سوق الطيور في أم درمان: ملتقى للجمال والأنغام

منذ 1 سنة 199

في عقود ماضية، كانت الطيور في الثقافة السودانية هدفاً مشروعاً للاصطياد بواسطة أداة محلية الصنع تسمى "الشرك" ومنها إلى مطبخ العائلة، وكذلك الأسماك النيلية، إلا أن ثقافة جديدة طرأت وجعلت من هذه الحيوانات كائنات معتنى بها لأغراض جمالية لها أسواقها الخاصة مثل السوق الناشئة في مدينة أم درمان.

تربية العصافير تبدأ كهواية وتنتهي لدى البعض مهنة تدر على أصحابها مبالغ طائلة، لكن في الواقع، دخلت هذه الثقافة بواسطة الأرستقراطية المدنية وأخذت في الانتشار. وتأسست سوق العصافير منذ ما يقارب أربعة عقود ونصف، ولا تزال تحتل مكاناً صغيراً في مدينة أم درمان، تتشكل من دكاكين تفتح على شوارع ضيقة نسبياً.

تراجع كبير 

يقول التاجر مساعد سلمان إبراهيم "تركت الوظيفة واتجهت إلى العمل في هوايتي المفضلة منذ عام 1990، تعلمت المهنة من فنانين ومثقفين أمثال كمال كيلا وعلي أبو القاسم وسيد غندور وهم من الرعيل الأول الذين ورثوا الهواية من اليونانيين، ودخلت السودان كميات كبيرة من الطيور مثل لوف بيرد الإنجليزي باللون الأخضر والأزرق، إضافة إلى الببغاوات من أستراليا وكندا وأميركا وسويسرا، وتحولت هذه الهواية إلى الموظفين الإداريين في الشركات". 

IMG-20230303-WA0020.jpg

ويضيف مساعد "تطورت السوق بشكل كبير وتضم عدداً كبيراً من الأصناف، لكنها لا تلقى أي اهتمام من قبل الدولة مقارنة بأسواق الطيور في البلدان الأخرى مثل مصر والسعودية والإمارات التي توفر العيادات البيطرية والكتب والمراجع لتوضيح كل ما يتعلق بالطيور وطريقة امتلاكها بشكل صحيح، فضلاً عن وجود جمعيات تحمي هذه المهنة وتعمل على تطويرها، نحن في السودان متأخرون عن العالم من حولنا بسبب ضعف التمويل من قبل الحكومة، بالتالي كل فرد هاو يصرف من جيبه الخاص لتطوير المهنة". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويوضح أنه يمتلك مزرعة لطيور الزينة والأسماك داخل منزله يوفر لها أجواء ملائمة مثل وضعها ليلاً في غرفة معتمة، لأن الضوء يؤثر على الطيور ويمنعها من النوم الكافي علاوة على تنظيم غذائها حتى لا تتعرض للأمراض بسبب تغير البيئة التي جاءت منها ونوع الطعام والمناخ، كما يخصص حوض مياه للأسماك حتى تتكيف مع درجة الحرارة وتجنب انخفاض مستويات الأكسجين في الماء".

استيراد وتصدير 

في المقابل، بات محمد سيف الدين جزءاً من تاريخ سوق الطيور ومزاجها. ويرى أن "أبرزها الأسترالية والأفريقية والأميركية، لكن الأكثر طلباً الأسترالي الأصل (البادجو والبلدي والبامبي)، وهذه الأصناف تأقلمت على الأجواء في السودان، وتعتبر الجنة والجوخ والنساج والهويدة، من أجمل طيور الزينة من ناحية الشكل والألوان وهي مرغوبة في التصدير للخارج". 

IMG-20230303-WA0025.jpg

ويشير إلى أن رواد السوق من جميع أطياف المجتمع والأعمار إضافة إلى الأجانب من الجنسيات المختلفة بخاصة الأوروبيون والآسيويون من أجل التصدير إلى دول خارج البلاد. وتتم حركة البيع بالجنيه السوداني للمواطنين وللأجانب بالعملة الصعبة، لكن بشكل عام هناك ضعف في القوة الشرائية نظراً إلى الظروف الاقتصادية في الوقت الراهن.

وللحياة البرية بولاية الخرطوم دور كبير في استيراد الطيور ومد السوق بها وتصدير أخرى بحسب الطلب، ويفضل الأجانب الطيور السودانية مثل الدرة الأفريقية والماير والويفر بكل أنواعها. 

ويوضح سيف الدين "نحن نستورد العصافير من الدول العربية وبلجيكا وهولندا، من إيجابيات هذه السوق أنها وفرت فرص عمل لصناع الأقفاص والمكملات الغذائية مثل الكالسيوم للعظام لأن بعض الطيور تعاني نقص وضعف قشور البيض ونمو الريش". 

بلدية وأجنبية

في المقابل، يذهب سيف الدين إلى أن السوق تباع فيها أنواع مختلفة من العصافير البلدية والأجنبية وأشهرها على الإطلاق هو الكناري الذي يقسم لأنواع كثيرة، مثل" دبل فاكتر"، "كويرات"، "باندي"، "هيراكل"، و"السلاموني"، إضافة إلى "طائر الحب"، والوروار الصغير الأخضر الجميل والكناري والمكاو الأميركي الذي يصل سعر الجوز منه إلى 500 دولار".

أشعار وأغنيات 

دخلت الطيور والعصافير ثنايا الأغنيات السودانية من أوسع الأبواب بوصفها رسولاً وناقلاً للأخبار خصوصاً للأحبة، ومن أشهرها الطير المهاجر "بالله يا طير قبل ما تشرب تمر على بيت صغير... تلقى الحبيبة بتشتغل منديل حرير... لحبيب بعيد... تنزل لديها... وتبوس ايديها... وتنقل إليها، سلامي ليها وحبي الأكيد".

واتخذ الشعراء الطائر مثالاً للوفاء وجعلوا منه ناقلاً أميناً لعواطفهم، فكتب الشاعر حسين بازرعة "كل طائر مرتحل عبر البحر حملتو أشواقي الدفيقة"، إضافة إلى رائعة الفنان النور الجيلاني "أصلو يا عصفور دا حالك من يوم ما سويتلك جناح"، وقصيدة الراحل عبدالمنعم عبدالحي التي غناها سيد خليفة "ابني عشك يا قماري قشة قشة... وعلمينا كيف على الحب دارنا ينشا"، وغيرها من درر الأغنيات.

اهتمام متعاظم 

يقول أستاذ علم الطيور في إحدى الجامعات السودانية محمد المكي علي البدوي إن "طيور وأسماك الزينة، لاقت اهتماماً كبيراً في السودان وباتت لها أسواق ومشترون ومبرون تحت عناية ورعاية لحساسيتها وقابليتها للأمراض، لذلك يتم الاهتمام بالنظافة والغذاء والرعاية الصحية والأمصال للتطعيم وتستخدم بعض العناصر الغذائية المحلية كالحبوب والفواكه والخضراوات، في حين تخضع تجارة طيور الزينة لقانون الحياة البرية وبخاصة الأنواع المستوردة والنادرة وفقاً للاتفاقية الدولية للتجارة بالأنواع الخطرة (سايتس)، وأشهر أنواع الطيور التي تربى للزينة الجنة والباركيت والبادجي وطائر الحب والكوكاتيل والبركدلو والماكاو والحمام الرقاص". 

IMG-20230303-WA0024.jpg

ويبين البدوي أن "تربية طيور الزينة والأسماك ليست من الأمور الصعبة وتعتبر أحد المشاريع الصغيرة لزيادة الدخل ولا تكلف رأس مال كبير في البداية، لكنها تحتاج لبعض التدريب لاكتساب الخبرة والمهارة اللازمة". 

تبادل الخبرات 

تزايد الاهتمام بالطيور، دفع الجمعية السودانية لهواة الزينة لإقامة معرض في العاصمة الخرطوم للتعريف بأنواع الطيور وكيفية الاعتناء بها وكافة الإرشادات الخاصة بتربيتها.

ووجد الهواة في ملتقاهم مساحة لتبادل الخبرات في مجال طيور الزينة والأسماك وإقامة مسابقة لأفضل مربي عصافير، كما شكل المعرض متنفساً للرواد وسط أصوات الطيور وشدوها والتأمل فيها.

منذ أكثر من 20 سنة وأحمد إبراهيم حسين مولع بتربية طيور الزينة وجمع الأنواع النادرة منها، فالعصافير تزين جنبات منزله بألوانها الزاهية وأصواتها المغردة، يطعمها ويتفقدها بنفسه، تغمره السعادة كلما فرخت له طيور جديدة، كما قام بنقل التجربة لأطفاله الذين يشاطرونه الاهتمام بها، خصوصاً وأنها تمثل مصدر دخل لكثير من الأسر الفقيرة.

يعتقد حسين أن تربية وتسويق واقتناء العصافير أمر يعكس أسلوباً للذوق الرفيع لم تشهده وتعهده الحياة السودانية التقليدية، خصوصاً عندما تستورد أنواعاً من الطيور من دول بعيدة مثل أستراليا.