كأس العالم - ويلز "الأدنى رسميا".. نحو كسر درة التاج البريطاني

منذ 2 سنوات 212

"أنا شخص ويلزي. نحن لسنا الأكثر خلقا وإبداعا، ومن منا يملك هذه الميزة عادة ما ينتقل إلى خارج ويلز".

هذا رجل يدعى بول ماثيوز، وهو ويلزي كما صرح بنفسه. هو أيضا المتحدث باسم حملة "ترو ويلز"، المناهضة لحصول ويلز على حق تشريع القوانين بالكامل، نعم هو ويلزي، لكنه يرى أن بني جلدته لا يملكون ما يؤهلهم للتحكم في مصائرهم بأنفسهم.. هذا ما عثرنا عليه في موضوع يعود إلى عام 2011 بعنوان "الويلزيون أدنى.. رسميا".

هناك علاقات متشعبة ومتشابكة داخل المملكة المتحدة، فهناك إنجلترا درة تاج بريطانيا، وهناك ويلز واسكتلندا وأيرلندا، بهذه البساطة حقا، ولكنها تخفي في ثناياها الكثير، بين محاولات للتخلص من هذه السطوة، وبين التماهي التام مع شعور الدونية.

موضوعنا ليس الشعوب الآن بل كرة القدم، وبما أننا لا يمكننا الفصل بهذه السهولة بين كرة القدم والشعوب، فلنتحدث قليلا عن الشعوب ولكن من داخل كرة القدم.. لأن معاناة ويلز مع السطوة الإنجليزية سياسيا، لم تختلف كثيرا عن معاناتها كرويا.

في الواقع، الاستفتاء المشار إليه عام 2011 بشأن الحقوق التشريعية قد أتى بنتيجة إيجابية، بينما لم تحقق ويلز أمام إنجلترا على العشب الأخضر سوى تعادل وحيد في 12 مباراة.. و11 هزيمة بالطبع.

تصفيات اليورو؟ إنجلترا تنتصر. اليورو شخصيا؟ إنجلترا تنتصر. مباراة ودية؟ إنجلترا تنتصر. تصفيات كأس العالم؟ إنجلترا تنتصر كالعادة، ولكن هنا أتى التعادل الوحيد، وكان له دورا لا بأس به في فشل الإنجليز بالتأهل إلى كأس العالم 1974، لتنتزع بولندا البطاقة في ذلك الوقت من مجموعتهم الثلاثية.

الأمر يشبه قليلا محاضرة كرم مطاوع الشهيرة عن نواميس الطبقية في فيلم "المنسي"، وكيف لن يسمح نظام الكون نفسه لهؤلاء الأقل بالحصول ولو على مجرد فرصة لإفساد حياة الأعلى. حسنا، ربما لا نعلم من أعار ويلز قداحته في تلك الليلة، ولكننا نعلم أن "يوسف المنسي" قد استطاع إفساد حياة هؤلاء الكبار، ولو لليلة واحدة.

في كأس العالم، إنجلترا لا تزال درة التاج. بطل 1966 بتواجد شبه دائم في المحفل العالمي وما دون ذلك يعد فضيحة، ومهد كرة القدم في الأساس، بينما ويلز لم تكن تعرف ما هي منافسات اليورو حتى عام 2016، ولم تطأ أقدام منتخبها أرض ملعب في المونديال سوى مرة يتيمة عام 1958.

كيف؟ كما قلنا، لا يمكن فصل الشعوب عن كرة القدم. ما حققه منتخب ويلز في مجموعته الأوروبية لم يكن كافيا للتأهل، ولكن ما كان يحدث في الجانب الآخر من العالم هو ما مهد الأرض أمام حدث لم يتكرر حتى يومنا هذا في تاريخ تصفيات المونديال.

في تصفيات إفريقيا وآسيا المشتركة –نتحدث عن العام 1958 وبالكاد كان هناك شيء من الاعتراف بكرة القدم التي تمارس خارج أوروبا وأمريكا اللاتينية- والتي أسفرت عن تأهل منتخب دون أن يلعب مباراة واحدة.

كان ذلك منتخب إسرائيل، والسبب: موجة انسحابات جماعية، لا أحد أراد الاعتراف بهذه الدولة ولو حتى بمواجهتها في مباراة كرة قدم شبه محسومة النتيجة.

بالطبع كرة القدم لا تعترف بمسلمات على طول الخط، ولكن انظر لحقيقة الوضع: شبه دولة تبلغ من العمر 10 سنوات، بنيت على أرض مغتصبة، كيف برأيك سيكون منتخبها؟

لحسن الحظ لم يرض "فيفا" عن ذلك الوضع، وقرر أنه لا يمكن لمنتخب أن يتأهل دون أن يلعب مباراة تأهيلية واحدة، وبناء عليه قرر سحب قرعة لإجراء ملحق من ذهاب وإياب، وخرجت الورقة تحمل اسم ويلز، ثم خرجت النتيجة 2-0 ذهابا ومثلها إيابا.

هكذا، وللمرة الأولى والوحيدة في تاريخ كأس العالم، تأهل منتخب بعد خروجه من التصفيات الأصلية، وتأهل جميع منتخبات المملكة المتحدة معا في نسخة واحدة.

كم مضى من الوقت والأجيال؟ الكثير، منذ 1958 وحتى 1993.. 35 عاما قد مضوا، وكادت ويلز تعانق التأهل العالمي للمرة الثانية في تاريخها، ولكن الحلم أضحى كابوسا، يوم الأربعاء، السابع عشر من نوفمبر 1993.

في ملعب ويلز الوطني، كان يفترض بذلك التاريخ أن يوثق بأحرف من نور، قبل أن يتحول إلى تاريخ أسود.

قائمة مكونة من أسماء مألوفة مثل رايان جيجز وإيان راش ومارك هيوز، تخوض المباراة الأخيرة ضد رومانيا أمام 40 ألف متفرج بهدف الفوز، والنتيجة: ركلة جزاء ضائعة، وخسارة على الديار تضيع حلم المونديال، ودماء أب تسيل على يد ابنه دون سابقة إنذار.

جون هيل، رجل بريد متقاعد يبلغ من العمر 67 عاما، فقد حياته إثر اصطدام مباشر لصاروخ من الألعاب النارية بصدره، ليتوفي بين يدي ولده الذي يدعى جون أيضا.

"كرة القدم هي كرة القدم، ولكن حين يفقد شخص حياته في مباراة لكرة القدم، فذلك لا يجب تكراره أبدا".

بول بودين – اللاعب الذي أهدر ركلة الجزاء في المباراة ذاتها

(أثر المقذوف الذي قتل هيل)

مرت الأعوام، وتأهل منتخب ويلز إلى منافسات اليورو للمرة الأولى في تاريخه عام 2016، وحقق مشاركة تاريخية ببلوغه نصف النهائي، لقد أطاح ببلجيكا حتى، وفي هذا الطريق قبل الوداع على يد البرتغال لم يخسر سوى مباراة واحدة، هل تعرف أمام من؟ بالطبع.. إنجلترا في دور المجموعات.

كرر منتخب ويلز تأهله الأوروبي بمشاركة أقل بريقا، وأخيرا بعد 64 عاما من الغياب، منتخب ويلز يعود إلى كأس العالم بسيناريو معقد ومطول، ولكنه ليس أكثر غرابة من سابقه عام 1958، ولأن القدر لا يتوقف أبدا عن سخريته، ويلز ستواجه إنجلترا مرة أخرى في مجموعة الحرب العالمية رفقة الولايات المتحدة وإيران.

ليست مشكلتي

إلى أن تأهلت ويلز إلى كأس العالم للمرة الثانية في تاريخها، كان رايان جيجز هو المدير الفني رسميا، ولكنه لم يتواجد بأي مباراة طوال مسيرة التصفيات.

أسطورة مانشستر يونايتد واجه متاعب قضائية إثر اتهامه بالاعتداء على صديقته، ليتوصل مع الاتحاد الويلزي إلى صيغة تفاهمية ابتعد بمقتضاها عن المهام -وليس المنصب- في نوفمبر 2020، مع تولي مساعده روب بيدج قيادة الفريق.

افتتح الفريق الويلزي مسيرته بخسارة منطقية أمام بلجيكا، وتفوق على التشيك بفوز وتعادل، وفي الختام انتزع نقطة حيوية من بلجيكا أيضا في الجولة الأخيرة، ضمنت له مقعدا في الملحق الأوروبي.

طريق ويلز لم يتقاطع مع ملحمة مربع البرتغال وإيطاليا ومقدونيا وتركيا، حيث نال مسارا أقل وطأة مع النمسا واسكتلندا، والضحية الوحيدة التي تستحق التعاطف من منظور المجتمع الدولي: أوكرانيا.

تابع العالم مباراة أوكرانيا واسكتلندا بشيء من التعاطف، ومع فوز الطرف المعتدى عليه في الحرب الروسية بثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد، كان منتخب ويلز قد حسم مقعده في نهائي الملحق بثنائية جاريث بيل في شباك النمسا.

حرمت روسيا من خوض الملحق بسبب الحرب، وكان سيبدو عاطفيا للغاية أن تتأهل أوكرانيا رغم الحرب، ولكن ويلز كانت تعلم جيدا أن تلك الفرصة لن تأتي مجددا، فتلك لم تكن حربها على كل حال.

بهدف عكسي من أندري يارمولينكو، كتب لرفاق بيل التأهل إلى قطر في ليلة الخامس من يونيو، ليظفروا بآخر المقاعد.

تاريخ يكتب الآن

لا يوجد الكثير لنرويه. تعرفنا معا كيف تأهل منتخب ويلز إلى نسخة 1958 للمرة الأولى والوحيدة في تاريخه قبل قطر 2022.

لكن ذلك لم يمنع أنها كانت مشاركة جيدة، فعلى الرغم من 3 تعادلات في دور الجموعات أمام المجر والمكسيك (1-1) وأمام السويد البلد المضيف وطرف النهائي (0-0)، وقع التساوي بين ويلز والمجر بـ 3 نقاط لكل منهما، حين كان الفوز لا يزال يساوي نقطتين فقط.

آلية الحسم آنذاك كانت مباراة إضافية، وحقق خلالها منتخب ويلز فوزه الوحيد في تاريخ كأس العالم بنتيجة 2-1، ليتأهل إلى ربع النهائي.

المغامرة انتهت برصاصة المراهق الصاعد آنذاك: بيليه. فاز منتخب البرازيل بهذا الهدف وواصل طريقه حتى حقق أول ألقابه العالمية.

5 مباريات تساوي انتصار وحيد و3 تعادلات وهزيمة وحيدة، و4 أهداف مسجلة يقابلها 4 متلقاة، كل شيء متوازن حتى نرى ما سيحدث في النسخة القادمة.

التنين الأحمر

يلقب منتخب ويلز بالتنانين، ولذلك الأمر ارتباط تاريخي تمتد جذوره إلى أوائل القرن الخامس الميلادي.

تقول الأسطورة أن ملوك ويلز في ذلك الوقت تبنوا التنين كرمز لقوتهم وسلطتهم بعد انسحاب الرومان من بريطانيا، ومن هنا استمر ارتباط التنين تاريخيا بتاريخ ويلز.

ولكن الآن يفكر الاتحاد الويلزي لكرة القدم في تغيير اسم المنتخب، ليس لقبه، بل اسمه "ويلز"، حيث يريد تحويله إلى "كامري"، تكتب Cymru ولكن هكذا تنطق، وهو الاسم الويلزي لدولة ويلز.

وبالفعل يستخدم الاتحاد الويلزي هذا المسمى في خطاباته الداخلية والخارجية، ومن الوارد أن تتم هذه الخطوة رسميا بعد كأس العالم.

جاء في حالة طوارئ

بعد تأهل منتخب ويلز رسميا بالفوز على أوكرانيا، أعلن جيجز استقالته من منصبه كمدير فني للمنتخب، ليصبح روبرت بيدج هو المدرب الدائم، وإن كان ذلك هو الوضع بالفعل طوال التصفيات.

بيدج لم يكن لاعبا مميزا للغاية، إذ تراوحت مسيرته الكروية بين واتفورد وشيفيلد وكارديف وكوفنتري وهدرسفيلد وتشيسترفيلد، حتى اعتزل عام 2011.

بدأ الرجل مسيرته التدريبية سريعا في 2012 كمدرب لأكاديمية نادي بورت فيل، ثم ترقى ليصبح المدرب المساعد للفريق الأول تحت قيادة ميكي آدامز، ثم صار الرجل الأول في 2014، ومنه إلى نورثامبتون في 2016.

سلك بيدج مسارا مختلفا لوقت قصير، حيث صار مساعد المدرب جاري برازيل في نوتنجهام فورست لمدة لم تتجاوز شهرين، ثم اتجه إلى ويلز، حيث قاد المنتخب تحت 21 عاما، وأشرف على منتخبي تحت 19 و17 عاما أيضا لبعض الوقت.

وفي أغسطس 2019، صار الرجل مساعدا لرايان جيجز في المنتخب الأول، وهو الوضع الذي استمر إلى أن أصبح القائم بأعمال المدرب إثر قضية جيجز.

في فترته كمدرب مؤقت قاد ويلز بنجاح إلى التأهل المونديالي، ولكن في دوري الأمم الأوروبية كمدرب دائم، كان الوضع كارثيا للغاية، بـ 5 تعادلات وهزيمة وحيدة، ويهبط الفريق إلى التصنيف الثاني من مجموعة بولندا وبلجيكا وهولندا، العذر موجود وواضح بطبيعة الحال.

أبرز اللاعبين

لا يوجد من يهم أكثر من جاريث بيل بالطبع. منذ رحيله عن ريال مدريد لعب 12 مباراة في الدوري الأمريكي بقميص لوس أنجلوس مسجلا هدفين.

ربما يكون كأس العالم محطته الأخيرة أو لا، ولكن المؤكد أنه سيكون محطته الهامة الأخيرة.

الظهير الأيمن نيكو ويليامز وجد نفسه مؤخرا مع نوتنجهام فورست الصاعد حديثا للدوري الإنجليزي، بعد انتقاله من ليفربول مقابل 20 مليون يورو.

حارس مرمى المنتخب واين هينيسي يتواجد أيضا في نوتنجهام، ولكنه ليس أساسيا ولم يلعب سوى مباراة في كأس الرابطة.

في الفريق ذاته أيضا يتواجد برينان جونسون الذي يجيد اللعب على الجناحين وفي مركز الجناح الثاني، والذي سجل هدفين في 13 مباراة.

طرف هجومي آخر لا يعيش أفضل أيامه هو دانييل جيمس، الذي لم يسجل هدفا منذ انتقاله من ليدز إلى فولهام على سبيل الإعارة.

كل الطرق تمر بإنجلترا

منتخب ويلز يتواجد في المجموعة الثانية مع إنجلترا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية.

وتقام المباريات على النحو التالي:

الإثنين 21 نوفمبر: ويلز × الولايات المتحدة الأمريكية - استاد أحمد بن علي

الجمعة 25 نوفمبر: ويلز × إيران - استاد أحمد بن علي

الثلاثاء 29 نوفمبر: ويلز × إنجلترا - استاد أحمد بن علي

لم يلعب منتخب ويلز مع الولايات المتحدة خارج الإطار الودي بطبيعة الحال، بواقع مباراتين انتصر الأمريكان في إحداهما وتعادلا في الثانية.

وستشهد المجموعة المواجهة الأولى على الإطلاق بين ويلز وإيران.

في الجولة الأخيرة يلتقي الويلزيون بالإنجليز، والتاريخ معروف، ولكن السؤال عن المستقبل.

إذا تصدر منتخب ويلز مجموعته سيلاقي وصيف المجموعة الأولى (قطر - هولندا - الإكوادور -السنغال)، وإذا فاز سيلاقي الفائز من متصدر الرابعة (فرنسا - أستراليا - الدنمارك - تونس) ووصيف الثالثة (الأرجنتين - السعودية - المكسيك - بولندا).

أما إذا تأهل ثانيا، فسيلاقي متصدر المجموعة الأولى في دور الـ 16، ثم يلاقي الفائز من وصيف المجموعة الرابعة ومتصدر الثالثة.

المصادر:

Wales Online

IWA

Historic UK

The Guardian

Sky Sports