سلام العالم صار يمر في السعودية!

منذ 2 سنوات 270

هو أحد أشهر إعلاميي بريطانيا. عُرف بمعاداته للأنظمة الشمولية الديكتاتورية التي حاولت أن تغريه بشتى الوسائل ليكف عن انتقاداته اللاذعة التي يقرأها الناس ويسمعها أهل القرار. تحادثنا بعد عودته من زيارة عمل قام بها إلى الإمارات العربية المتحدة وإلى المملكة العربية السعودية؛ حيث يقوم بالتحضير لوثائقي لإحدى شبكات التلفزيون الأميركية، موضوعه طريق الحرير. قال إن ما رآه في السعودية غيّر الكثير من مفاهيمه السياسية. فالمكان ليس كما عرفه في نهاية التسعينات والتغيير ليس بالشكل والقشور، بل في صميم المجتمع الذي انقلبت مفاهيمه للأمور وتغيرت أنماط حياته وأفكاره وتصرفاته وحصل هذا بطريقة هادئة سلمية سلسة. يقول إنه لم يعتقد يوماً أن التغيير الجذري يمكن أن يتم عن طريق نظام ملكي حاكم، فالتاريخ يعلمنا أن هكذا تغيير يحصل بأدوات عنيفة، وقال إن السعودية غيّرت اعتقاده. ويكمل أن «النظام الملكي أعاد هيكلة الدولة عن طريق أمير شاب ذكي وشجاع وجريء أحاط نفسه بمجموعة من الخبراء والمستشارين وخطط مع فريقه لخريطة طريق لمائة سنة مقبلة، وهو يعمل على تنفيذها بلا كلل أو ملل. تجدر الإشارة إلى أن هذا الإعلامي لم يكن في زيارة للمملكة بدعوة رسمية ولم يلتقِ أي مسؤول فيها وأخبرني أن مدير أعماله حصل على تأشيرة دخوله بواسطة الإنترنت من دون دعوة أو كفالة من أحد.
الغالبية العظمى من الشعب السعودي تؤيد ما يحصل في بلدهم، خاصة الشباب الذين يكنون محبة واعتباراً كبيرين لولي العهد الأمير محمد بن سلمان لما أنجزه وما هو مقبل عليه من إنجازات. وما تم داخلياً ترافق مع تغيير في العلاقات الدولية السعودية. فالمملكة التي كانت قوة إقليمية مهمة سابقاً أضحت طامحة وتعمل لكي تكون في مصاف دول العالم الأول، متجاوزة الإقليم من حيث التأثير على مجريات الأحداث العالمية. فبقدراتها الهائلة واستقرارها الداخلي، تتعامل السعودية بندية مع الدول الكبرى وتحظى باحترامها لسياساتها المتوازنة بما في ذلك علاقاتها مع دول كبرى متصارعة فيما بينها، لتصبح السعودية مرجعاً وحَكَماً نزيهاً وموثوقاً. لديها علاقة عضوية مع الولايات المتحدة ممتدة على ما يقرب المائة عام، إلا أن الدولة الأقوى في العالم لم تستطع أن تضغط على السعودية لزيادة إنتاج النفط تعويضاً عن النفط الروسي لأنه ليس في هذا أي مصلحة للمملكة. وقد جاء الرد السعودي مباشراً في قمة جدة، حين قال الأمير محمد للرئيس الأميركي جو بايدن بكثير من الصراحة إن قرار زيادة الإنتاج يعود إلى «أوبك بلس»، وليس إلى المملكة وحدها وإذا رغبت الولايات المتحدة في التعويض عن توقف النفط الروسي فباستطاعتها أن تفعل هذا من احتياطها وهو الأكبر في العالم. وقد صُعق الذين يدّعون أن السعودية تأتمر من الأميركي بهذا الموقف الذي أسكت أبواقهم من إعلام وذباب إلكتروني صدحت أصواته بادعاء أن السعودية اعترفت بدولة إسرائيل تلبية لمسعى بايدن في قمة جدة، وعندما تبين أن ادعاءهم كان مجرد كذب انتقلوا إلى أكاذيب أخرى ومنها تبريرات لاتفاقية ترسيم حدود لبنان المائية مع إسرائيل. طبعاً في هذه الحالة فتش عن إيران وأذرعها.
سياسة المصالح هذه مارستها السعودية مع روسيا. فالمملكة عارضت اجتياح أوكرانيا بشدة ودعت إلى انسحاب روسيا الفوري غير المشروط. وفي الوقت ذاته عقدت اتفاقات لشراء الخام الروسي بأسعار مخفضة لتكريره وبيعه في الأسواق العالمية. إن العلاقة الروسية - السعودية المتوازنة والجيدة كانت حافزاً لطلب بريطاني من المملكة للتوسط بإطلاق مواطنين بريطانيين ألقي القبض عليهم وهم يقاتلون إلى جانب الأوكرانيين، وقد تم تسليمهم ونقلوا إلى الرياض ومنها إلى لندن ليعودوا إلى عائلاتهم في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
أما عملاق آسيا بل العالم، أي الصين فلقد تم الاتفاق بين الرئيس الصيني شي جينبينغ وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أثناء زيارة قام بها الرئيس شي إلى الرياض في فبراير (شباط) 2019 على تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين وقد بلغ حجم التبادل في سبتمبر (أيلول) 2022 مبلغ 9.2 مليار دولار بفائض 3.4 مليار لصالح السعودية. وفي مكالمة هاتفية بين الرئيس الصيني وولي العهد في 15 أبريل (نيسان) 2022 تم الاتفاق على تعزيز التعاون بين البلدين لمعالجة الأزمات الخطيرة التي تعصف في أماكن متعددة من العالم. ويقول مصدر أمني غربي إن العالم سيتطلع نحو السعودية للتحكيم في حال تطورت الأزمة الصينية التايوانية التي يمكن أن تتواجه فيها الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة، مع العلم أن الرئيسين الأميركي والصيني التقيا في بالي قبل قمة الدول الصناعية العشرين وأبلغنا بايدن أن لا حرب باردة بين الدولتين، لأن «أميركا هي القوة الأولى والوحيدة في العالم». وتجدر الإشارة إلى أن من شاركوا في القمة تطلعوا إلى لقاء بايدن لأنه رئيس الولايات المتحدة، بينما تطلعوا إلى لقاء الأمير محمد بن سلمان لأنه ولي عهد السعودية، ولأنهم «أرادوا أن يتعرفوا على هذا الأمير الشاب الذي من أول تسلمه المسؤولية بدأ يضع بصماته بشكل مبهر».
هناك جولة آسيوية يقوم بها ولي العهد السعودي بعد قمة بالي، وتبدأ في إندونيسيا ولا تُنقص من قدر باكستان، خصوصاً أن السعودية وافقت على استثمارات قيمتها 9 مليارات دولار تضاف إلى مليار دولار كان أمر بها الملك سلمان بن عبد العزيز في شهر أغسطس (آب) الماضي لمساعدة الاقتصاد الباكستاني. ولا يختلف اثنان على مدى تأثير المملكة على سياسة باكستان تاريخياً وفي مختلف الميادين ولدى جميع الأحزاب. والمال ليس العنصر الأوحد هنا، فالسعودية بالنسبة إلى باكستان هي مرقد خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وسلم)، وفيها الكعبة المشرفة والولاء لها واجب مقدس وهذا ما يدركه جيداً ولي العهد السعودي.
ولم تفسد العلاقة السعودية المميزة مع باكستان بسبب الوضع الباكستاني والعلاقة مع الهند، فصادرات السعودية إلى الهند بلغت 25.1 مليار دولار عام 2018، وفي منتصف 2022 أصبحت الصادرات تفوق 35 مليار دولار مقابل 7.8 مليار دولار صادرات الهند إلى السعودية.
هذا غيض من فيض والواضح أن السعودية تجلس مع الكبار في هذا العالم في الوقت الذي تعالج فيه مشكلات الإقليم بروية وواقعية وتتعالى عن الصغائر والتفاهات التي هي مضيعة لمصالح الشعوب...
والمعروف على مدى العقد الماضي، محاولة إيران تأجيج الصراع بينها وبين السعودية، كي تهيمن على الشرق الأوسط في كل قضية إقليمية تقريباً، ما أدى إلى كسر التحالفات الدولية واستمرار الحروب في جميع أنحاء المنطقة، إلى درجة إثارة المخاوف من حدوث صراع مباشر بين القوتين يمكن أن يدفع إلى إشراك الولايات المتحدة. ورغم المشكلات الداخلية بين الشعب والنظام في إيران فإن الأخيرة قررت مع انتهاء وقف إطلاق النار الأخير، أن تستمر الحرب الأهلية في اليمن وهي تتحمل المسؤولية في تأجيج واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. كما أنها تدخلت في الحرب الأهلية السورية التي دامت 11 عاماً. الآن سوريا في مرحلة نهائية ممتدة، على الرغم من أنها أقل دموية، فإنها تظل متقلبة إلى حد ما. والملاحظ أن واشنطن أوقفت ادعاءها للرياض بأنها وراء ما يحصل في اليمن. رغم أنه كما ذكرتُ أن قرار مجموعة «أوبك بلس» للدول المنتجة للنفط في الخامس من أكتوبر خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً أدى إلى حدوث حلقة أخرى من الاحتكاك في العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. كانت ردة فعل بايدن التهديد بـ«عواقب» غير محددة.
وقد رد السعوديون، أنهم اتخذوا قرارهم على أسس اقتصادية بالتشاور مع أعضاء «أوبك بلس» الآخرين وتفاجأوا برد الفعل السلبي للولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن المسؤولين السعوديين والمتعاطفين معهم يجادلون بأن الأمر كله مجرد سوء فهم، تفيد التقارير بأن الرياض تفكر في ردود فعل خاصة بها إذا اضطرت أو دفعت إلى ذلك، بما فيها بيع ممتلكاتها من سندات الخزانة الأميركية، في حالة قيام الولايات المتحدة بسن أي إجراءات تجاه المملكة.
لكن هذا الخلاف الأخير ليس مجرد خلاف على أسعار النفط بين واشنطن والرياض. إنه انقسام أكثر جوهرية بين واشنطن ومعظم شركائها الأمنيين في الشرق الأوسط حول ما هو على المحك في الحرب في أوكرانيا، وعلى نطاق أوسع كيف يرى كل جانب الخريطة الجيوسياسية الحالية.
مثلاً عزز عدم وجود رد أميركي على الهجمات المدعومة من إيران على المنشآت النفطية في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من عدم اليقين بشأن موثوقية الضمانات الأمنية الأميركية.
كذلك أدى ازدهار النفط الصخري في الولايات المتحدة - مما جعل الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط والغاز الطبيعي في العالم - إلى زيادة الاحتكاك مع كل الدول المنتجة للنفط. في الواقع، كانت صادرات النفط الأميركية المتزايدة التي قللت من حصة «أوبك» في سوق النفط العالمية أحد الأسباب التي دفعت السعوديين إلى الاتفاق مع روسيا لتشكيل مجموعة «أوبك بلس» في عام 2016، بهدف التحكم بشكل أفضل في أسعار النفط العالمية.
من وجهة نظر المسؤولين الأميركيين والعديد من المحللين السياسيين، رأوا استخدام الحرب في أوكرانيا وقرروا أنها تُظهر بوضوح من هو على الجانب الصحيح وتُظهر أنه من المفيد أن تكون حليفاً للولايات المتحدة. واختصر محلل أميركي موقف بلاده بقوله: إن هذه الحرب بسيطة بقدر ما تبدو، إنها الأخيار ضد الأشرار، والأشخاص الطيبون هم الفائزون. وكانت السعودية أول من أكد هذا الأمر بإدانتها الشديدة للاجتياح الروسي لأوكرانيا.