"لنتقاسم العالم" مبادرة فنية سكبت الألوان في نواكشوط

منذ 1 سنة 179

يمسك الفنان الفرنسي سيب توسان فرشاة ألوانه الزاهية ليضع اللمسات الأخيرة على لوحة تزين واجهة بيت في حي الزعتر الفقير شرق العاصمة الموريتانية نواكشوط. إنه مشروع ثقافي غير ربحي أطلقه توسان وزملاؤه من الفنانين التشكيليين منذ عقد من الزمن، من أجل رسم الجمال في مناطق شعبية من دول العالم الثالث، فكانت موريتانيا هي وجهتهم هذا العام بعد نيبال وفنزويلا.

نشر السعادة

تقوم فكرة المشروع الذي يطلق عليه مؤسسوه اسم "لنتقاسم العالم" على تجذير روح الجمال في نفوس سكان الأحياء الهامشية في ضواحي عواصم العالم النامي. ويقول توسان لـ"اندبندنت عربية"، "اخترت موريتانيا لبعدها وانقطاعها عن العالم، تجولت في أحياء فقيرة عدة من العاصمة، ووقع اختياري أنا وزميلي على حي الزعتر، وبالفعل حين شرحت الفكرة للسكان رحبوا بها، وبعد فترة من العمل باتت تربطنا بهم علاقات ملؤها المودة والاحترام".

ويضيف الفنان "أطلب من السكان اختيار الكلمات التي يرغبون بكتابتها على واجهات وجدران بيوتهم، وبالفعل وقع اختيارهم على كلمات من قبيل مرحباً والصداقة والمرح والشباب، وكأن أهالي هذا الحي يحتفون بالحياة ويتوقون إلى السعادة على رغم التحديات التي تحاصر حياتهم".

2.jpeg.jpg

الفنان الفرنسي سيب توسان أمام أحد المنازل القديمة في حي الزعتر (اندبندنت عربية)

الألفة تقود إلى الشغف

منحت الأسابيع الثلاثة التي قضاها الفنانون التشكيليون في حي الزعتر الفرصة للأهالي للتعرف إلى هؤلاء القادمين من الغرب البعيد. وشيئاً فشيئاً توطدت العلاقة بين سكان الحي وضيوفهم، وعن هذه الجزئية تقول السيدة عائشة بلال وهي إحدى ساكنات الزعتر "دعونا توسان وزميليه إلى البيت وأعددنا لهم وجبات محلية بغرض التعرف إلى ثقافتنا وأكلاتنا في موريتانيا، وقد أبدوا إعجابهم بالطعام ووقعوا في حب الشاي الأخضر الذي هو مشروبنا الأول هنا".

ويتحدث توسان عن "الألفة" التي شعر بها في جنبات الحي وكيف قادته هذه الألفة إلى شغف التعرف إلى أساسات الثقافة المحلية للشعب الموريتاني الطيب والكريم على رغم ضيق الحال".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مزار مفتوح

ومع اكتمال مدة المشروع الذي امتد لثلاثة أسابيع، تحول حي الزعتر إلى مزار مفتوح على طول اليوم، وأصبح سكان الأحياء المجاورة له يشدون إليه الرحال للوقوف على الأعمال الفنية التي أشرف عليها توسان وزميلاه، ولا تتردد إحدى الزائرات للحي في التعبير عن إعجابها بهذه المبادرة التي تتمنى أن تعم مختلف أحياء نواكشوط الهامشية، لتخفف وطأة مظاهر الفقر الظاهرة للعيان.

قادت هذه التجربة الفريدة من نوعها إلى تلوين وطلاء عشرات المنازل في حي الزعتر، الذي أضحت واجهات منازله لوحات تضج بالحياة وتعبق بالألوان. ويقول سيدي أحمد وهو أحد سكان الحي "لقد منحنا هؤلاء الفنانون فرصة التعرف إلى الجانب المشرق في الفن وهو الجمال، وأصبح بإمكان أطفالنا أن ينعموا بمشاهدة الألوان الزاهية وهي تغطي جدران بيوتنا المهترئة بفعل ملوحة الأرض وعوادي الزمن، ونأمل في أن يسهم هذا المشروع في تنمية مهارات أبنائنا الفنية ليصبحوا فنانين في المستقبل".

1.jpeg.jpg

تلوين وطلاء عشرات المنازل في حي الزعتر بنواكشوط (اندبندنت عربية)

تأسيس لفن الغرافيتي

ولدت مبادرة هؤلاء الفنانين رغبة لدى شباب موريتانيا المهتم بالغرافيتي بتعزيز مهاراتهم، وذلك من خلال مواصلة تجارب سابقة كانوا قد بدأوها قبل قدوم توسان إلى نواكشوط. ويقول الشاب علي الشيخ "نرغب بوجود مساحة أكبر لهذا الفن ضمن الخريطة الثقافية في البلاد، وقد خضنا تجارب مماثلة في وسط المدينة حيث رسمنا لوحات على جدران دار الشباب القديمة، وكذلك في باحة الملعب الأولمبي، وقد أردنا إيصال رسائل الشباب السياسية والاجتماعية من خلال هذا الفن المعاصر".

وبحسب علي فقد "سمحت هذه اللفتة بتأسيس ثقافة الغرافيتي في موريتانيا وتعرف السكان والسلطات إلى أدوات هذا الفن الجميل".

وينشط عديد من الشباب الموريتاني ضمن فرق فنية تهتم بهذا المجال وتزين أعمالهم كثيراً من المرافق الثقافية في عاصمة بلادهم.