مشروع جديد تتبناه مصر خلال الفترة الحالية وهو إنشاء مرصد فلكي بمنطقة جنوب سيناء بديلاً عن مرصد القطامية الحالي.
ويقع المرصد الجديد في منطقة جبل الرجوم التي وقع الاختيار عليها من بين 20 موقعاً مقترحاً، بحسب ما أعلن المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيائية.
وسيعتمد المرصد الجديد أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا في مجال علوم الفلك وسيتم تزويده بمنظار فلكي بمرآة قطرها 6.5 متر ليكون هو الأكبر من نوعه في المنطقة، كما ستفوق قدراته المرصد المستخدم حالياً في القطامية بدرجة كبيرة، إذ إن المرصد الحالي مزود بمنظار قطر مرآته نحو 190 سنتيمتراً فقط، مما سيحدث فارقاً كبيراً في القدرة على الرصد الفلكي وبالتالي مزيد من الاكتشافات والتطور في علوم الفلك بمصر.
تاريخ في الرصد الفلكي
لمصر تاريخ طويل في مجال علم الفلك الذي شكل أهمية كبرى منذ مصر القديمة، وتم الاستناد إليه في كثير من المجالات مثل الإنشاءات المعمارية العظيمة التي أقيمت إضافة إلى الاعتماد عليه في أمور مثل الزراعة والتقويم.
وفي العصر الحديث شهدت مصر إنشاءات عدة لمراصد فلكية عبر تاريخها تطورت مع التقدم العلمي الكبير في هذا المجال لتقوم بمشروعها الحالي لإنشاء أكبر مرصد فلكي في الشرق الأوسط.
وعن تاريخ مصر الحديث في مجال الرصد الفلكي يقول رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية جاد القاضي لـ "اندبندنت عربية" إنه "تم إنشاء أول مرصد فلكي عام 1839 في حي بولاق بالقاهرة، وكانت هذه المنطقة آنذاك على أطراف المدينة لاستخدامه في الرصد الفلكي وتحديد بدايات الأشهر العربية".
وأضاف، "عندما توسعت مدينة القاهرة تم إنشاء مرصد جديد عام 1870 في منطقة العباسية التي كانت تعرف وقتها بالريدانية وكانت أيضاً خلال تلك الفترة تقع خارج القاهرة، ويضم هذا المبني حالياً هيئة الأرصاد الجوية، إذ كانت جزءاً من المرصد حتى عام 1956، وبحلول عام 1903 تم إنشاء مرصد جديد في منطقة حلوان وكان يسمي المرصد الملكي أو مرصد حلوان، وهو الاسم المصاحب له حتى الآن".
وأوضح أنه "في أوائل الخمسينيات ومع التوسع الكبير الذي شهدته القاهرة كان الملك فاروق في زيارة لمرصد حلوان وعرض عليه أن يتم إنشاء مرصد جديد بمنطقة القطامية خارج العاصمة، وبالفعل تم إنشاؤه في منطقة الواقعة على الكيلو 60 على طريق القاهرة العين السخنة، وتحمس الملك فاروق للمشروع بشدة حتى إنه دفع 500 جنيه كهبة ملكية للإسهام في إنشاء المشروع من حسابه الشخصي، وهذا المرصد يعد من الأبرز في المنطقة وسيستمر في العمل حتى بعد الانتهاء من المرصد الجديد".
مرصد جديد
ما هو الدافع لإنشاء هذا المرصد باعتبار أن هناك آخر قائم بالفعل، وما هي المعايير التي يتم اعتمادها لاختيار الموقع المناسب لبناء مرصد فلكي في مصر؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار القاضي إلى أنه "مع توسع العمران في منطقة شرق القاهرة التي أصبحت تضم كثيراً من الأحياء السكنية، إضافة إلى مشروع العاصمة الإدارية الجديدة الجاري العمل فيه حالياً، فإن الرصد الفلكي أصبح أكثر صعوبة بسبب أن المرصد يجب أن يكون في منطقة خارج نطاق المدن، ولهذا السبب كان يتم إنشاء مرصد جديد في مصر كل فترة مع امتداد العمران ودخول المناطق النائية إلى حيز المدن".
ولفت إلى أن "اختيار موقع المرصد الجديد خضع لمعايير دقيقة وتكونت لجنة من الوزارات المعنية لرصد أعلى 20 قمة جبلية في مصر والمفاضلة بين المواقع المختلفة لاختيار الأنسب، وبالفعل وقع الاختيار على منطقة جبل الرجوم بجنوب سيناء باعتبارها الموقع الأفضل لإنشاء مرصد فلكي جديد، ويجري العمل حالياً بالاستعانة بأفضل الخبرات المصرية إضافة إلى خبراء دوليين على أعلى مستوى، فالمرصد الجديد سيكون الأهم والوحيد بهذا الحجم في المنطقة".
الجدوى الاقتصادية
قد يتساءل عوام الناس من غير المتخصصين عن الجدوى من إنشاء مرصد فلكي بهذا الحجم، خصوصاً أنه سيحتاج إلى موازنة تصل إلى نحو 100 مليون دولار في ظل أزمة اقتصادية تعانيها مصر وغيرها جراء أسباب عدة، فماذا سيضيف هذا المرصد وهل مثل هذه المشاريع يكون لها إضافة اقتصادية إلى جانب القيمة العلمية التي لا يمكن التقليل من شأنها على الإطلاق، لكنها في كثير من الأحوال قد لا تكون مفهومة للمواطن العادي غير المتخصص.
وقال القاضي إن "الرصد الفلكي مرتبط بجميع مناحي الحياة وليس فقط كما يعتقد بعض المتخصصين بأنه أمر أكاديمي بحت، فكثير من الصناعات ترتبط ارتباطاً مباشراً بالتقدم في مجال الفلك، وعلى رأسها الاتصالات والأقمار الاصطناعية بجميع استخداماتها بكل ما تمثله من أهميه كبيرة تدخل في كثير من الأمور الحياتية العادية للمواطن العادي، فهناك كثير من التكنولوجيات تتطور وتشهد تقدماً كبيراً بناء على تطور تكنولوجيا الفلك، وكثير من الصناعات تقوم وتتطور بناء على هذا العلم وينعكس ذلك بشكل مباشر في النهاية على المواطن العادي".
وأضاف، "المنطقة من غرب إسبانيا وحتى شرق الصين لا يوجد بها تلسكوب فلكي كبير، ولهذا وجود تلسكوب بهذا الحجم في مصر سيكون له أهمية كبيرة لأنه سيغطى منطقة شمال أفريقيا بالكامل، فالعالم كله الآن يهتم بمتابعة السماء وعلوم الفلك بشكل عام، ومن هنا فإن هذا التلسكوب سيضيف إلى علم الفلك بشكل كبير".
وأشار إلى أن "المرصد بعد إنشائه يمكنه أن يحقق عائداً فعلى سبيل المثال مراكز الأبحاث العالمية المتخصصة في علوم الفلك كثيراً ما تلجأ لمثل هذه المراصد لإجراء أبحاث أو الرصد من موقعها فتستأجر عدداً من الأيام ما يحقق عائداً كبيراً للمكان".
إنجازات في علوم الفلك
تاريخ طويل لمصر في ما يتعلق بعلوم الفلك وهناك إنجازات واكتشافات عدة مسجلة دولياً، وقال رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية إنه "على مدى سنوات تم الكشف عن عدد من النجوم للمرة الأولى من مرصد القطامية وهي مسجلة بالفعل، ففي خلال الفترة من عام 2015 وحتى الآن تم اكتشاف 12 نجماً وسجلت الاكتشافات باسم مصر".
وأوضح أنه "في عام 1906 التقطت أول صورة للمذنب هالي من مرصد حلوان، وهي موجودة حالياً في لندن باعتبار أن مصر في تلك المرحلة كانت واقعة تحت الاحتلال البريطاني، وعند هبوط أول مركبة فضائية على القمر عام 1969 التي كانت تحمل رائد الفضاء الشهير نيل ارمسترونغ كان مرصد القطامية واحداً من مراصد عدة حول العالم شاركت في تحديد الموقع الدقيق الذي ستهبط فيه المركبة، وهناك مراسلات موثقة بالفعل بين مرصد حلوان وشركة ’لوكهيد مارتن‘ المؤسسة لوكالة ’ناسا‘ كما كان لمرصد حلوان دور كبير في اكتشاف الكوكب بلوتو عام 1930".
وأضاف، "مصر لها الريادة في مجال علوم الفلك بالمنطقة العربية ولها مميزات بين كثير من دول العالم تجعلها من الأماكن المثالية للرصد، فمصر تتميز بأن لديها نحو 280 ليلة صافية في السنة، وهو رقم كبير عند مقارنته بكثير من الدول مما يتيح الرصد الفلكي معظم العام بعكس دول أخرى تتميز بطقس غائم لأوقات طويلة فيتعذر الرصد".
ولفت إلى أنه "حتى بعد افتتاح المرصد الجديد سيبقي مرصد القطامية قائماً، وسيكون مركزاً عالمياً لأبحاث الفلك، وبالفعل لدينا مركز مميز لعلوم الفلك والفضاء يأتي إليه المتدربون من جميع الدول العربية والأفريقية، ونستضيف كثيراً من الفعاليات بالتعاون مع مؤسسات وعلماء الفلك في العالم كله".