قبل أسبوعين، شريكي وأنا طلبنا تجديد الإيجار للبقاء في منزلنا. رداً على ذلك، طلب منا مدير العقار "تأكيد" مقدار المبلغ الإضافي الذي يمكننا "تحمله في شكل مريح" –لأن المستأجرين، بالطبع، يجب أن يكونوا مسؤولين عن التقلبات في سوق الإسكان، ويجب تمرير الكلفة إليهم. قلنا إنه ما من زيادة يمكننا "تحملها بشكل مريح". والآن نحن ننتظر– لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا البقاء، أو ما إذا كان سعر الإيجار الجديد سيجبرنا على المغادرة.
من المحتمل أن يكون أي شخص تتعرض حياته داخل منزله إلى هذا النوع من التداعيات المترتبة على أزمة الإسكان على دراية كافية بهذا النوع من الانتظار، ذلك لأن تجربة التعامل مع عدم الاستقرار في العمل وكذلك السكن غير الآمن تعدان تجربتين مربكتين للغاية. وحين لا تستطيع التخطيط للمستقبل، تصبح محاصراً في الحاضر. تشعر وكأنك بطة تحرك ساقيها تحت الماء، فتستقر في مكانها لكن فقط ببذل جهد متواصل.
هذا الأسبوع، بينما كنت أنتظر الرد بقلق، قمت بفعل شيئين اثنين. الأول: تصفح محتوى فخم من التصاميم الداخلية للمنازل على "إنستغرام"، الذي لربما قدمته لي خوارزمية التطبيق بشكل سخي في ما يمكن أن يكون مجرد نكتة سمجة. في مقدور ذلك عادة أن يجعلني أشعر بالغثيان المصحوب بالمرارة والحسد، لكن لحسن الحظ كان الشيء الثاني الذي فعلته هو قراءة كتاب الصحافية كيران ييتس الجديد "كل المنازل التي عشت فيها من قبل" All the Houses I’ve Ever Lived In، الذي ألهمني وأغضبني وحفزني في وقت واحد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يعد كتاب ييتس في بعضه مذكرات وفي بعضه مواقف، ويعتمد على تجربة المؤلفة الشخصية خلال نشأتها في نظام إسكاني معطل. بحلول سن الـ25، كانت ييتس قد عاشت في 20 بيتاً مختلفاً في أنحاء البلاد كلها، والكتاب مبني كجولة في بعضها. يمثل كل فصل عنواناً جديداً [يحمل عناوين تلك البيوت]، بدءاً من بيريسفورد رود في ساوثال، وصولاً إلى غرين مان لاين إستايت في إيلينغ، ثم إلى ميفود كوتاج "في الريف العميق بوسط ويلز"، قبل العودة إلى أمرشام غروف وبيبيس رود وبيكهام راي في الجنوب الشرقي للندن، لكن على رغم كون كتاب ييتس حميمياً وغنياً بالتفاصيل المادية ومشبعاً بوضوح بحب العائلة والأصدقاء والمجتمع، فإنه بالتأكيد ليس عملاً من أعمال الحنين الخالص. إنه سرد مثير وذكي للتفاوت الطبقي والتحيز العنصري وإهمال الدولة الذي يشوب نظام الإسكان في المملكة المتحدة، الذي اختبرته ييتس بنفسها.
الجانب الشخصي هنا له طابع سياسي. في فصل "طريق بيريسفورد" تذكر ييتس علبة محارم من البلاستيك الذهبي والمخمل الأسود المزيف، "جلبها الوالد الهندي لوالدة [ييتس] معه من باهوال"، الذي يستخدمه كتعويذة لمناقشة حالات الشتات حول العالم، والعنف العنصري ضد مجتمعات المهاجرين، وأعمال الشغب في ساوثال [مقاطعة في غرب لندن ذات غالبية من المهاجرين الهنود]، ومنظمات الناشطين الشعبية التي تناضل من أجل تشريعات إسكانية مناهضة للعنصرية. ويدور فصل "غرين مان لاين إستايت" حول جدران رقيقة جداً مكسوة بالحصى والملاط، وكذلك عن إرث الإهمال الذي أدى مباشرة إلى حريق برج غرينفيل. وفي وقت لاحق، يتطور فصل "بيبيس رود" إلى طرح عاجل حول العفن الرطب والسام.
تكتب ييتس قائلة، "من المهم أن ندرك أن هذه الأشياء كلها مترابطة". طوال الوقت، يظهر كتاب "كل المنازل التي عشت فيها من قبل" نظام الإسكان لا بوصفه "سوقاً"، وإنما منظومة هشة –تشمل السكن الاجتماعي المخصص للإيجار، والإقامة الطلابية والموقتة، والمباني الشاهقة المبنية حديثاً، والعقارات، وواجهات المتاجر المعدلة [إلى منازل]، و"منازل المبتدئين" [مخطط حكومي تم إلغاؤه في عام 2020 كان يقوم على بيع المنازل بأسعار مخفضة للمشترين الأوائل]. وبالمثل، ليست أزمة الإسكان معزولة في مسألة واحدة تتعلق بأسعار البيوت وصعوبات "تسلق سلم امتلاكك لمنزل"، كما هي الحال في كثير من الأحيان في تغطيات وسائل الإعلام، بل تعرض وفق ما هي عليه حقاً: عقدة معقدة تم سحبها بإحكام من قبل الجشع والإهمال. تكتب ييتس قائلة، "بعد كل شيء، لا يمكن اختزال الإهمال إلى مبان غير سليمة. هو يقع في الدائرة الخبيثة لوسائل الإعلام، في الخطاب السياسي، في الوتيرة البطيئة لاستجابات الحكومات والمجالس المحلية والمطورين العقاريين والمالكين". بعبارة أخرى، هو في كل مكان، ويجب محاربته على الجبهات كلها، لأن ما هو على المحك هو حياة الناس.
تقول ييتس لي عبر الهاتف يوم نشر الكتاب: "اعتقدت أن من المهم عدم اعتبار المسكن كأحد الأصول التي نمتلكها، التي يروج له لدينا. اعتقدت أن من المهم التفكير في فكرة المنزل، حتى نتمكن من التفكير في ما وراء القشور السلعية التي يريدنا الوكلاء العقاريون في الأغلب التفكير فيها حين ننظر في الممتلكات". وإذ تشير ييتس إلى أننا نعيش في بلد "حيث يتعلق الخطاب السياسي المهيمن بمن يشعر بأنه في منزله في بريطانيا"، تقترح أيضاً أننا إذا استطعنا النظر في فكرة المنزل وماذا تعني، "يجعل ذلك من الأسهل التفكير في المجتمع، وفي نهاية المطاف، يسهل علينا التفكير في كيفية الاعتناء ببعضنا بعضاً أيضاً".
منذ انتقالي إلى الجنوب الشرقي للندن في ديسمبر (كانون الأول) 2018، عشت في خمسة عقارات مستأجرة. خلال ذلك الوقت، أبرمت عقود إيجار بمجموعة من الطرق المختلفة، بينما كنت أحاول أن أشق طريقي ككاتبة وصحافية، لذلك ربطت نفسي بجزء كبير من كتاب ييتس، بطريقة بدت في بعض الأحيان معزية بشكل كبير وفي بعض الأحيان بدت مؤلمة جداً. بداية، يقع بيتها المشترك الذي أقامت فيه بعد الجامعة في بيبيس رود بـ"تلغراف هيل" (سمي على اسم كاتب اليوميات الإنجليزي صموئيل بيبيس، الذي تكتب ييتس في حاشية موجهة في شكل جميل أن ثروته تضاعفت أربع مرات في الوقت الذي عاث الطاعون فساداً في المناطق الأقل ثراء والأكثر اكتظاظاً بلندن عام 1665 – العام الذي وصفه كاتب سيرته بأنه "أحد أسعد الأعوام" في حياة بيبيس) على مرمى حجر فقط من غرفتي الأولى في لندن: شقة في الطابق السفلي مع مطبخ مستطيل حيث انهارت إحدى المناضد وتدلت من الجدار لمدة شهرين لأن المالكة التي عاشت على بعد خمسة بيوت، لم ترد على رسائلنا المطالبة بإصلاحه. وبالمثل، بدت مقاطع ييتس حول العفن الأسود الزاحف على جدران غرفة نومها، أو الفئران التي توقظها في الليل، وكأنها قابلة للسحب من يومياتي القديمة.
في قول ذلك، أنا حقاً لا أحاول أن أجعل هذا النص كله يدور حولي، أو تأطير كتاب ييتس بمعيار النسبية –أعتقد أن هذا مقياس سيئ للأدب والفن، وعلى أي حال، يتميز كتاب ييتس بأنه أوسع وأذكى بكثير من ذلك، لكن واحداً من الأشياء الذكية التي تقوم بها ييتس هو إيضاح أن البيوت التي عاشت فيها في أي وقت من الأوقات متشابكة مع البيوت كلها التي عاش فيها كل قارئ في أي وقت من الأوقات. هي توضح أن العفن أو الفئران في سكن الخريجين المشترك الحضري هي أعراض للمرض الاجتماعي نفسه الذي يجبر الأكثر ضعفاً في المجتمع على العيش في حاويات مخصصة للشحن البحري.
تقول ييتس لي: "نعلم أن الآثار العاطفية والنفسية لانعدام الأمن في السكن سيئة، ونعلم أن الاستراحات النفسية المستمرة والانقطاعات ليست جيدة لصحتنا العقلية. نعلم أن فكرة وجود مالك متربص بنا لزيادة كلفة الإيجار، مثلاً، تولد الأدرينالين وتزيد من مستويات الكورتيزول. ويمكن أن تكون لذلك آثار بعيدة الأجل كثيرة، مثل أمراض القلب والقلق والاكتئاب، وكلها تسهم في الأضرار النفسية لانعدام الأمن في السكن". عندما تفكر ييتس في الإسكان في هذا البلد، تقول إنها تعتبره حالة طوارئ صحية عامة. تشرح قائلة، "هذا لا يتعلق فقط بتدهور البيت، والرطوبة، والعفن، والمسائل الهيكلية، وجودة الهواء، والتلوث، بل له علاقة أيضاً بالخسائر العاطفية والنفسية التي يتحملها جيل من الناس ممن تركوا على الهامش بشكل كبير".
وتضيف ييتس قائلة، "كما تعلمون، تقول لنا الحكومة إن "المنزل اللائق" يندرج تحت فكرة "المنازل المناسبة للسكن البشري"، لكن هذا الموقف يستخدم بطريقة تعسفية ومجردة إذ يمكن أن يولد تحديات وصعوبات تعوق القدرة على مناصرته". لذلك، هناك حاجة إلى مزيد من الوضوح على صعيد السياسة الحكومية، لكن في نهاية المطاف، كما تشير ييتس، "نحن بحاجة إلى أن يكون هذا الموضوع أولوية، وفي الوقت الحالي هو ببساطة ليس كذلك".
يمكن للافتقار التام إلى الإرادة السياسية لمعالجة أزمة الإسكان حقاً أن يكون حقيقة محبطة ومثبطة – طريق مسدودة أخرى. ومع ذلك، فإن أحد الأشياء التي تتقنها ييتس جيداً هو الحض على عدم اليأس. بدلاً منه، تشجعنا جميعاً على التركيز على الحلول المجتمعية. تقول: "كل شيء من مقاومة محضري الإخلاء، إلى مقاومة الظروف السيئة التي تحيط بنا، إلى مناصرة العاملين المضربين الذين يريدون أن يروا نهاية للتاريخ الطويل من تجميد الأجور. يجب علينا ببساطة أن نرى إلغاء الإخلاءات غير المبررة. علينا أن نرى نهاية المالكين المارقين". لإجراء هذه التغييرات، يجب علينا بناء تحالفات، ولكي نفعل ذلك، يجب أن نرفض فكرة مجموعات المصالح المنفصلة. تؤكد ييتس قائلة، "تطلب الحكومة من أصحاب المنازل من الطبقة المتوسطة [و] من الأشخاص من الطبقة العاملة في المساكن المستأجرة الاجتماعية أو في الإقامة الموقتة اعتبار أنفسهم مجموعتي مصالح منفصلتين ونحن لسنا كذلك. نعلم أن هذه أزمة متعددة الجوانب، ونعلم أن الأمر يتعلق بالصحة العامة للجميع. نعلم أن هذا يتعلق بالتأكد من أن كل شخص لديه وظيفة آمنة حتى [يمكن] أن يصل إلى سكن آمن".
تقول ييتس: "عندما أفكر في منزل لائق، أعتقد أن [هذا] يجب أن يولد الاستقرار والسلامة ويوفر إطاراً مادياً يسمح للناس بالشعور بالأمان والأمن. [لكنه يجب أن يوفر أيضاً] إطاراً أيديولوجياً وسياسياً أيضاً، لكي لا يشعر المرء بالتداعيات الصعبة للإخلاء". في نهاية المطاف، على رغم تعقيدات أزمة الإسكان كلها، يدهشني أن ذلك كله يتلخص في طلب بسيط. تقول ييتس: "آمل في أن نتمكن جميعاً من الاجتماع معاً لاعتبار الإسكان شيئاً يدور حوله كل شيء آخر، وأن نوضح حقاً أن الإسكان يجب أن يكون حقاً للجميع".
"كل المنازل التي عشت فيها من قبل: العثور على منزل في النظام يخذلنا" بات متوافراً في المتاجر الآن