شعار إيراني قديم يغزو العالم

منذ 2 سنوات 253

يبدو أن الشعار المؤلف من ثلاث كلمات، «المرأة، الحياة والحرية»، الذي رفعه المتظاهرون الإيرانيون خلال الشهرين الماضيين، وجد أصداء عالمية على نحو لم يتوقعه الكثيرون. اليوم، يمكنك رؤية هذا الشعار على ملصقات عملاقة في طوكيو، وعلى حائط في محطة السكك الحديدية المركزية في أمستردام، وفي رسائل ضوئية في ريو دي جانيرو، ومكتوباً على الجدران من إندونيسيا إلى الأرجنتين.
وأقدمت مئات الآلاف من النساء من مختلف مشارب الحياة في جميع أنحاء العالم على قص شعرهن تضامناً مع المحتجات الإيرانيات. وفجأة، تركزت الأضواء العالمية على الأنوثة كحقيقة ومفهوم.
تحظى كلمة «حياة» هي الأخرى باهتمام جديد كمفهوم، لتذكيرنا بأن المهمة الحقيقية للسياسة هي السعي وراء توفير حياة أكثر إنسانية وإرضاءً للجميع.
وأبلت الكلمة الفارسية للحرية (آزادي) بلاءً حسناً، فقد تحولت إلى صيحة حرب للمحتجين ضد التمييز الديني في الهند والإجراءات القمعية من قِبل جماعة «طالبان» في أفغانستان، بل ووصل الأمر أن نشرت الكاتبة الهندية أرونداتي روي كتاباً بعنوان «آزادي» - فمن أين جاء هذا الشعار؟
أُطلق الشعار للمرة الأولى عام 1977 في ندوة استضافتها جامعة أصفهان في وسط إيران، بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لمنح حق التصويت للمرأة الإيرانية. وأثناء الجلسة الافتتاحية، أكد هوشانغ أنصاري، وزير المالية والاقتصاد آنذاك، أن القرن القادم سيشهد وصول النساء «لقمة تلو الأخرى»، بينما ستصبح الحرية «القيمة الأساسية للإنسانية».
وأثبتت الأيام صدق هذا التوقع بشكل أسرع مما توقعه أي شخص.
بحلول عام 1977، كان العالم قد شهد وصول ثلاث نساء فقط لمنصب رئيس حكومة ـ سيريمافو باندارانايكا في سيرلانكا، وغولدا مائير في إسرائيل، وأنديرا غاندي في الهند. بعد نصف قرن، تقلدت المرأة داخل أكثر من 60 دولة منصب رئيسة وزراء أو رئيسة. عام 1977، كان ثمة غياب لافت للنساء عن المناصب العليا حتى في الديمقراطيات الغربية الراسخة، بل ولم يكن لديهن حتى الحق في التصويت في سويسرا.
الملاحظ أن العقود الماضية شهدت تأنيثاً متسارعاً للسياسة في جميع أنحاء العالم. وقد حدث هذا في صفوف المسؤولين السياسيين على جميع المستويات، حتى داخل المجتمعات الأبوية التقليدية. والأهم من ذلك، أن عملية التأنيث جرت كذلك في مضمون المناقشات السياسية، وذلك مع تنحية القضايا الذكورية التقليدية مثل السعي لتحقيق المجد الوطني، واستعراض عضلات الجيش والتركيز على القانون والنظام جانباً، وفتح المجال أمام قضايا ذات طابع «أنثوي»، مثل الصحة والتعليم والتضامن الاجتماعي والاقتصادي.
دفعت عملية التأنيث محور التركيز نحو هذه «الحياة» الدنيوية باعتبارها الشغل الشاغل للسياسة. ويشكل هذا التحول تهديداً للأنظمة الاستبدادية، مثل النظام الخميني في إيران، المهووسة بالآيديولوجيا، في الوقت الذي تفشل في التعامل مع قضايا المعيشة اليومية، وبالتالي تحكم على مجتمعاتها بالفقر المدقع.
وتكشف الأرقام عن أنه من حيث القوة الشرائية المستمرة، فإن المواطن الإيراني العادي اليوم أفقر بنسبة 40 في المائة مما كان عليه عام 1977.
ومع ذلك، تكمن واحدة من المفارقات في أن المرأة الإيرانية في المتوسط اليوم أفضل تعليماً عن نظرائها الذكور مقارنة بعام 1977.
وتقدر حصة المرأة من بين 20 مليون إيراني يحملون شهادات جامعية بنحو 60 في المائة، في الوقت الذي يبلغ فيه معدل البطالة بين النساء ضعفه بين الرجال.
عام 1977، كان للمرأة حضور رمزي في مناصب مرموقة، ذلك أنه كان لدى إيران قاضية في المحكمة العليا قبل الولايات المتحدة، وكانت هناك وزيرات في مجلس الوزراء قبل بعض الديمقراطيات الغربية.
وبحلول ذلك الوقت أيضاً، كانت إيران قد عيّنت أول سفيرات لها واحتفت بأول امرأة تتقلد رتبة عميد. وكان لدى إيران ضابطات شرطة، بل وطيارات يقدن طائرات مقاتلة. كما اقتحمت النساء عالم الفنون والسينما والمسرح والأدب والإعلام بصورة مذهلة.
وعلى الرغم من استخدام النساء كرموز لطموحات النظام التقدمية وكقطع الكرز التي تزين الكعكة الوطنية، سادت التوقعات بأنهن بدأن رحلة نحو المواطنة الكاملة والمتساوية مع الرجال... إلى أن جاء الملالي ليقطعوا مسار هذه الرحلة فجأة باستيلائهم على السلطة عام 1979.
ولمح النظام الخميني إلى نيته إقامة فصل عنصري بين الجنسين من خلال تمرير قانونين يفرضان قواعد لباس صارمة على النساء. وتضمن ذلك فرض «حجاب» سياسي جديد، مستوحى من ملابس الراهبات المسيحيات، والذي صممه في البداية أتباع الإمام موسى الصدر في لبنان.
وقبل استيلاء الخميني على السلطة، ارتدت العديد من الإيرانيات طواعية مجموعة متنوعة من أغطية الرأس، يمكن رؤية 14 منها على الأقل في متحف الإثنولوجيا في طهران. أما «الحجاب» الخميني فكان بمثابة جزء من الزي السياسي، تماماً مثلما فرض لينين وماو تسي تونغ نسختيهما من غطاء القماش على الشعبين الروسي والصيني.
وحاول الملالي، لكنهم فشلوا في إلغاء العديد من الحقوق، بما في ذلك حق التصويت والترشح، التي أعطاها الشاه للمرأة. إلا أن هذا لم يمنعهم من تطبيق سياسة تهميش ضد النساء في الحياة العامة. وشهدت الجمهورية الإسلامية تعيين وزيرة واحدة في مجلس الوزراء، وست من «مساعدي الرئيس»، وسفيرتين في عواصم نائية، وأربع رئيسات بلديات، على حد علمي، في مدن صغيرة. ولم يعد يُسمح للنساء العمل قاضيات.
وعلى مدى السنوات الأربعين الماضية، دمر سوء الإدارة الاقتصادية العديد من الصناعات التي وفرت فرص عمل للنساء، ولا سيما حياكة السجاد التي كانت جوهرة التاج بالنسبة إلى الصناعات التقليدية لأكثر عن 1000 عام.
وتجلى رهاب الإناث الآيديولوجي المقنع في النظام في إنشاء، تحت حكم الرئيس محمد خاتمي، الملا «الإصلاحي»، شرطة الأخلاق، المعروفة باسم دورية الإرشاد الإسلامي، التي تنشر وحدات مسلحة من «مرشدين» ذكور وإناث للتأكد من عدم مخالفة النساء لقواعد اللباس الخميني.
في ذلك الوقت، ادعى وزير شؤون الإرشاد الإسلامي عطاء الله مهاجراني، أن القوة الشرطية الجديدة تهدف إلى «تثقيف» النساء بخصوص السلوك الإسلامي الصحيح، وليس القصد منها أن تكون أداة قمعية. ومع ذلك، فإن «المرشدين»، الذين يتلقون تدريبات قتالية، لديهم سلطة إلقاء الوعظ أو فرض غرامة أو ضرب أو القبض على النساء اللاتي يعتقدون أنهن ينتهكن قواعد اللباس.
جدير بالذكر هنا، أن موت مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاماً أثناء احتجازها من قِبل شرطة الأخلاق، كان الشرارة التي أشعلت الانتفاضة الوطنية الحالية.
ووعد محمود أحمدي نجاد، الذي خلف حجة الإسلام خاتمي في مقعد الرئاسة، بحل شرطة الأخلاق، لكنه، على ما يبدو، فشل في إقناع «المرشد الأعلى» آية الله علي خامنئي. ومع ذلك، أجبرت الانتفاضة الحالية شرطة الأخلاق على تبني سياسة أقل حدة وبعداً عن الأنظار، مع تجاهل المزيد والمزيد من النساء الحجاب الرسمي بدعم ضمني على الأقل من جانب الكثير من الرجال، إن لم يكن معظمهم.
وبذلك، يتضح أن ثلاثية «المرأة والحياة والحرية» تعبّر في جوهرها عن تطلعات الإنسانية المعاصرة حتى فيما وراء الحدود الرسمية لإيران.