بقلم: Clara Nabaa & يورونيوز
في حادثة مروعة تضاف إلى سلسلة الجرائم ضد النساء في لبنان، أقدم المواطن اللبناني خليل مسعود اليوم على قتل زوجته الإعلامية عبير رحال داخل المحكمة الشرعية ببلدة شحيم في إقليم الخروب، بينما كانا يتابعان إجراءات طلاقهما.
بعد ارتكاب الجريمة، فرّ القاتل إلى جهة مجهولة، ليعثر عليه لاحقاً جثة هامدة داخل سيارته بعد أن أطلق النار على نفسه بسلاح كان بحوزته. وقبل انتحاره، نشر مقطع فيديو عبر "فايسبوك" حاول فيه تبرير جريمته المروعة.
اتهم القاتل زوجته بالخيانة ووجه إليها سلسلة من الادعاءات التي تتعلق بسلوكها الشخصي ومهنتها، محاولاً تصوير نفسه كضحية. هذه التبريرات التي تتكرر في معظم جرائم قتل النساء، تسلط الضوء على المفهوم السائد المرتبط بـ"الشرف"، والذي يُستخدم كذريعة لتبرير العنف ضد النساء، حتى في أماكن يُفترض أن تكون ملاذاً لحقوقهن.
عبير رحال، أم لثلاثة أطفال وإعلامية تعمل في مواقع إخبارية إلكترونية، قُتلت في مكان من المفترض أن يُشكّل رمزاً للعدالة، ولكن حتى في حرم المحكمة، لم تكن عبير آمنة من العنف الذكوري الذي أودى بحياتها.
وهذه الجريمة، التي أثارت موجة من الاستنكار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ليست حادثة معزولة بل تأتي في سياق منظومة اجتماعية ترسخ هيمنة الذكور وتُضعف مكانة النساء، مما يؤدي إلى تصاعد العنف الأسري والجرائم ضد النساء.
جرائم قتل النساء في لبنان: أرقام صادمة ومسؤولية غائبة
يشهد لبنان تزايداً مقلقاً في جرائم قتل النساء، وقد أشارت منظمة "كفى" عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن عدد جرائم قتل النساء في عام 2024 بلغ 17 جريمة حتى الآن، مع احتساب جريمة قتل عبير رحال.
وفي تعليقها على الجريمة، كتبت المنظمة: "جريمة أخرى تُرتكب باسم المجتمع الذكوري والقوانين الطائفية الذكورية، التي تمنح الرجل شعوراً بأنه يملك حياة المرأة، سواء كانت زوجة أو ابنة أو أختاً أو حتى أماً، ويعطيه الحق في إنهاء حياتها متأكداً أن المجتمع الذكوري سيبرره ويصوره بطلاً".
وفي هذا السياق، علّقت علياء عواضة، الناشطة اللبنانية في مجال حقوق المرأة والمديرة التنفيذية لمنصة "نقطة - المختبر النسوي"، في مقابلة مع "يورونيوز"، قائلة: "هذا العام، شهدنا جرائم قتل ضد النساء كل شهر تقريباً. حتى خلال فترات الحرب وفي أماكن النزوح، وقعت جرائم قتل بحق النساء في لبنان".
وأضافت: "لدينا أحد أهم القوانين في العالم العربي لحماية النساء، لكن للأسف، العقلية المجتمعية التي تعزز هيمنة الرجل وتمنحه شعوراً بالسيطرة الكاملة تتيح له اللجوء إلى العنف أو القتل باعتبار النساء جزءاً من ملكيته".
وأشارت عواضة إلى أن هذه الجرائم لا يمكن فصلها عن السياق العام لارتفاع وتيرة العنف الموجه ضد النساء، موضحة أن عام 2023 شهد 29 جريمة قتل، جميعها ارتكبها الشريك أو الأقرباء مثل الزوج أو الأب أو الأخ.
وتابعت: "عدد شكاوى العنف الأسري التي تم الإبلاغ عنها يعكس عمق المشكلة. فقد تلقى الخط الساخن التابع لقوى الأمن الداخلي حوالي 800 شكوى العام الماضي. أما هذا العام، وحتى شهر أيلول، فقد بلغ عدد الشكاوى 600 شكوى، ما يشير إلى ارتفاع في حالات العنف الأسري، لكن التأخير في الأحكام القضائية وعدم محاسبة الجناة بالشكل المناسب يؤدي إلى تفاقم هذه الظاهرة".
وفي تعليقها على جريمة مقتل عبير رحال، قالت عواضة: "المفارقة الكبرى هي أن الجريمة وقعت داخل المحكمة، المكان الذي يُفترض أن يكون رمزاً للعدالة والحماية. فكرة دخول القاتل إلى قاعة المحكمة بسلاح تشير إلى غياب كامل للأمان بالنسبة للنساء في لبنان".
وأكدت عواضة أن هذه الجريمة تحمل رسالة خطيرة مفادها أن النساء في لبنان لا يجدن مكاناً آمناً، ما يدفع كثيرات منهن إلى تجنب الإبلاغ عن العنف خوفاً من العواقب. حتى اللواتي يقدمن بلاغات يتعرضن في كثير من الأحيان لمزيد من العنف نتيجة التبليغ.
واختتمت عواضة حديثها مع "يورونيوز" بالتأكيد على أن المنظومة المجتمعية والقانونية في لبنان تساهم في استمرار هذا النوع من الجرائم. وشددت على أن المطلوب بشكل عاجل هو تسريع المحاكمات وتطبيق عقوبات صارمة وعادلة تكون رادعة لمنع وقوع جرائم مشابهة في المستقبل.