ما حكم تخصيص قاعة في المسجد من أجل اللعب؟

منذ 9 ساعة 9

الإجابة:

الحمد لله.

من أحكام المساجد؛ أن تنزه عن اللغو والعبث فيها.

قال الله تعالى:  {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}   [النور/36 - 37] .

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} أي: أمر الله تعالى برفعها، أي: بتطهيرها من الدنس واللغو، والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها، كما قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في هذه الآية الكريمة: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} قال: نهى الله سبحانه عن اللغو فيها. وكذا قال عكرمة، وأبو صالح، والضحاك، ونافع بن جبير، وأبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة، وسفيان بن حسين، وغيرهم من علماء المفسرين " انتهى من "تفسير ابن كثير" 6 /62.

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" {فِي بُيُوتٍ} عظيمة فاضلة، هي أحب البقاع إليه، وهي المساجد. {أَذِنَ اللَّهُ} أي: أمر ووصى {أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} هذان مجموع أحكام المساجد، فيدخل في رفعها، بناؤها، وكنسها، وتنظيفها من النجاسة والأذى، وصونها عن المجانين والصبيان الذين لا يتحرزون عن النجاسة، وعن الكافر، وأن تصان عن اللغو فيها، ورفع الأصوات بغير ذكر الله " انتهى من  "تفسير السعدي" ص 569.

وبناء على هذا؛ فإن هذه الغرف التي أشرت إليها، لها حالان:

الحالة الأولى: أن يكون البانون لهذا البناء قد بنوا هذه القاعات على أنها من المسجد، ولاحقة به.

ففي هذه الحالة، فإنه ينهى عن هذا اللعب الذي أشرت إليه؛ لأنه من اللغو الذي ينزه عنه المسجد، فإن المساجد لم تبن لهذا .

وقد سُئلت "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء":

" ما حكم اللعب المباح والمزاح في المسجد قصد طرد الملل وسآمة النفس؟

فأجابت: المقصود من بناء المساجد إنما هو للصلاة والذكر وقراءة القرآن وتعليم العلم ونحو ذلك، ويجب صونها عما يخل بهذا المقصد، وأما المزاح والكلام اليسير في شيء من أمور الدنيا فلا بأس به، إذا لم يحصل به أذية للمصلين والقارئين.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: بكر أبو زيد، صالح الفوزان، عبد العزيز آل الشيخ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية" 5/277.

وأما ما رواه البخاري 454، ومسلم 892 أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: " لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي وَالحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي المَسْجِدِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ".

فهذا ليس فيه إطلاق اللعب في المساجد، بل فيه رخصة في هذا النوع خاصة، وما كان يشبهه مما فيه إعانة على الجهاد، وتدريب عليه.

قال الحافظ أبو زرعة العراقي، رحمه الله: " فيه جواز اللعب بالسلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد وأنواع البر وقال المهلب شارح البخاري: المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين فما كان من الأعمال مما يجمع منفعة الدين وأهله فهو جائز في المسجد واللعب بالحراب من تدريب الشجعان على معاني الحروب وهي من الاشتداد للعدو والقوة على الحرب فهو جائز في المسجد وغيره." انتهى، من "طرح التثريب" 7/56.

مع أن ذلك مقيد أيضا بألا يكون فيه إضرار بالمسجد، ولا أذى للمصلين فيه.

قال الإمام بدر الدين الزركشي، رحمه الله:

"يكره سل السيف في المسجد، قال عطاء: نهي عن سل السيف في المسجد، وفيه آثار رواها ابن أبي شيبة في مصنفه، وأما إقراره صلى الله عليه وسلم الحبشة على لعبهم بالحراب والسيوف في المسجد يوم العيد فهو مخصوص بما أقره صلى الله عليه وسلم، من جهة التدريب على الحرب، والتمرين فيه والتنشيط عليه، فهو من باب المندوب ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد وأنواع البر." إعلام الساجد بأحكام المساجد، للزركشي 355.

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله:

"والمقصود من هذا الحديث : جواز اللعب بآلات الحرب في المساجد ؛ فان ذلك من باب التمرين على الجهاد، فيكون من العبادات .

ويؤخذ من هذا : جواز تعلم الرمي ونحوه في المساجد، ما لم يخشى الأذى بذلك لمن في المسجد، كما تقدم في الأمر بالإمساك على نصال السهم في المسجد لئلا تصيب مسلما، ولهذا لم تجر عادة المسلمين بالرمي في المساجد .

وقد قال الأوزاعي : كان عمر بن عبد العزيز يكره النصال بالعشي، فقيل له : لم ؟ قال : لعمارة المساجد .

ولكن أن كان مسجد مهجور ليس فيه أحد، أو كان المسجد مغلقا ليس فيه إلا من يتعلم الرمي فلا يمنع جوازه حينئذ . والله أعلم ." "فتح الباري" لابن رجب 2/518.

الحالة الثانية:

أن يكونوا قد قصدوا من إقامة هذه القاعات أن تكون منفصلة عن المسجد، ففي هذه الحالة لا يكون لها حكم المسجد.

كما لو تم بناء مركز إسلامي، يتضمن هذا البناء مكانا خاصا بالصلاة مسجدا، وأماكن وقاعات أخرى للاجتماعات والندوات ... وقد يكون فيه سكن للإمام.. ونحو ذلك .

فالذي ينطبق عليه أحكام المساجد هو المكان المخصص للصلاة، دون سائر الأمكنة .

فإن رأى المسؤولون أن يسمحوا فيها ببعض الأنشطة الرياضية وتبيّن لهم أنه لا ضرر في ذلك على مرافق البناء ولا على رواد المركز، فإنه لا يظهر بأس في ذلك.

وهنا .. ينصح القائمون على بناء المراكز الإسلامية في الدول غير الإسلامية، أن يكون البناء ليس خاصا بالصلاة فقط، بل ينبغي –مع بناء المسجد- أن يكون وافيا بجانب كبير من حاجات المسلمين في هذه البلاد، كمكان للضيافة والمبيت، وقاعات للمحاضرات والندوات، وقاعات أخرى تعليمية للصغار والكبار رجالا ونساء، وأماكن للترفيه المباح أو بعض الألعاب الرياضية المفيدة .. ونحو ذلك حتى يجد أولادهم المجتمع النظيف الذين يتعلمون فيه ويمارسون فيه الرياضة.

والله أعلم.