ملخص
في قلب ميدان الجيزة الشهير بمصر يقع "أستوديو بكر" الذي يمتد تاريخه لأكثر من 70 عاماً، تزين جدرانه مجموعات من الصور تتنوع ما بين الفنية والسياسية في معرض مفتوح للزائرين.
على مدى ما يقارب 100 عام كانت عائلة بكر شريكاً رئيساً في مراحل تطور صناعة السينما في مصر، حين بدأ حسين بكر (الأب) مشواره مع التصوير الفوتوغرافي للأفلام مطلع ثلاثينيات القرن الماضي مع أفلام محمد عبدالوهاب وبدايات إنشاء "أستوديو مصر"، ليستكمل الابن محمد الذي عرف لاحقاً بـ "شيخ المصورين" المسيرة منذ خمسينيات القرن الـ 20 ولمدة 50 عاماً متواصلة، ونتج من مسيرة الأب والابن أرشيف سينمائي يمكن اعتباره كنزاً، إذ تجاوز فكرة الصور الفوتوغرافية ليتحول إلى واحد من مصادر التاريخ لصناعة السينما في مصر، خصوصاً أنه يضم أرشيفاً متكاملاً لما يزيد على 2000 فيلم من روائع الأعمال التي أصبحت علامات في تاريخ هذا القطاع، إلى جانب توثيق مراحل تطور أدوات الصناعة من كاميرات ووحدات إضاءة وغيرها، في الصور التي تضم من هم خلف الكاميرا.
وأخيراً عرض جزء من أرشيف الفنان محمد بكر للجمهور في معرض "50 عاما من البورتريه السينمائي" بالقاهرة، والذي جعل زائريه يشعرون وكأنهم عادوا بالزمن للوراء مع مشاهدتهم لـ "بورتريهات" ومشاهد من أفلام لنجوم الزمن الجميل الذين كانت أعمالهم جزءاً من ذاكرة السينما وقوة مصر الناعمة على مر الأعوام.
أستوديو بكر
في قلب ميدان الجيزة الشهير بمحافظة الجيزة المصرية يقع "أستوديو بكر" الذي يمتد تاريخه لأكثر من 70 عاماً، إذ جرى افتتاحه عام 1953 ولا يزال قائماً حتى اليوم، تزين جدرانه مجموعات من الصور تتنوع ما بين الفنية والسياسية في معرض مفتوح للزائرين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن داخل أستوديو بكر قال الفنان المصور محمد بكر في حديث لـ "اندبندنت عربية" عن تاريخ العائلة في التصوير، "الوالد حسين بكر يعمل في مجال السينما منذ عام 1932 مع بداية أفلام عبدالوهاب، مثل ’الوردة البيضاء‘ و ’لست ملاكاً‘ وهذه المجموعة من الأفلام كانت من إنتاج شركة ’بيضافون‘ وكانت معظم الأفلام من إخراج محمد كريم".
وأضاف، "استمر الوالد هكذا لفترة ثم انتقل إلى أستوديو مصر مطلع الأربعينيات حين عينه وقتها طلعت باشا حرب رئيساً لقسم التصوير الفوتوغرافي، وكان يصور كل الأفلام التي ينتجها أستوديو مصر، وكنت وقتها طفلاً صغيراً وأصاحبه أحياناً إلى مواقع التصوير، إضافة إلى أنه كانت لديه غرفة في منزلنا مخصصة لتحميض الأفلام مع معمل التحميض الأساس في الأستوديو".
وتابع، "أحببت هذا العالم وانبهرت به، وعندما وصلت إلى المرحلة الثانوية كنت أذهب للأستوديو لمساعدة والدي في التصوير وحمل المعدات التي كانت ثقيلة وقتها، واستمر الوضع على ذلك لأعوام ولكن في أحد أيام عام 1956 توجهت كالمعتاد إلى الموقع، وبالمصادفة لم يكن والدي موجوداً وكان المخرج حسن الصيفي يصور فيلم ’سمارة‘ لتحية كاريوكا ويبحث عن والدي لالتقاط صورة، فأخذت الكاميرا ونويت أن أصور ليلاقي الأمر اعتراض المخرج، لولا تدخل كاريوكا التي طلبت منه إعطائي الفرصة، وبالفعل صورت ولاقت الصور إعجابهم وكانت هذه هي البداية".
أهمية البورتريه السينمائي
ربما لا تستوعب الأجيال الجديدة سواء من الجمهور أو حتى من صناع السينما أنفسهم قيمة أو أهمية التصوير الفوتوغرافي المصاحب لتصوير المشاهد السينمائية للأفلام في هذا العصر، باعتبار أن صناعة السينما بكاملها اختلفت أدواتها حالياً، ففي ذاك الزمان كان لهذه الصور دور رئيس في صناعة السينما وليست مجرد لقطات للتوثيق، وهنا يقول بكر، "كانت الصور مهمة جداً لصانعي السينما في ذلك الوقت، لأنه كان لا بد من مشاهدة الصورة في اليوم التالي ليستكملوا التصوير بناء عليها، فمصور الفوتوغرافيا كان يأخذ الكادر نفسه بالضبط فيراها المخرج ليعيد ضبط الكادر ويستكمل المشاهد، فيما تكون هناك مساحة لمدير التصوير للتأكد من سلامة الإضاءة، إضافة إلى الاستعانة بها في راكورات الممثل الخاصة بالماكياج والملابس، وفي الوقت نفسه كان لها دور مهم في التسويق، فيأخذ المنتج نسخة من ألبوم الصور ليسوّق بها الفيلم في الدول الخارجية ويستخدمها في الدعاية".
ويضيف، "لدي حالياً أرشيف لنحو 2000 فيلم سينمائي، وكل فيلم موثق ببياناته كافة، مثل عام الإنتاج وطاقم العمل بالكامل، سواء المخرج أو الممثلين والمصورين، وفي الفترة الأخيرة حولنا الأرشيف إلى الشكل الرقمي لأن الأفلام لها عمر افتراضي ويمكن أن تفسد مع الزمن".
أما في ما يخص الصور فإضافة إلى قيمتها الفنية فإنها تعكس الطابع العام لشكل الحياة في زمنها، فتجري الاستعانة بها أحياناً من قبل صناع الأفلام أو المسلسلات المنتجة حديثاً، وبخاصة المرتبطة بالسير الذاتية للفنانين مثل ليلى مراد وأسمهان، للتعرف على شكل الملابس وتسريحات الشعر والسمات العامة لهذه الفترة، وفقاً لبكر.
العصر الذهبي للسينما
وربما يمكن القول إنه لا يوجد نجم سينمائي منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى ما بعد الألفية لم تصادفه كاميرا محمد بكر في واحد من أعماله، ولا يضمه الأرشيف الذي يتضمن مجموعة ضخمة من الأفلام التي تعد من علامات السينما المصرية، ومن أبرزها "دعاء الكروان" و "سيدة القصر" و "معبودة الجماهير" و "المومياء" لشادي عبدالسلام، وثلاثية نجيب محفوظ وبعض أفلام إسماعيل ياسين و"باب الحديد" ليوسف شاهين ومجموعة أفلام سعاد حسني، علاوة على كثير من أفلام الجيل اللاحق مثل معظم أفلام عادل إمام وأحمد زكي ومحمود عبدالعزيز، ومن العصر الأحدث "آيسكريم في جليم" الفيلم الأشهر لعمرو دياب.
وعن هذه المجموعة يقول بكر، "كنت دائماً حريصاً على تصوير طاقم العمل وراء الكاميرات، فهم قد يكونون معروفين بأسمائهم ولكن لا يعرف الناس صورهم، ولدي صور نادرة جداً لكثير من صناع السينما، مثل توجو مزراحي ومحمد كريم وحسن الإمام، ومديري التصوير من أمثال عبدالعزيز فهمي ووحيد فريد وخورشيد، والأجانب الذين كانوا منتشرين في هذه المهنة وقتها مثل برونو سالفي وكليليو".
وتابع، "كانت السينما المصرية عظيمة، وكان المنتجون الكبار ينتقون روايات وقصصاً مميزة لكبار الكتاب لتحويلها إلى أعمال سينمائية، وكان الجمهور يقبل على مشاهدة الفيلم لأنه من إنتاج رمسيس نجيب على سبيل المثال، فيعرف أنه سيشاهد عملاً مميزاً".
ويذكر، "في الوقت نفسه أعتز بتصويري لنجوم الطرب وعلى رأسهم كوكب الشرق أم كلثوم، وكانت سيدة في منتهي الرقي وتميل إلى الفكاهة والضحك، ومحمد عبدالوهاب في أعوامه الأخيرة أثناء إصدارة أغنية ’من غير ليه‘ حين بدأ والدي معه مشواره في السينما، وصورته أنا في عمله الأخير".
وأشار إلى أن "كل فنان صوّرته كانت له شخصية وكاريزما وشيء يميزه، فكل منهم له بصمه وتاريخ طويل، ولا بد من أن تكون هناك علاقة ودية بين المصور والفنان، لأن هذا ينعكس على الصورة بشكل أساس، فكان طابع هذا الزمن الجمال والاحترام والرقي، ودائماً ما كانت العلاقة ودية بين جميع طاقم العمل".
ويكمل، "المصور لا بد من أن يسعي دائماً إلى تطوير نفسه ومواكبة الجديد، فكنت دائماً أتابع الجديد وأدخلت الكاميرات الأحدث والأصغر حجماً مما ساعد في سهولة الحركة، وأضفت تقنيات جديدة عن فترات سابقة، وكنت دائماً حريصاً على الذهاب إلى سينما شهيرة في وسط البلد للاطلاع على الصور التي كانت تعرض للأفلام الأجنبية في مدخل السينما، وذلك للتعرف على أحدث ما وصل إليه مجال التصوير الفوتوغرافي لمشاهد الأفلام".
الأرشيف السياسي
ولا يقتصر أرشيف عائلة بكر على السينما ولكنه يمتد إلى السياسة، ولا يقل الأرشيف السياسي أهمية عن السينمائي، فهذه الصور حالياً تمثل وثائق يمكن الاستناد إليها للتعرف على أحداث وأشخاص مرت بها مصر على مدى القرن الـ20.
وعن هذه أيضاً يؤكد بكر، "يمتلك والدي أرشيفاً كبيراً من الصور الخاصة بالحكام والسياسيين، فهناك مجموعات من الصور تعود للعهد الملكي لكل من الملكين فؤاد وفاروق، وهناك كثير من الصور لحقبة الثورة بعد عام 1952، فقد كان والدي صديقاً لأول رئيس مصري وهو محمد نجيب، حتى إنه هو من افتتح مقر أستوديو بكر بالجيزة عام 1953، ثم لاحقاً صورت الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في كثير من الأحداث والاستقبالات".
وتابع، "خلال فترة السبعينيات صورت الرئيس الراحل أنور السادات كثيراً في مناسبات مختلفة، إضافة إلى صورة بالزي الرسمي اعتمدت كصورة رسمية للرئيس لفترة طويلة".
وختم حديثه بقوله، "لدينا أيضاً صور لتأسيس الجامعة العربية خلال أربعينيات القرن الماضي، وأخرى لمراحل إنشاء السد العالي، وزيارات الرئيس عبدالناصر قمت بتصويرها بنفسي في ذلك الوقت في أسوان، وما أتمناه هو أن ينشأ متحف يضم مثل هذه الأرشيفات، لأنه جزء مهم من تاريخ مصر السياسي والفني، وأحد أدوات توثيق صناعة السينما في بلادنا، فهذه الصور جزء من قوة مصر الناعمة، وخلال فترات سابقة طلبت مني جهات خارجية شراء هذا الأرشيف بالكامل ورفضت الأمر بشكل قطعي، لأنه جزء من تراثنا الفني والثقافي وينبغي عدم التفريط فيه".