تعاني جزيرة قشم بفعل موقعها المركزي من تبعات الأوضاع الجيوسياسية، إذ يستمدّ قسم كبير من سكّانها البالغ عددهم 150 ألف نسمة مواردهم منذ قرون من المبادلات التجارية مع شبه الجزيرة العربية وجنوب آسيا وسواحل شرق إفريقيا.
يقول التاجر الإيراني محمد بازماندكان إنّ "المهمّ في الحياة أن نكون على علاقة طيّبة مع الجيران"، معلّقاً آمالا كبرى على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين بلاده ودول الخليج بعد سبع سنوات من التوتّر.
ويستورد الرجل الخمسينيّ من دبي القسم الأكبر من الأدوات الكهربائية المنزلية التي يبيعها في متجره الكبير في قشم، الجزيرة الواقعة في جنوب إيران على مضيق هرمز، الممرّ البحري الإستراتيجي في الخليج.
ويوضح التاجر أنّه "يتابع باهتمام" التقارب بين إيران والسعودية، القوتين الكبريين في الشرق الأوسط اللتين ستعيدان فتح سفارتيهما رسمياً خلال الأيام المقبلة في الرياض وطهران.
وأعلن البلدان في 10 آذار/مارس التوصّل الى اتّفاق بعد قطيعة استمرت سبع سنوات إثر مهاجمة البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران على خلفية إعدام المملكة رجل الدين الشيعي نمر النمر.
ويأمل تاجر آخر هو حسن إبراهيمي (52 عاماً) أن يتيح الانفراج في المنطقة "تحسين العلاقات مع باقي أنحاء العالم" وأن يؤدي إلى رفع العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب وعلى رأسه الولايات المتّحدة على إيران.
- تقليد التبادل -
وتعاني جزيرة قشم بفعل موقعها المركزي من تبعات الأوضاع الجيوسياسية، إذ يستمدّ قسم كبير من سكّانها البالغ عددهم 150 ألف نسمة مواردهم منذ قرون من المبادلات التجارية مع شبه الجزيرة العربية وجنوب آسيا وسواحل شرق إفريقيا.
ومن بين هؤلاء حسن رستم (62 عاما) الذي يبحر "منذ أربعين سنة" بين السواحل الإيرانية ودبي الواقعة على مسافة أقلّ من 200 كلم.
يقول الرجل الذي يملك "لنجا"، وهي سفينة خشبية تقليدية شائعة الاستخدام في مرافئ الخليج، "أحمل شتّى أنواع الخضار إلى الإمارات انطلاقا من قشم وبندر عباس".
وتراجعت حركة الملاحة بين الضفتين بعد القطيعة الدبلوماسية عام 2016، من غير أن تتوقف تماما بفعل استمرار الحركة التجارية والأعمال والتقاليد.
وقال بازماندكان إنّه حتى لو أنّ "السوق باتت أقلّ استقراراً"، فإنّ "علاقات الثقة المتبادلة، ثمرة سنوات من التعاون"، سمحت للتجار الإيرانيين والإماراتيين بمواصلة مبادلاتهم.
ويظهر ذلك من خلال تشكيلة البضائع الواسعة التي يوفّرها متجره في وسط قشم، من المراوح إلى أجهزة القهوة والغسالات من كبرى العلامات التجارية الدولية للتجهيزات الكهربائية المنزلية مثل فيليبس وتوشيبا، الآتية في غالب الأحيان من دول تفرض عقوبات على إيران.
وأوضح التاجر أنّ هذه البضائع تصل "بفضل وسطائنا الإماراتيين" مشددا على أن "90 بالمئة من المنتجات" المعروضة "قادمة من دبي".
- "الضغط النفسي" -
ويقرّ الرجل بأنّ العديدين من تجار الجزيرة كافحوا في السنوات الأخيرة "لتفادي الإفلاس"، مشيراً إلى أن "أحد المنافسين توفي إثر نوبة قلبية بسبب التقلبات اليومية في الأسعار".
وقال نور الدين تاتا الذي يملك بيت ضيافة في وسط قشم إنه "بمعزل عن التجارة، انعكس قطع العلاقات على حياتنا الخاصة أيضا".
وأوضح أنّ سكان الجزيرة عانوا "ضغطا نفسيا" بسبب صعوبات المعاملات الإدارية وحركة النقل من أجل "استقدام أو زيارة أفراد عائلتهم المقيمين" في دول الخليج.
وثمّة مئات آلاف الإيرانيين بين ملايين الأجانب المقيمين في الإمارات، بعضهم منذ عقود.
ومع التقارب الجاري، من المتوقع أن تستأنف إيران الرحلات الجوية مع دول الخليج، وأفادت السلطات أنّها تعتزم تنظيم ثلاث رحلات جوية أسبوعية بين طهران والرياض.
كما تأمل الجمهورية الإسلامية في الاستفادة من تطوير المناطق الحرة التي أقامتها منذ حوالى ثلاثين عاما من أجل اجتذاب مستثمرين وسياح أجانب إلى جنوب البلد.
وتنعم قشم بفضل جزيرة كيش السياحية الصغيرة وميناء جابهار على المحيط الهندي، بإعفاءات ضريبية وحرية في استيراد وتصدير البضائع.
وتسعى الجزيرة لاجتذاب سياح إيرانيين إلى مراكزها التجارية الضخمة بحثا عن منتجات أجنبية لا يجدونها في متاجر أخرى، من الشوكولاتة إلى الملابس ذات العلامات التجارية الفاخرة.
وقال نور الدين تاتا إنّه منذ القطيعة مع دول الخليج "لم تعد المتاجر تعرض التشكيلة ذاتها من البضائع، وتراجع عدد روّادها"، وهو يأمل على غرار العديد من سكان قشم أن يضع استئناف العلاقات مع دول الخليج الجزيرة على خارطة القبلات الرائجة في الشرق الأوسط.
اب-جر/دص/بم