أشعلت صور طفلة بريطانية في عمر سبع سنوات مواقع التواصل الاجتماعي بسبب بنيتها الجسدية القوية وعضلاتها البارزة في منطقة البطن، فبدا لافتاً أن تتمتع طفلة في هذه السن الصغيرة ببنية كهذه، كما أن عضلات البطن غير مألوفة لدى طفل في هذه السن.
اعتقد كثر أن الصور معدلة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، لكن سرعان ما تبين أنها حقيقية، وأن الطفلة تواظب على التدريب بمعدل ست ساعات في اليوم حتى تمكنت من تحقيق هذه النتيجة، وذلك منذ أن كانت في عمر السنوات الثلاث، وفق ما أوضحت والدتها في إحدى المقابلات.
أثارت صور الطفلة الدهشة مع انتشارها، واعتبرها كثر ظاهرة غير مسبوقة، بما أن رياضة رفع الأثقال وبناء العضلات لا تعد آمنة للأطفال، فهل من أخطار فعلية وراء رفع الأوزان للأطفال في سن مبكرة؟
فوائد الرياضة
الكل يعلم أن للرياضة فوائد لا تعد ولا تحصى للأطفال، وفي مختلف أنحاء العالم يشجع الأهل الأطفال على ممارسة الأنشطة الرياضية، خصوصاً أن مشاركتهم فيها تساعد على تطوير المهارات الجسدية لديهم وتقوية العضلات، وتقلل من خطر تعرضهم للإصابات، إضافة إلى آثارها الإيجابية على الصحة النفسية للطفل من خلال ما تقدمه له من متعة، ومن فرص لبناء صداقات وعلاقات اجتماعية، لكن المقصود بالرياضة هنا الأنشطة الرياضية والتمارين المناسبة للأطفال بحسب الفئة العمرية، ولا يقصد بذلك حتماً تمارين رفع الأوزان وبناء العضلات التي كثيراً ما كانت ممنوعة للأطفال في سن مبكرة، لاعتبار أنها قد تسبب الأذى وتؤدي إلى إصابات، كما ساد اعتقاد بأنها تؤثر سلباً في نمو الأطفال.
صحح مدرب الرياضة مروان غصوب هذا الاعتقاد السائد، مؤكداً أن حصر رياضة رفع الأوزان بمن تخطوا سن 16 سنة فكرة تعود إلى مدرسة تقليدية، ولم تعد تطبق حالياً، إذ أثبتت الدراسات الحديثة عدم وجود مشكلة في ممارسة الأطفال من سن سبع أو ثماني سنوات، هذا النوع من الرياضات، فعندها يكتمل حس التوازن لدى الطفل يصبح قادراً على إتمام الحركة بالصورة الصحيحة.
وتابع غصوب "تختلف الرياضات التي قد يمارسها الطفل في عمر ست سنوات، أو أقل، وقد تعتمد على الركض أو رياضة كرة القدم مثلاً، لكن من عمر ثماني سنوات يمكن أن يبدأ ممارسة رياضة بناء العضلات، وفق شروط معينة، وبتوجيه من مدرب رياضي في محيط آمن".
في الوقت نفسه تفصل الدراسات بين تمارين القوة التي يمكن إنجازها بالأوزان المتوسطة والخفيفة، وتمارين رفع الأوزان التي تستخدم فيها الأوزان الثقيلة في مباريات رفع الأثقال، وهي بالطبع غير محبذة للأطفال، وفق غصوب.
مسموح بشروط
يؤكد المدافعون عن هذا النوع من الرياضات للأطفال أن الطفل عرضة للإصابات أياً كان نوع الرياضة التي يمارسها، في المقابل، أي رياضة يواظب عليها الطفل أو البالغ بالصورة الصحيحة لا تشكل خطراً عليه، وينطبق ذلك على برنامج تقوية العضلات، لذلك من المهم أن تجرى بإشراف مدرب رياضي متمرس ومتخصص.
وأضاف المدرب الرياضي "يمكن لتمارين تقوية العضلات التي يمارسها الطفل أن تحدث تغييراً في بنيته، وتسهم في بروز عضلاته تماماً كما بالنسبة إلى البالغين، لكن لا بد من التوضيح أن تمارين تقوية العضلات التي تعتمد فيها الأوزان نفسها تسهم في زيادة القدرة على التحمل، وقوة العضلات، ولها فوائد الرياضة عامة على الصحة، دون أن تؤدي إلى تكبير العضلات، في المقابل، في حال زيادة الأوزان واتباع نظام غذائي معين يحوي نسبة عالية من البروتينات، يمكن تكبير العضلات في أية فئة عمرية، إذ ينطبق ذلك على الكل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب مروان غصوب، فإن التوصيات الخاصة بالأطفال الذين يمارسون الرياضة تبدو مشابهة لتلك التي للبالغين، لأنه من المفترض أن تبدأ التمارين بالتحمية، وأن تنتهي بالتبريد، تجنباً لتعرض الطفل إلى إصابات، أياً كان نوع الرياضة التي يمارسها، ومن ضمنها تمارين تقوية العضلات، فيما تكون الأوزان التي يرفعها الطفل مناسبة لسنة ولإمكاناته الجسدية وبنيته، ويزيدها تدريجاً مع تطور إمكاناته، وإلا فيمكن أن يزيد الخطر عليه ويتعرض للإصابات.
بهذه الطريقة يستفيد الأطفال من نواحٍ عديدة من ممارسة تمارين تقوية العضلات ورفع الأوزان، خصوصاً مع الارتفاع الكبير في معدلات السمنة في مختلف دول العالم، وبعد أن أصبح الركود يغلب على نمط الحياة، فقد تبين أن البدء بممارسة هذا النوع من التمارين من سن مبكرة إيجابي أفضل من الانتظار حتى ينمو الطفل ويصاب بالسمنة.
ومن أبرز الفوائد التي يحصل عليها الطفل الذي يمارس تمارين رفع الأوزان بالصورة الصحيحة، تقوية العضلات وحماية المفاصل وضبط مستويات ضغط الدم والكوليسترول، وكذلك زيادة الإمكانات الجسدية وتأمين الجهوزية للجسم وتقوية العظام، إضافة إلى فوائدها على الصحة النفسية، حيث تسهم في زيادة الثقة بالنفس لديه والانضباط، والحس بالمسؤولية.
وتبين أن الأطفال الذي يمارسون تمارين تقوية العضلات، يكتسبون تدريجاً قدرة كبرى على التحمل جسدياً، مما يزيدهم كفاءة في مختلفة الأنشطة الرياضية التي يمارسونها، فهؤلاء يتقدمون على غيرهم في هذا المجال لجهوزيتهم وبنيتهم الجسدية الأكثر استعداداً للمباريات الرياضة.
وتدعو التوصيات الأميركية المدارس حالياً إلى ممارسة النشاط الجسدي لمدة ساعة يومياً، على أن يمارس الأطفال تمارين رفع الأوزان ثلاث مرات في الأسبوع من ضمنها، إنما يبقى الأهم عدم تخطي إمكانات الطفل وزيادة الأوزان تدريجاً مع زيادة إمكاناته، حتى لا يتأثر نموه سلباً.
التوازن أهم المعايير
ما تؤكده أيضاً مدربة الرياضة مايا نصار أن الرياضات بأنواعها مفيدة للأطفال بشرط ممارستها بالطرق الصحيحة، وبإشراف مدرب متخصص في الرياضة للأطفال، لكن يمكن لمراهق مثلاً أن يقوم بتمارين خاطئة في رفع الأوزان مما يسبب له إصابات في ظل غياب التوجيه من متخصص، فلا تكون المشكلة في الرياضة بحد ذاتها، مشيرة إلى أن هناك تشديداً على أهمية ممارسة الأطفال تمارين تقوية العضلات للاستفادة من آثارها الإيجابية، شرط اعتماد الأوزان الخفيفة، حتى إنها تسهم في تحسين نتائج الطفل المدرسية، وقدرته على التركيز والانضباط.
وأكدت نصار أن الاعتقاد أن هذا النوع من الرياضات يشكل خطراً على الأطفال ويؤثر سلباً في نموهم، فأصبح من الماضي ويعتبر خاطئاً حالياً، لذلك ينصح بوضع برنامج مدروس خاص بكل طفل بحسب سنه وبنيته الجسدية وإمكاناته لتحقيق استفادة قصوى وآمنة يتجنب فيها الإصابات، متابعة "يمكن أن يستفيد الطفل من تمارين تقوية العضلات في كافة الرياضات التي يمارسها والأنشطة، كونها تزيد إمكاناته الجسدية وتقوي بنيته، وتحد من خطر تعرضه لإصابات أثناء ممارستها.
في المقابل، لا يعد التدريب اليومي ضرورياً للأطفال، وفق ما توضحه نصار. ففي كل الحالات، إذا كانت نسبة الدهون في جسمه منخفضة، من الطبيعي أن تبرز العضلات في مختلف مواضع الجسم لدى ممارسته رياضة بناء العضلات، ولو اعتمدت الأوزان الخفيفة، أو حتى دون أوزان أيضاً، ويحصل ذلك، في حال اتباع نظام غذائي قليل الدهون والسكريات، أما الأوزان الثقيلة فيظهر أثرها في عضلات الجسم بصورة مختلفة، وليس من المتوقع أن تظهر العضلات في حال عدم اتباع النظام الغذائي الصحيح وخفض معدلات الدهون في الجسم، ولو في حال ممارسة التمارين يومياً، وفق المدربة الرياضية.
وقالت نصار "لا بد من التشديد على ضرورة عدم المبالغة في التدريب الرياضي للطفل، والحرص على فترات الراحة في يومين في الأسبوع، لأن المبالغة في ممارسة الرياضة هي ما يعرضه لإصابات كثيرة في العضلات والمفاصل والتعب، كما يحصل ذلك إذا كان يمارس تمارين تفوق قدراته الجسدية، أو يحمل أوزاناً ثقيلة وجسمه غير جاهز بعد لذلك، ومن الأفضل البدء بالأوزان الخفيفة للطفل وزيادتها تدريجاً مع زيادة جهوزية الجسم". وفي حال التوازن في ممارسة الرياضة، ليس هناك خطر على الطفل وعلى سلامته ولا على نموه، ولن يتعرض لإصابات، أياً كان نوع الرياضة التي يمارسها.