ملخص
أصبح الآباء يلجأون إلى أساليب غير رسمية، ظرفية ومرتجلة، بما فيها الاعتماد في هذه الرعاية على أصدقاء أو أفراد العائلة، أو حتى على الأشخاص الذين يتولون إخراج الكلاب لتمشيتها، لكن جميع هذه الخيارات لا تشكل حلاً مستداماً
أثناء تناولي الغداء الأسبوع الماضي مع صديقة لي هي أم لطفل حديث الولادة، اقترحت عليَّ صفقة. سألتني عما إذا كان بإمكانها توصيل طفلتيَّ الاثنتين إلى المدرسة كل يوم، وفي المقابل، ترك ابنها في منزلي 3 مرات في الأسبوع في الصباح إلى حين انتهائها من عملها قرابة الساعة الـ11 صباحاً؟ الاقتراح صدمني، ثم مضت تقول لي إنها على استعداد لاصطحاب طفلتي من المدرسة وإعادتهما إلى المنزل عندما يكون لديها غداء عمل غير متوقع، مما يعني أنها لن تكون متاحة إلا بحلول الساعة الثانية بعد الظهر، بدلاً من الـ11. وأضافت تقول يائسة وهي تحاول طمأنتي وإقناعي برعاية طفلها، "أعدك بأنه لا يسبب أي متاعب، فهو طفل هانئ يجلس بسعادة في كرسيه الهزاز، ويسترسل في المناغاة".
وصارحت صديقتي بأنني لا أستطيع القيام بذلك، وأوضحت لها أنه "يجب عليَّ أن أعمل أيضاً". وعلى رغم أن طلبها كان غير عادي، فإنه أصبح في الواقع شائعاً أكثر فأكثر بين الأهالي الذين يعملون، بحيث بات يجد مزيد من الآباء والأمهات من الطبقة الوسطى أنفسهم في وضع يتعين عليهم فيه محاولة "التكيف" في معالجة هذه المسألة - بمعنى إيجاد حلول بديلة لخدمات رعاية الأطفال الرسمية أو المهنية، مثل المربيات أو دور الحضانة المكلفة، والأمل في الاعتماد على الأصدقاء أو أفراد العائلة للمساعدة عند الحاجة. وفيما قد يبدو ذلك ظاهرياً وضعاً مثالياً لأنه مجاني في نهاية المطاف، إلا أنه نادراً ما يؤتى على ذكر كلفة الصحة العقلية والنفسية المترتبة عنه، وهي بالتأكيد لا تقدر بثمن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستناداً إلى أحدث بحث أجرته الحكومة البريطانية بعنوان "استطلاع الأهالي في شأن رعاية الأطفال والسنوات الأولى" Childcare and Early Years Survey of Parents، فقد تراجع عدد الآباء والأمهات الذين يستخدمون رعاية الأطفال الرسمية [الحضانات] إلى 47 في المئة، من نسبة 55 في المئة في عام 2017. ويسلط هذا الواقع الضوء على الاتجاه الجديد المتمثل في سعي الأمهات والآباء إلى التوفيق بين العمل المرن ورعاية أطفالهم بأنفسهم. ولا تشكل الأرقام في الواقع مفاجأة عند أخذ الكلف المعيشية المتصاعدة في الاعتبار، فبحسب مسح هذه السنة الذي أجرته مؤسسة "كورام للأسرة ورعاية الأطفال" Coram Family and Childcare [وهي جمعية خيرية تعنى بالأبحاث والسياسات في مجال تحسين رعاية الأطفال ومناصرة قضايا الأسرة]، فإن متوسط كلفة حضانة بدوام كامل لمدة 50 ساعة أسبوعياً للأطفال ما دون سن الثانية، هو 430 جنيهاً استرلينياً (546 دولاراً أميركياً) في الأسبوع في لندن، و308 جنيهات (391 دولاراً) في جنوب شرقي إنجلترا.
إلا أن بعض أولياء الأمور مثلي، يواجهون مواقف يتعين فيها عليهم التكيف واعتماد حلول مرتجلة عندما تقرر جليسة أطفالهم المغادرة فجأة قبل تمكنهم من العثور على أخرى بديلة منها. وهذا الوضع يتطلب إيجاد حلول بديلة بسرعة، أو استخدام أي موارد متاحة. ففي حالتي، تمثل الحل في اللجوء إلى المرأة التي تتولى تمشية كلبي خارج المنزل. أما بالنسبة إلى الآخرين، فيمكن أن يكونوا أهل الزوجة أو الزوج أو الجيران. أعرف إحدى الأمهات التي لديها ثلاثة أطفال صغار، وقد قامت بالاستعانة حتى بمستأجرة إحدى الغرف في منزلها. وقالت لي بفرحة غامرة، "إنها في الواقع تدفع لنا لتكون جليسة لأطفالنا! فنحن نتقاضى منها 400 جنيه استرليني (508 دولارات) شهرياً لقاء تأجيرها الغرفة الاحتياط في منزلنا. وفي المقابل، نحصل منها على أوقات مجالسة غير محدودة في الشهر، وساعة ونصف من المساعدة يومياً في الصباح اعتباراً من السادسة والنصف، لإيقاظ الأطفال وتحضيرهم للمدرسة".
وفيما أن هذا النوع من الترتيبات قد يخفف موقتاً من وطأة النفقات، إلا أنه في الواقع قد يكون من الصعب للغاية الحفاظ عليه بصورة مستدامة. فربما يضطر الآباء والأمهات في مرحلة ما، إلى جعل أطفالهم يشاهدون إحدى حلقات مسلسل الكرتون "دوريات المخالب" Paw Patrol أثناء إجرائهم مكالمة عمل عبر تطبيق "زوم"، لكن تخيلوا الاعتماد على ذلك كحل دائم؟ هذا ما يشعر الفرد به في مثل هذه السيناريوهات. فعندما تكون الجداول الزمنية والترتيبات غير قابلة للتوقع، يمكن للأمور أن تخرج عن مسارها في أي لحظة، وهذا من شأنه أن يجعلك تشعر دائماً بالتوتر والقلق.
في إحدى المرات، عندما كان عليَّ أن أنقل مجموعة من الأطفال على متن حافلة من المدرسة إلى أحد صفوف رقص الباليه، نسيت سهواً اصطحاب طفلة إحدى صديقاتي، وكانت تبلغ من العمر آنذاك أربعة أعوام. الطفلة كانت قد انضمت للتو إلى المدرسة في ذلك الأسبوع، وغاب عن بالي أنها لم تعد في دار الحضانة. فأنا بالكاد أستطيع تذكر ما تقوم به طفلتاي، فكيف إذا عندما يتعلق الأمر بأطفال أشخاص آخرين! بالتالي، تعين على والدة الطفلة أن تسارع إلى ترك عملها في ذلك اليوم، وتتوجه إلى المدرسة من أجل إعادتها إلى المنزل. لا بد أن أشير هنا إلى أن الطفلة كانت آمنة تماماً، وكانت تنتظر بهدوء في مكتب الاستقبال في المدرسة، لكن والدتها اعتراها قلق مبرر لجهة التأثير العاطفي المترتب عن ترك ابنتها الصغيرة هناك.
لا يسعني هنا إلا أن أتساءل عما إذا كان هذا النوع من الترتيبات يستحق فعلاً العناء. من المؤكد أنه قد يوفر للأهل ساعة أو ساعتين من الهدوء والسكينة من أجل الانصراف إلى العمل، لكن هناك مقايضة هائلة لجهة الترتيبات المتبادلة بين الأهالي. فإذا ما مرض أحد الأطفال ولم يتمكن أحد الوالدين من تقديم المساعدة بالمثل لوالد آخر في رعاية طفله، فإن ذلك من شأنه أن يعطل نظام المساعدة الظرفية بأكملها. إنه أشبه بتأثير أحجار الدومينو، وينتهي بنا الأمر جميعاً إلى الغرق في العواقب.
الدكتورة أماندا غومر - وهي عالمة نفس متخصصة في تنمية الطفل واللعب، ومؤسسة موقع "غود بلاي غيد دوت كوم" goodplayguide.com - ترى أنه ينبغي عدم استبعاد "الحلول المرتجلة" البديلة على الفور. وتقول إنه "من الجيد اعتماد مقاربة تعد أن رعاية الأطفال ليست مجرد خدمة تجارية قابلة للبيع أو الشراء كأي سلعة". وتقول إنه لا توجد صيغة عالمية لتصنيف رعاية الأطفال وترتبيها - ولا يوجد نهج "بمقياس واحد يناسب الجميع". فالجانب الأكثر أهمية يتمثل في أن يشعر كل من الوالدين والطفل "بالراحة والأمان" مع الذين يعتنون بهم، أياً كانوا.
وتكمن ميزة الرعاية المجتمعية للأطفال، في أنها تشكل "شبكة دعم طبيعية"، كما أنها تسهم في تطوير "صداقات دائمة". وفي المقابل، لا توفر الرعاية المهنية للأطفال مجالاً كبيراً للمرونة والحرية. وتقول الدكتورة غومر إن "هناك فرصة أكبر للأطفال لبناء ركن خاص بهم يلجأون إليه في غرفة المعيشة (كاستخدام وسائد أو بطانيات)، أو الخروج إلى الحديقة. وإذا كانت مرحلة الطفولة تخضع لنظام محدد وصارم، فقد يفوت الأطفال عليهم فرص تطوير مهارات حاسمة مثل أخذ زمام المبادرة، وصنع القرار، والتسوية، والتفاوض - وهي مهارات غير حصرية ويمكن تطبيقها في مختلف مجالات الحياة"، لكن الاختصاصية في تنمية الأطفال ترى أنه مع ذلك، هناك محاذير يجب أخذها في الاعتبار عند التفكير في ترتيبات غير رسمية لرعاية الأطفال. وتقول إنه "يتعين على المربين المجتمعيين وضع قواعد متفق عليها فيما يتعلق بنظام التغذية، وأوقات النوم، والسلامة، والانضباط، وإلا قد يصاب الطفل بالارتباك".
أما مارينا بيرن مؤسسة شركة "إديوكيت برافيت" Educate Private، وهي مؤسسة استشارات تعليمية دولية مقرها في منطقة "هولاند بارك" في لندن، فلا ترى أن مفهوم "الحلول الظرفية" يمثل في الواقع نهجاً متبعاً لرعاية الأطفال. وتروي تجربتها الخاصة مع ولديها اللذين يبلغان من العمر الآن 14 و17 سنة، عندما كانت تستعين في كثير من الأحيان بمعلمين خاصين، كانوا يقدمون لهما "اللعب التعليمي" أثناء عملها. ويتضمن هذا النهج أنشطة مثل الفنون والحرف اليدوية، ودمج المفاهيم التعليمية في الألعاب الرياضية مثل كرة القدم، وإجراء البحوث للمشاريع المدرسية، والمشاركة في لعب الأدوار. وتتذكر قائلة: "في إحدى المرات عدت إلى المنزل لأجد أن طفليَّ قد صنعا أشكالاً صغيرة من الطين، تعكس ما كانوا قد تعلموه في المدرسة".
وتعارض بيرن النهج "غير المنظم" في رعاية الأطفال. وهي تعتقد أنه "على رغم أن الصغار يجب أن يحصلوا على فرص اللعب الحر (فإن) رعاية الأطفال ينبغي ألا تكون بمثابة موعد دائم للعب. ويتعين أن تكون هناك هيكلية رسمية وحدود واضحة لرعاية الأطفال كي تنجح بصورة فعالة. وعندما يترك الأطفال ليفعلوا ما يحلو لهم من دون توجيه، تنشأ بعض الأخطار التي قد تتمثل في وقوع حوادث، أو إهمال الأطفال لواجباتهم المدرسية في المنزل، أو إغفال بعض العادات كعدم الجلوس إلى المائدة لتناول وجبات الطعام، أو تناول الأكل بالصورة المناسب".
في ما يتعلق بي - وبكثير من الأهالي الآخرين - فإن فترة الجائحة كانت مفصلية لجهة تكريس التحول في مجال رعاية الأطفال من نظام رسمي إلى غير رسمي. ومع أن العمل من بعد أصبح هو القاعدة، فقد وجد كثير منا أنفسهم يمارسون وظائفهم من المنزل بدلاً من الانتقال إلى المكتب، لكن لم أبدأ حقاً في مواجهة تحديات الاعتماد على الحلول الظرفية البديلة لرعاية الأطفال إلا بعدما غادرتنا مربيتي التي عملت لدينا لفترة طويلة. وباعتباري أماً وحيدة يتقاسم معي مسؤوليات رعاية طفلتي، فقد كنت محظوظة بالحصول على مساعدة والدي في تغطية كلف رعايتهما، ما مكنني من الحفاظ على وظيفتي، لكن عندما تغيبت المربية ولم تعد تصل في الثامنة والنصف من صباح الإثنين، انتابني شعور بالقلق.
كانت مغادرتها العمل مفاجئة، إذ لم أمر بفترة أتاحت لي الانتقال بسلاسة إلى مرحلة الحلول الظرفية البديلة، بل كان هناك ولوج مفاجئ إلى وضع جديد غير متوقع. فطفلتي البكر لولا التي كانت في الرابعة من عمرها، كانت في صدد التوجه إلى المدرسة في يومها الأول، بينما كانت الصغرى ليبرتي البالغة من العمر سنتين، في المنزل. وبعد معاناة دامت أسابيع من الفوضى العارمة، وصل الوضع إلى نقطة من التدهور كان لا بد أن يحدث فيه انهيار. انعكس ذلك على صحتي العقلية، فقد كنت أشعر بالإرهاق. وكانت النقطة الفاصلة عندما تعين عليَّ تسليم عمل ضمن مهلة محددة، واضطررت إلى إعطاء ليبرتي جهاز "آيباد" في سريرها لمدة 6 ساعات، كانت تضع خلالها سماعات الرأس وتتناول كيساً من رقائق البطاطا "بوم بير".
تلك الصورة ستظل عالقة في ذهني دائماً. وقد طلبت من المرأة التي تقوم بتمشية كلبتي أن تصطحب ابنتي إلى الحديقة في اليوم التالي، لكن ذلك كان يعني أنه يجب إبقاء الكلبة ماغلز في المنزل، لأن تلك السيدة لم تكن قادرة على القيام بالمهمتين معاً. كانت ماغلز مشوشة ومتوترة، تماماً مثلي. وفي إحدى المرات، أذكر أنني سألت عامل بناء كان يضع سياجاً في حديقتي، عما إذا كان يستطيع مراقبة طفلتي أثناء قيامي بمقابلة عبر الهاتف. كنت أعرف أن ذلك لا يجوز، لكنني كنت يائسة. لم يكن لديَّ أي أقارب في الجوار ألجأ إليهم. ولا يمكن لأي مقدار من رسائل "واتساب" التي وجهتها إلى أصدقاء لي لديهم أطفال، أعرض فيها عليهم مبادلتهم المساعدة، أن يخفف من الضغط الذي واجهته.
في نهاية المطاف، وجدت نفسي - شأني شأن كثر آخرين مثلي - أعاني "ذنب الأمومة" الذي لا يحتمل. لم أكن قادرة على التوفيق بين العمل ومنح طفلتي عاطفة الأم من خلال وجودي قربهما. أنا لست الوحيدة التي تواجه معاناة في اللجوء إلى الحلول الموقتة البديلة. فقد أخبرتني إحدى صديقاتي من الأمهات الأسبوع الماضي، أن ابنها قام بخطواته الأولى بينما كانت تجري مكالمة عمل عبر تطبيق "زوم". وقالت، "بالنسبة إليَّ، عندما أكون في المكتب فما هو بعيد من الأنظار يكون بعيداً من البال، في الإجمال، لكن ما حدث كان أكثر إحباطاً لأنني كنت معه في الغرفة نفسها".
يمكنني أن أفهم رغبة أولياء الأمور في أن يوفروا عن أنفسهم رسوم الحضانة التي تبلغ 90 جنيهاً استرلينياً (114 دولاراً) في اليوم، لكن الحقيقة المحزنة هي أنه إلى حين تمكن الأطفال من الالتحاق بالمدرسة بدوام كامل، فإن كثيراً من الآباء يبقون عاجزين عن تحمل كلف رعايتهم. حتى بعد الدوام المدرسي، يظل الكابوس اللوجيستي لجهة تأمين المواصلات لهم، يطارد الأهل الذي يعملون. ويبقى الخيار متروكاً للآباء والأمهات في تحديد المسار الذي سيسلكونه عندما يتعلق الأمر برعاية الأطفال، لكن هناك أمراً واحداً مؤكداً ويتلخص في أن الاتكال المستمر في رعاية أطفالهم على اللطف المجاني وغير المستدام من جانب الأصدقاء أو أفراد العائلة، ليس في النهاية حلاً قابلاً للتطبيق، وهو مسألة لا تستحق العناء.