غرفة النوم... تاريخ طويل من السعي نحو الخصوصية والراحة

منذ 1 سنة 155

نغرق كل ليلة بين ملاءات ناعمة على مراتب ووسائد داعمة ومريحة، ونستيقظ صباحاً على خيارات لا تنتهي من الرفاهية التي تزودنا بها تكنولوجيا اليوم، وهذه الصورة تبدو بديهية جداً في عالم اليوم، لكن الحقيقة أن غرف النوم لم تبدأ بهذا الشكل وكل هذا الترف في التفاصيل، إذ مرت بتطورات كثيرة جعلتها تحظى بتاريخ غريب بعض الشيء، فقبل أكثر من 70 ألف عام كان من السائد أن تضع رأسك كل ليلة على سرير ووسائد من الحجر أو حتى بقايا أوراق نباتية.

مواد بدائية

الصورة التقليدية لغرف النوم باتت تختصر اليوم بحجرة تحوي سريراً أو أكثر، وخزانة ملابس متعددة الطبقات وستائر وطاولات ومجموعة كبيرة من الأدوات التكنولوجية التي تعكس سنوات من التطورات الهائلة ورحلة طويلة من السعي نحو الراحة، لكن صورتها عبر التاريخ تختلف بشكل جذري، وكذلك وظيفتها وطريقة تزيينها.

الخصوصية التي تمتلكها غرف النوم اليوم، لم تطرح رسمياً قبل القرن الـ 17، فعلى سبيل المثال اعتاد الرحل القدامى النوم على العشب أو جلود الحيوانات، ووفقاً لـ "ناشيونال جيوغرافيك" فقد اكتشف علماء الآثار في "كوازولو ناتال" جنوب أفريقيا سريراً يعود تاريخه لـ 77 ألف عام، ويعد أقدم سرير معروف في العالم بمساحة كبيرة تضم جميع أفراد الأسرة، ويتكون من طبقات مواد نباتية مجمعة على شكل حصائر تحرق بشكل دوري للقضاء على الآفات، مع غطاء علوي من الأوراق لنشر رائحة طيبة، وفي الوقت نفسه توفير حماية طبيعية من الحشرات.

وفي الصين توصل علماء الآثار إلى أنه من المحتمل أن تكون فكرة تعريض الحجارة للحرارة بغرض الاستلقاء عليها واستخدمها كأسرّة طبقت منذ 7200 عام، أي خلال العصر الحجري الحديث.

غرف تاريخية

وتاريخياً استخدم المصريون القدماء الخشب والألياف في تشكيل معظم قطع أثاثهم بما في ذلك الأسرّة، إذ كان السرير القديم يشبه إلى حد كبير الحديث، لأنه كان عبارة عن هيكل مرتفع ومستطيل نحتت عليه حليات مزخرفة أشارت إلى الحال الاجتماعية لصاحبها، ويعتقد أن تكون الستائر استخدمت كستار حول الفرعون أثناء نومه، وكذلك مساند الرأس والوسائد المحشوة.

والرومان لم يحصروا الأسرّة في غرف النوم، بل استخدموها لجميع أنواع الأنشطة وجوانب الحياة مثل تناول الطعام والزواج والدراسة، وكذلك استخدمت حال الوفاة إذ كان هناك ما يسمى "سرير الموت" ويحمل صاحبه إلى المحرقة.

وخلال العصور الوسطى كان لحجرة النوم أهمية كبيرة في المجتمع، إذ كانت المكان المثالي لإدارة الأمور المهمة مثل الأعمال والتجارة والزواج، وأشار وجودها إلى المكانة والأهمية والتسلسل الهرمي المجتمعي كما صالة كبار الشخصيات الحديثة، إذ لم يدع إليها سوى الشخصيات المميزة للجلوس والنوم، وكان مجرد السماح بالحضور داخلها امتيازاً بحد ذاته، وبسبب سمة عصرهم التي غلبت عليها الحروب كان النبلاء الأثرياء يتنقلون في كثير من الأحيان ويتنقل أثاثهم معهم، كما كان ينقل إلى أفراد الأسرة و يسجل في الوصية مثل الميراث.

عصر الخصوصية

وفي القرن الـ 18 خلال الفترة الجورجية الإنجليزية حدثت نقلة كبيرة في مفهوم الخصوصية وأصبحت صفة الحياة العامة في غرف النوم شيئاً من الماضي، إذ بنيت المنازل بسلالم وممرات داخلية، وبالتالي لم يعد على الخدم المرور بسلسلة من الغرف للوصول إلى غرفة أخرى، وكان لهم مساكنهم الخاصة، كما ركبت أجراس في غرفة النوم حتى يتمكن أهل البيت من استدعاء الخدم.

وفي فترة لاحقة صعدت الطبقة الوسطى وبدأت العائلة المالكة تفقد قوتها لمصلحة البرلمان، مما انعكس على تصميم غرفة النوم، كما شهدت هذه الفترة إرهاصات الثورة الصناعية التي استمرت حتى العصر الفيكتوري، ولم تغير الطريقة التي تنتج بها الأشياء وحسب، بل غيرت طريقة تعامل الناس مع الأثاث، إذ أصبح متاحاً للانتقاء والشراء، ومن هنا بدأ النظر إليه من ناحية الوظيفة والتطبيق العملي أكثر من كونه امتيازاً تبنته وصبغت به العصور السابقة.

وبالمرور إلى القرن الـ 19 تراجعت الاستخدامات الاجتماعية لغرف النوم وتطورت الخصوصية بشكل أكبر وأصبحت اللمسات الزخرفية أكثر شيوعاً، كما تزايد التركيز على التصميم الداخلي والديكور، إضافة إلى الألوان والخامات التي حرص عليها الفيكتوريون الذين عاشوا العصر الفيكتوري في إنجلترا من أجل غرف عملية وأنيقة، ومن هنا بدأ التصميم الداخلي في الظهور بشكل منفرد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأُنتجت أسرّة معدنية قوية بالحجم الكامل مزودة بما يصل إلى 10 بطانيات، وكانت المراتب مملوءة بالقش أو الريش أو شعر الخيل، ويعتقد بعض المؤرخين أن الفيكتوريين كانوا أول من اقترح فكرة ترتيب المراتب وقلبها وتغيير أكياس الوسائد بشكل منتظم.

الثورة الصناعية

وفي السياق ذاته أثرت الاضطرابات التي أرخت بثقلها على النصف الأول من القرن الـ 20 في الأنماط المعمارية والتصميمية، وخلقت صراعاً بين الرغبة في الحفاظ على التقاليد والحاجة إلى القبول بوجود الآلات كأساس جديد للمجتمع، فالثورة الصناعية أدخلت تطورات تكنولوجية عدة إلى المنازل، كان أبسطها النوابض المعدنية، أما الكهرباء فمنحت الناس فرصة متابعة هواياتهم وأنشطتهم بعد حلول الليل.

وخلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي نشأت حركة "آرت ديكو"، وبدءاً من عام 1925 أصبحت الحرفة تعمل جنباً إلى جنب مع الصناعة، وأسهم انتشار مبادئ "حركة باوهاوس" في العودة لسريعة للمفاهيم الوظيفية والشكل النسبي والخط والملمس، وأصبحت التصاميم مرتبطة أكثر بالبساطة.

وبعد الحرب العالمية الثانية ازدهر قطاع الإسكان بعودة الجنود وارتفاع أعداد المقبلين على الزواج، مما خلق طلباً على أثاث المنزل أيضاً، وفي فترة لاحقة سمح النمو الاقتصادي للأزواج بتحمل نفقات تطبيق الرفاهية في المنازل والتركيز على الحياة داخلها.

والتغيير الأهم كان إدخال اللحاف كبديل جديد على السرير، إذ شكل هذا الإبداع الإسكندنافي رمزاً لذلك العصر الذي سمح بالتخلص من الفراش التقليدي الثقيل لمصلحة الابتكار المريح الجديد، فأصبح طلب الراحة والاسترخاء الاتجاه السائد في الستينيات والسبعينيات بعد التحرر من طبقات الفراش المتعددة.

أما فترة الثمانينيات فشهدت اتجاهاً تمثل ببداية تسلل التكنولوجيا إلى غرف النوم واستمر حتى التسعينيات.

التنوع والراحة

وبالوصول إلى غرف النوم الحديثة في الوقت الحاضر أصبحت الكماليات جزءاً منها مع عدد أكبر من المفروشات والبياضات الفاخرة، وما تتطلبه من إنفاق كثير من الوقت والجهد والمال، لتخصيصها وجعلها أكثر راحة واسترخاء وحداثة، إذ يمكن اعتبارها واحدة من أكثرها راحة بين الغرف عبر التاريخ، بما تحتويه من مناطق جلوس وأجهزة تلفزيون ومدافئ وخزائن ملابس وحمامات كبيرة وأضواء خافتة وغيرها، إضافة إلى رفاهية مواكبة العصر والاختيار بين عدد كبير من الأنماط.

والشيء الأبرز في كل ما تحمله هذه الحداثة هو أن غرف النوم لم تعد مجرد مكان للنوم، بل تحولت إلى مساحة محورية في المنزل يستخدمها الأطفال للعب والترفيه وأداء واجباتهم المدرسية، وتؤسس مسبقاً كمكان محفز للدراسة، وكذلك يستخدمها العاملون كمكتب ومساحة لحضور الاجتماعات عن بعد، بل وأصبحت مكاناً غنياً بالأجهزة الذكية حيث يسترخي الإنسان ويرى العالم من خلالها.