ملخص
ردود الفعل على البورتريه الجديد للملك تشارلز الثالث جاءت متنافرة ومتباينة فبينما عبر البعض عن إعجابهم بالجرأة والتجديد المتمثلين في تصوير الملك بنمط فني معاصر أكد آخرون عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن استيائهم ورفضهم الطريقة التي تم بها تصوير شخصية تشارلز
بعد عام وبضعة أيام منذ تتويجه ملكاً لبريطانيا في مايو (أيار) الماضي، كشف تشارلز الثالث الثلاثاء عن أول بورتريه له، لكن اللوحة الجديدة لم تكن موضع ترحيب وإشادة كما كان متوقعاً. فالصورة التي رسمها الفنان جوناثان يو أثارت بدلاً من ذلك موجة من الانتقادات والتساؤلات المختلفة من قبل الجمهور ووسائل الإعلام.
تم نشر مقطع فيديو مختصر عبر الحساب الرسمي للعائلة المالكة على منصة "إنستغرام"، يظهر فيه الملك وهو يزيح الستار عن البورتريه المرسوم بألوان زيتية بريشة الفنان البريطاني يو المعروف بأسلوبه الفني الجريء والمبتكر والبعيد من الكلاسيكية. لدى يو تجربة واسعة في رسم بورتريهات الشخصيات المشهورة، إذ جسد بطريقته الفريدة وجوه عدة أسماء معروفة من بينها رئيس الوزراء السابق توني بلير، والمذيع البريطاني العريق وعالم الطبيعة الشهير ديفيد أتنبره، والممثلان الحائزان جائزة أوسكار نيكول كيدمان وكيفين سبيسي.
بركة قرمزية
يظهر البورتريه الملك تشارلز بارزاً من خلفية تطغى عليها تدرجات اللون الأحمر وكأنه وسط بركة قرمزية، إذ يظهر منها بدفء وهو يرتدي زي الحرس الويلزي التقليدي وقد اقتربت من كتفه اليمنى فراشة. تتميز اللوحة التي يتجاوز ارتفاعها ستة أقدام واستغرق إنجازها أكثر من ثلاث سنوات بتفاصيل دقيقة تجسد الأناقة والكبرياء الملكيتين.
لكن ردود الفعل على البورتريه لم تكن بهذا التناسق أو الأناقة، بل جاءت متنافرة ومتباينة للغاية. فبينما عبر البعض عن إعجابهم بالجرأة والتجديد المتمثلين في تصوير الملك تشارلز بنمط فني معاصر، وأهمية الفن في تجسيد الشخصيات الملكية وتحفيز الحوار والتفاعل في المجتمع، أكد آخرون عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن استيائهم ورفضهم الطريقة التي تم بها تصوير شخصية الملك.
أشار البعض إلى أن الصورة تمثل خطوة جريئة ومبتكرة في عالم الفن الملكي، إذ تظهر الشخصية الملكية بشكل جديد ومختلف عن الكلاسيكية والنمطية التي اعتاد عليها الجمهور، واعتبروا أن هذه الخطوة تعكس تطور العائلة المالكة ورغبتها في التأقلم مع التغيرات الثقافية والفنية الحديثة.
كتب أحد المستخدمين على "إنستغرام"، "هذا البورتريه يجسد تطور الملكية بطريقة معاصرة. إنه جريء وملهم!"، وقال مستخدم آخر على "إكس"، "اللون الأحمر يعبر عن الشغف والقوة. أحببت الطريقة التي يبرز بها الملك تشارلز في هذه اللوحة".
من ناحية ثانية، انتقد آخرون الصورة بشدة معتبرين أن البورتريه لم يحقق الغرض المنشود منه، وأنه لا يتناسب مع تقاليد الفن الملكي الكلاسيكي. كما أبدى بعض النقاد انزعاجهم من بعض العناصر في اللوحة التي اعتبروها غير ملائمة لتمثيل شخصية الملك تشارلز بالشكل الصحيح. كتب أحد مستخدمي "إكس"، "كشف الملك تشارلز عن أول بورتريه له منذ تتويجه. إنه أبشع شيء رأيته على الإطلاق". بينما أضاف آخر "إذا قمت بعكس صورة الملك تشارلز، فلاحظ الشكل المخفي الموجود في المنتصف"، مطلقاً على اللوحة عنوان "شيطان الجحيم". كانت هذه التدوينة جزءاً من سلسلة الآراء الداعمة لنظريات المؤامرة التي انتشرت بعد الكشف عن البورتريه.
ولم يعجب أحدهم كثيراً باللون الأحمر الغالب على اللوحة وقال "إنها حمراء للغاية. تبدو وكأنها مذبحة أو شيء من هذا القبيل. هل هذا هو البورتريه الرسمي؟ إنه صادم. ربما يكون مناسباً أكثر كغلاف لألبوم موسيقى الروك!".
وقال قصر باكنغهام إنه من المتوقع أن تعرض اللوحة الفنية الزيتية في قاعة درابرز في العاصمة لندن اعتباراً من نهاية أغسطس (آب) المقبل.
الابتكار والتقليد
تأتي هذه الانتقادات في ظل الجدل المستمر حول دور الفن في تمثيل الشخصيات العامة والملكية، وضرورة التوازن بين الابتكار والتقليد في عرض الصور الرسمية لأفراد العائلة المالكة.
ومثل معظم الأعمال الفنية الملكية الرسمية تحوي اللوحة كثيراً من التفاصيل المخفية والإيماءات الدقيقة لدور الملك كرأس للدولة ونسبه الملكي وعواطفه الشخصية. يقول الفنان يو إنه اختار اللون الأحمر في الزي الرسمي وبقية اللوحة كإشارة إلى التراث الملكي لتشارلز، إذ يظهر اللون الأحمر في لوحات ملكية تاريخية عديدة بنسب مختلفة. كما أوضح أنه قام بصورة مقصودة بدمج زي تشارلز مع الطلاء الأحمر الذي غطى معظم اللوحة، واختار جعل الزي الرسمي يتلاشى في اللوحة وإبقاء وجه تشارلز واضحاً للسماح للرائي بالشعور بالارتباط بالملك كشخص، بدلاً من صرف انتباهه إلى أوسمته وشعاراته.
وقال يو إن اللوحة بظلالها الحمراء الطاغية أصابت تشارلز بالدوار عندما رآها للمرة الأولى، وإنه تفاجأ في البداية بلونها القوي، لكنه تقبلها بعد ذلك ووصفها بالرائعة.
وأضاف يو الذي رسم من قبل أيضاً الأمير الراحل فيليب والد تشارلز "مثل الفراشة التي رسمتها فوق كتفه، هذا البورتريه تطور مثلما تطور دور صاحبه في حياتنا العامة... كان هدفي أيضاً الإشارة إلى تقاليد لوحات البورتريه الملكية لكن بطريقة تعكس الملكية في القرن الـ21، وقبل كل شيء تنقل المعاني الإنسانية العميقة التي يتمتع بها صاحبها".
الانتقاد ليس جديداً
من المهم أن نذكر أن هذا البورتريه ليس الأول الذي يتعرض لانتقادات، فقد شهدت الصور الرسمية لأفراد العائلة المالكة عديداً من الانتقادات وكانت موضع جدل عبر التاريخ، مما يبرز التحديات والتوترات التي تحيط بفن تمثيل السلطة والنخبة الملكية، إذ كثيراً ما أثار البورتريه كثيراً من النقاشات والتفاعلات الجماهيرية والثقافية.
فقد سبق وتعرض بورتريه الملكة إليزابيث الثانية الذي رسم لمناسبة اليوبيل الماسي لجلوسها على العرش في عام 2012، من قبل الفنان الأسترالي رالف هايمانز، لانتقادات حادة. وصف بعض النقاد البورتريه حينها بأنه "غير واقعي" و"مخيب للآمال"، مما يعكس التحديات التي يواجهها الفنانون عند رسم شخصيات عامة.
وفي عام 2022، عندما احتفلت الملكة إليزابيث الثانية بمرور 70 عاماً على جلوسها على تنصيبها، وهو ما يعرف باليوبيل البلاتيني، تم لهذه المناسبة تكليف الفنانة البولندية باربرا كاكزماروفسكا هاميلتون برسم بورتريه رسمي للملكة.
وعلى رغم تميز هذا العمل الفني بتفاصيل دقيقة وألوانه الغنية وأناقته، فإنه مثله مثل الأعمال الفنية الملكية الأخرى، لم يسلم من الانتقادات. رأى البعض أن الصورة تبدو "مصطنعة" أو "غير واقعية"، مشيرين إلى أن ملامح الملكة بدت مبالغاً فيها قليلاً أو أنها لا تعكس عمرها الحقيقي، واعتقد آخرون أن اللوحة تفتقر إلى الحيوية، وقالوا إنها تبدو أشبه بصورة فوتوغرافية أكثر من كونها عملاً فنياً نابضاً بالحياة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أهمية ثقافية وتاريخية
تعتبر البورتريهات الملكية جزءاً مهماً من التراث الثقافي والتاريخي البريطاني، إذ يعود تاريخها إلى قرون طويلة. بدأت عادة رسم البورتريهات الملكية في بريطانيا في العصور الوسطى، مع أقدم بورتريه ملكي بريطاني مسجل هو للملك هنري السادس، الذي رسم في القرن الـ15 بواسطة الفنان الإنجليزي هانز هولبين. وتعتبر الملكة فيكتوريا الشخصية الملكية التي حظيت بأكبر عدد من الرسومات الشخصية التي وثقت على مر السنوات تطورها من فتاة شابة إلى جدة العائلة الملكية البريطانية. تعرض هذه البورتريهات عادة في المتاحف والمعارض الفنية والأماكن المهمة مثل القصور المفتوحة أمام العامة، مما يسمح للجمهور بالتفاعل مع التراث الملكي وفهم دور الشخصيات الملكية في تشكيل الأمة، مما يجعلها جزءاً لا يتجزأ من التراث الثقافي البريطاني.
تتجاوز أهمية البورتريهات الملكية كونها مجرد صور، بل هي تعبير فني عن الهوية والتاريخ والسلطة. تجسد هذه البورتريهات التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية، وتعكس تطور نظرة المجتمع إلى السلطة والقيادة.
ويجسد بورتريه الملك تشارلز، على رغم الانتقادات التي طاولته، هذه الأهمية، ويؤكد استمرار الجدل والنقاش حول دور الفن الملكي ومعناه وأنه سيظل موضوعاً للحوار الثقافي لسنوات مقبلة ما ظلت الملكية قائمة. وربما تصبح هذه اللوحة في المستقبل غير البعيد رمزاً لفترة حكمه، وتضاف إلى قائمة طويلة من البورتريهات الملكية التي تسجل تاريخ العائلة المالكة البريطانية وتروي قصصاً عن حياة أفرادها وأدوارهم في المجتمع والحياة البريطانية.
لكن في الوقت الراهن وفي وجه كل هذه الانتقادات، ربما يقول لسان حال الملك تشارلز، وبالإذن من الشاعر الكبير محمود درويش: الفراشات حطت على كتفي ومالت عليَّ السنابل... فماذا صنعت أنا يا أبي؟ ولماذا أنا؟