذه الحالة تنطبق على العديد من رموز العالم الثالث وعناوين الانقلابات العسكرية الذين أذاقوا العالم العربي الأمرّين، ومَن أراد بالنسبة لهذا بعض التفاصيل فعليه أن يعود إلى «ملفات» جنرالات الانقلابات العسكرية العربية التي رفع أصحابها شعارات الثورات... وهنا، ودون ذكر أي أسماء، وهي كثيرة جداً؛ فإن مصائر هؤلاء كانت إما أعواد المشانق التي أقاموها لغيرهم، وإما «الزنازين» التي كان يدخلها المستهدفون من الذين كانوا يرشمون صدورهم وأكتافهم بالنجوم اللامعة وبالنياشين الملونة الجميلة.
لا نريد ذكر الأسماء، ولكن لا بد من أن نتوقف عند سوريا العظيمة «قلب العروبة النابض»، وكيف أنّ الانقلابات العسكرية قد قلبت عاليها سافلها، وكيف أنّ الرموز المذهبية والطائفية قد تقاسمت أرزاق شعبها، وأصبحت زنازين سجن المزة والمدن الأخرى طافحة بأبناء الشعب السوري الذين «تسلط» عليهم حَمَلة الرتب اللامعة من رموز المراحل الطائفية والمذهبية.
لم يكن ممكناً إلا أن تتضاعف أعداد زنازين المزة وغيرها عشرات المرات مع كل عملية انقلابية، وهذا ينطبق على بعض الأقطار العربية التي ابتُليت بما سمي ثورات، وحيث إن كلاً من هذه الثورات كانت تأكل الوطنيين من أبناء شعبها، وكان «الحبل على الجرار»، وهنا فإنه يمكن الاستشهاد في هذا المجال بسوريا... وبالعراق، وببعض الأقطار التي ذاقت الطعم المرّ للانقلابات التي «سماها» أصحابها ثورات، وكانت كل «ثورة» تأكل أختها... وعلى مَن أراد المزيد في هذا المجال أن يرجع إلى الملفات السورية والعراقية... وأيضاً إلى ملفات اليمن الذي كان بالإمكان أن يكون سعيداً لولا أن أصابته «البلاوي» التي أصابت أقطاراً عربية معروفة، وأوصلت الدماء فيه إلى الركب كما يقال!
والمشكلة أنّ أصحاب هذه الانقلابات «العسكرية» التي سُميت «ثورات» قد رفعوا أعواد المشانق منذ اليوم الأول، وفتحوا أبواب الزنازين والسجون والمعتقلات، والموجع للقلوب أن هؤلاء قد أطلقوا على انقلاباتهم الدموية أسماء الثورات... وحيث إنها قد أكلت أصحابها، كما تأكل الكلاب المسعورة الضالة جِراءها دون رحمة!!
والسؤال الذي من المفترض أن تتداوله الأجيال الصاعدة هو: ما نتائج هذه الثورات في كل الدول العربية التي عاشت فترات مريضة معروفة...؟ وماذا يعني أن مصير سوريا هو هذا المصير؟ وهذا ينطبق على العراق وعلى دول عربية أخرى.
إنّ هذا هو واقع الحال بالنسبة للعديد من الدول العربية التي جرى «تلقيم» أبنائها هذه الثورات المدمرة رغم أنوفهم... ويقيناً أن ما يجب الخوف منه أن كل ثورة من الثورات قد قادت لثورات أخرى... فالعالم العربي قد بات محملاً بكل هذه الأعباء... وهذا كله قد دفع العدو الصهيوني إلى التشنيع بالشعب الفلسطيني، اعتماداً على هذه الثورات التي نسأل الله أن تبقى بعيدة عن الدول العربية التي لم تقترب من هذه الدائرة الجهنمية.