ملخص
يسهم الفن من خلال الانغماس في النشاطات الفنية بتعزيز الشعور بالإنجاز والرضا الشخصي، فضلاً عن تعزيز الشعور بالاتصال والتفاعل مع الآخرين.
للفن تأثير عميق في الصحة النفسية وتعزيز الإيجابية، كونه إحدى الوسائل الفعالة للتعبير عن المشاعر وفهم الذات والتعامل مع الضغوط اليومية.
إذ يتيح الفرصة للتعبير عن المشاعر والأفكار ويكون شفاء للأشخاص الذين يجدون صعوبة في الحديث عن مشاعرهم، كما أن ممارسة الفنون مثل التمثيل والرسم والغناء والنحت والتأليف الموسيقي والعزف يمكن أن يكون طريقة فعالة للتخلص من التوتر والقلق لأنه يحتاج إلى فترة من التركيز الذهني تشتت الانتباه عن المشكلات اليومية.
ويسهم الفن من خلال الانغماس في النشاطات الفنية بتعزيز الشعور بالإنجاز والرضا الشخصي، فضلاً عن تعزيز الشعور بالاتصال والتفاعل مع الآخرين، عدا عن أن المشاركة في الأنشطة الفنية الجماعية، يعزز الشعور بالانتماء وتقوية العلاقات الاجتماعية.
إلى ذلك، يعتبر الفن مصدراً للإلهام والتحفيز، فمشاهدة الأعمال الفنية أو المشاركة في صنعها، تعزز روح الإبداع وتحفز على التفكير الإيجابي، واكتشاف جوانب جديدة من النفس وتحسين المهارات الشخصية والعاطفية وتجاوز التجارب الشخصية والأحداث المؤلمة.
فكيف ينظر أهل الفن والاختصاص إلى دور الفن بالتأثير في الصحة النفسية والعاطفية وتحسين المزاج وتعزيز الإيجابية؟
شحنات مكبوتة
يرى الممثل السعودي عبدالمحسن النمر، في الفن على المستوى النفسي مساحة للتعبير عن الذات بصورة مختلفة. ويضيف في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "هذا الإحساس يمنح الممثل ارتياحاً نفسياً ويعلمه كيفية ضبط انفعالاته، لأن التمثيل يتيح أمامه الفرصة ليرى نفسه في كل الانفعالات ومن ثم القدرة على ضبطها والتحكم بها بصورة دقيقة، لأنه يلمسها بصورة واضحة ومختلفة.
ويوضح "ومن تأثيرات الفن فيّ على المستوى الشخصي وفي أبسط الأمور، أنني عند بداية الشعور بالغضب أتذكر كيف تصبح تعابير وجهي وعندها أسارع إلى ضبط انفعالاتي كي لا يرى الآخرون بشاعة هذه الصورة. كما أن الفنان يجني كثيراً من التقدير عندما يصل إلى مرحلة متقدمة من الإبداع سواء في الرسم أو الموسيقى والتمثيل مما يمنحه شعوراً بالتميز والقيمة لما يقدمه، فضلاً عن أن الممثل تحديداً يكون مسكوناً بكثير من الأرواح وعندما يعبّر عنها بشرها أو خيرها تشكل متنفساً لما يعتريه داخلياً وينتقل إلى منطقة أكثر رقياً من منطقة الكبت. التمثيل علاج فعلاً شرط أن يملك الممثل الوعي الكامل للدخول إلى الشخصية والخروج منها برشاقة وإلا فإن الانغماس فيها له تأثير سلبي فيه".
ومن تجربته الشخصية أيضاً يؤكد النمر بأن التمثيل يساعد على المستوى العاطفي على تفريغ الشحنات المكبوتة في الداخل بحال النقص العاطفي، ويقول "عند تجسيد دور رومنسي أو قصة حب لا يتحملها الواقع، يمكن للممثل من خلال التمثيل أن يعيش حالاً من الحب والمشاعر الجميلة والرائعة، وهذا أقوله من خلال تجربتي الشخصية وحتى على المستوى المعرفي فإن تجسيد شخصيات مختلفة مثل الدكتور أو عالم الدين أو الفيلسوف وترديد كلامها يؤدي إلى تنمية العقل والمعرفة والإدراك".
أما بصفته متلقياً فيمكن للوحة فنية أو مقطوعة موسيقية أو بيت شعر أو دور في فيلم أن تحسن مزاجه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتقد الممثل السعودي أن "اللوحة الجميلة تفتح آفاقاً على مشاعر مختلفة والموسيقى تهدئ الأعصاب، والدراما يمكن أن تكون حلاً لبعض المشكلات كما حصل في مسلسل "القطيعة" الذي يتحدث عن صلة الرحم والقطيعة بين الإخوة والذي شجع أحد المشاهدين إلى المبادرة بالاتصال بأخيه بعد قطيعة 10 أعوام، لأن المسلسل أثر فيه عاطفياً، وهذا التأثير إيجابي ومهم على المستوى الأخلاقي والمشاعر".
انفصال عن العالم المادي
أما المؤلف الموسيقي المصري هشام نزيه، فيفصل بين رأيه بصفته مستمعاً للموسيقى ورأيه بصفته مؤلفاً بتأثير الفن فيه.
ويوضح "عندما يسمع الإنسان الموسيقى أياً كان نوعها أو جودتها فإنه ينفصل مادياً عن العالم طالما أنها استحوذت على تركيزه. الموسيقى أشبه بالصلاة، ومن خلالها يتخلص من الشحنات الزائدة عنده ويستعيد توازنه النفسي والذهني. كما أن الاستماع للموسيقى له تأثيرات صحية، فمن يسمع موسيقى حزينة يشعر وكأن هناك من يشاركه الوجع ويواسيه، ومن يسمع موسيقى فرحة يشعر أيضاً بأن هناك من يشارك فرحته والدنيا تحتفل به، وحال التواصل العاطفي بين الإنسان والموسيقى مهمة جداً لأنها تشعره بأنه ليس وحيداً، فهي كيان غير مادي وتأثيرها فيه يتحقق مباشرة، بينما عندما ينظر إلى صورة أو لوحة فنية فهو يحاول تفسير معانيها، وهذا لا يحصل مع الموسيقى، بل هي تتماهى معه وتلامس إحساسه من غير حكم كما أنها تشعره بحال سلام وأمن مع الوجود كله حتى لو كانت صاخبة بل حتى هو يشعر بأنه في مأمن من أية سلبية داخلية".
ويشير الموسيقي المصري، إلى أن العزف يدخله في عالم آخر غير مادي "هذه ميزة كبيرة لأنها تخلصنا من الارتباط بالوجود المادي وتساعدنا على تفريغ ما في داخلنا من شحنة مشاعر وإتقان وتركيز وكأننا نخضع لعلاج نفسي وذهني وعصبي. الفنون عامة والموسيقى تحديداً هي خط حماية أول للشطط الإنساني والاجتماعي والمجتمعات التي توجد الموسيقى في حياتها تجيد التخلص من السلبيات النفسية الموجودة في داخلها لأنها شيء يشبه الفعل الروحاني ويؤدي إلى النتيجة نفسها".
هدوء وطمأنينة
في سياق متصل، تجد المطربة السورية عبير فضة في الغناء علاجاً نفسياً لها، لأن الكلمة تترجم المكنونات الداخلية التي لا تستطيع البوح بها.
وتوضح "لا يمكنني أن أشكو همي للناس ومن خلال الغناء أتخلص من كل المشاعر السلبية، وهذا الأمر يريحني نفسياً ويساعدني على الفضفضة والتعبير عما في داخلي، وحتى الجملة الموسيقية تحاكي روحي وتشعرني بالهدوء والطمأنينة. الغناء يجبر خاطري ويشعرني بطاقة إيجابية وعندما أشعر بضغط نفسي أسمع مقطوعة موسيقية أو أسمع القرآن لأن التجويد يريحني كثيراً بسبب تأثيره الكبير والمهم في السمع، وحتى في الكنيسة يُقرأ الإنجيل ترتيلاً".
أما المطربة ليندا بيطار فترى "ابتعاد الفنان عن المسرح لفترة طويلة يتعبه نفسياً، لأنه المكان الذي يجعله يعزز ثقته بنفسه ويدفعه ليتمرن ويتطور وينتج، ولكنه في الوقت ذاته عندما يكون في مزاج سيئ ينعكس الأمر سلباً على عطائه خلال الحفلة. المسألتان مترابطتان ببعضهما لأن الموسيقي بحاجة إلى طاقة المسرح والمسرح بحاجة إلى طاقة إيجابية وصحة نفسية سليمة لكي يقدم الفنان نفسه بأفضل صورة".
منطقة الصراع ومنطقة الراحة
من جهة ثانية، يؤكد الطب النفسي أهمية الفن باعتباره علاجاً نفسياً، ويوضح الدكتور جمال حافظ أن "الفن ينعكس بصورة إيجابية على الإنسان أياً كان نوع الاضطرابات النفسية التي يعانيها باستثناء الاكتئاب. ومن يعاني مشكلة نفسية أو عاطفية يجد نفسه عالقاً في "منطقة الصراع"، والانتقال إلى "منطقة الراحة" الموجودة إلى جانبها يشعره بالراحة لذلك يختار المنطقة الثانية. والعلاج يكون باختيار نوع الفن الذي يحبه لشخص وهو يمكن ألا يتجاوب في بداية الأمر، ولكن من خلال التكرار عقله يتحول إلى متلق والتبريرات التي تقدم من خلال ما يتلقاه تدفعه للابتعاد عن المشكلة التي يعانيها".