دراسة: أجسام صغار القامة قد تحمل مفتاحًا للأمراض المزمنة

منذ 6 أشهر 105

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- بأحد مطاعم مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، حيث تعمل ناتالي باولا كاسترو توريس، لا يكفّ الزبائن عن التعليق بشأن قُصر قامتها.

وقالت توريس البالغة من العمر 42 عاماً: "الناس يحدّقون بي كثيراً، ويطلقون التعليقات أو النكات (عني). في كثير من الأحيان (يلتقطون) لي صورًا ولا أحب ذلك. أنا أشعر بالسوء".

وبطول يبلغ 127 سنتيمترا، تُعتبر توريس "قصيرة القامة"، ولم تعتد على مثل ردود الفعل تلك. 

وأثناء نشأتها في مدينة كيتو بالإكوادور، نادرًا ما التفت الناس لطولها، حيث شعرت باحتضان مجتمعها لها، واعتبرت حجمها بمثابة ميزة.

وأضافت: "أنا أعتبر نفسي محظوظة لأن جسمي يُحميني من الأمراض التي تصيب الآخرين كل يوم. وهذا الطول، رغم كونه مقيدًا، إلا أنه أيضًا نعمة".

وتعاني توريس من اضطراب نادر يُسمى متلازمة لارون، وهو ناجم عن طفرة جينية. ورغم أنه يعيق نموها إلا أنه يوفر ميزة مخفية، إذ أن جسمها محمي من الأمراض المزمنة مثل السرطان وغيره من الأمراض.

من جانبه، قال فالتر لونغو، وهو أستاذ علم الشيخوخة والعلوم البيولوجية بجامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس: "أتساءل ماذا سيقول الأشخاص الذين يسخرون من ناتالي، إذا عرفوا أنها تعيش في جسم قد يوفر يومًا ما معلومات حول كيفية عيش حياة أطول خالية من الأمراض".

وأوضح لونغو، الذي درس متلازمة لارون منذ نحو 20 عاما، أن الدراسات أظهرت "أن الأشخاص الذين يعانون من لارون لديهم معدلات منخفضة للغاية لاحتمال الإصابة بالسرطان، والسكري، والتدهور المعرفي". 

وأضاف أن "فحوصات الدماغ أظهرت أن لديهم أدمغة أكثر شباباً، أي ما يعادل شخصًا أصغر بـ 20 عامًا". 

وتابع:"لم أر حتى الآن حالة من مرض الزهايمر لدى هذه الفئة من الأشخاص".

وبحسب دراسة جديدة نُشرت الجمعة في دورية Med، فإن توريس وغيرها من الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة قد يكون لديهم أيضا حماية من أمراض القلب، حسبما ذكره لونغو.

وأضاف لونغو، الذي شارك في أحدث الأبحاث: "هذا لا يعني أن لديهم حصانة ضد هذه الأمراض، ولكن من المؤكد أن الأشخاص المصابين بمتلازمة لارون يتمتعون بحماية كبيرة. هذا يظهر مدى قوة هذه الطفرة".

وقال لونغو إنه قد يكون هناك اليوم ما بين 350 إلى 500 شخص مصاب بمتلازمة لارون في الولايات المتحدة، والإكوادور، وإسرائيل، وكرواتيا وأيرلندا، ودول أوروبية أخرى.

وفي عام 1987، اكتشف الدكتور خايمي جيفارا أغيري، الذي كان حينها طبيبًا شابًا، مجموعة من حوالي 100 شخص يعانون من متلازمة لارون منتشرين بالمدن الريفية في الإكوادور.

ويحمل جميع هؤلاء الأشخاص طفرة في جين مستقبلات هرمون النمو البشري، وفقًا لما ذكره بحث جيفارا أغيري.

ويمنع هذا الخلل الوراثي قدرة الجسم على استخدام عامل النمو الشبيه بالإنسولين، أو IGF-1، وهو هرمون يتكوّن بشكل أساسي في الكبد. ويعمل هرمون النمو وIGF-1 معًا لتعزيز النمو الطبيعي للعظام والأنسجة، لذا فإن العجز يعيق النمو.

بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من لارون، يُوجد لديهم هرمون IGF-1 في أنسجتهم، حيث يمكن استخدامه للمساعدة في شفاء الجروح ووظائف أخرى بالجسم.

ومع ذلك، على عكس غالبيتنا، فإن هؤلاء الأشخاص لديهم القليل من الهرمون المنتشر في مجرى الدم، حيث يسبب الفوضى، ويساهم في الشيخوخة.

لحسن الحظ، فإن نقص IGF-1 المنتشر يمنع أيضًا النمو غير المنضبط للخلايا السرطانية ويخلق حساسية إضافية للإنسولين الذي يحمي من مرض السكري.

في عام 2005، تواصل جيفارا أغيري مع لونغو، الذي كان يدرس طفرة مماثلة في خلايا الخميرة ما أدى إلى إطالة وجودها.

وقال لونغو: "بالإضافة إلى خلايا الخميرة، تعيش الديدان، والذباب، والفئران ذات الطفرات المماثلة حياة طويلة بشكل غير عادي". 

وأشار لونغو إلى أن الفئران التي لديها الطفرة ذاتها التي يدرسها في البشر تحمل الرقم القياسي في طول العمر، إذ أنها تعيش أطول بنسبة 40% مقارنة بالفئران التي لا تملك الطفرة، كما أن نسبة 50% من تلك الفئران لا تطور أبدًا أي أمراض، لذا فهي تعيش حياة أطول وأكثر صحة.

وتعاون كل من جيفارا أغيري ولونغو على أمل أن يتوصّلا إلى دواء يمكن استخدامه لخفض انتشار هرمون IGF-1 لدى عموم السكان، وتوفير فوائد مضادة للشيخوخة، وواقية من الأمراض.

وقال لونغو: "تتمثل الفكرة بأن يحصل الأشخاص الذين لديهم مستويات عالية من IGF-1 على أدوية تخفض IGF-1 مرة أخرى إلى النطاق الذي يبدو أنه مرتبط بأقل معدل وفيات، تمامًا مثلما يتناول الأشخاص دواءً لارتفاع نسبة الكوليسترول".

ولفت لونغو إلى أن النظام الغذائي الغربي المليء بالبروتين والسكر يزيد أيضًا من مستويات الدورة الدموية لهرمون IGF-1، وبالتالي يسرّع الشيخوخة.

وقال: "هناك أنظمة غذائية مخفضة لعامل النمو IGF-1، مثل الصيام لمدة خمسة أيام في الشهر، وقد نشرنا دراسات وجدت أن مستويات IGF-1 المنتشرة ظلت منخفضة لفترة من الوقت بعد القيام بذلك".

دراسة جديدة عن أمراض القلب

وتعد متلازمة لارون مرتبطة بمخاطر صحية أيضًا، إذ تؤدي هذه الحالة إلى السمنة المفرطة، ما يؤدي إلى الإصابة بمرض السكري، وأمراض القلب، والسرطان، وأمراض أخرى.

إضافة إلى ذلك، فإن العديد من الأشخاص المشاركين في الدراسة "لا يمارسون الرياضة أبدًا" كما أنهم يدخنون، ويستهلكون المشروبات الكحولية، ويعيشون في مجتمعات محرومة من الرعاية الصحية الكافية".

ولفت لونغو إلى أنه بدلا من الوفاة بسبب أمراض مزمنة مرتبطة بالسمنة، هناك معدل مرتفع من الوفيات المرتبطة باستهلاك الكحول والحوادث، فضلا عن الاضطرابات المتشنجة بين المصابين بمتلازمة لارون.

وكان هناك افتراض سائد يقول إن الأشخاص الذين يعانون من متلازمة لارون ربما يعانون من الكثير من مشاكل القلب والأوعية الدموية أيضًا، خاصة بالنظر إلى السمنة لديهم. 

للتأكد من صحة ذلك الافتراض، قام لونغو وجيفارا أغيري بفحص توريس و23 شخصًا آخرين مصابين بمتلازمة لارون وتمت مقارنتهم مع 27 من أقاربهم من الدرجة الأولى الذين لا يعانون من هذه الحالة، ويعيش غالبيتهم في الإكوادور.

وقال لونغو: "لقد وجدنا أن الأشخاص الذين يعانون من لارون، ليس لديهم بالتأكيد زيادة في الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية رغم أنهم غالبا ما يعانون من السمنة المفرطة ويعيشون في بيئات فقيرة، بل إن بعض علامات أمراض القلب والأوعية الدموية قد تحسنت لديهم".

ولفت إلى أن الأشخاص المصابين بمتلازمة لارون في الدراسة لديهم حساسية أفضل للإنسولين، وانخفاض في ضغط الدم، وليس لديهم اضطرابات في ضربات القلب، وهي جميعها نتائج إيجابية.

إضافة إلى ذلك، كان لدى الأشخاص المصابين بمتلازمة لارون رواسب لويحات في شرايينهم بنسبة 7% فقط رغم ارتفاع نسبة الكوليسترول، ما يؤدي عادةً إلى انسداد الشرايين، وزيادة خطر الإصابة بالنوبات القلبية× والسكتات الدماغية، وأمراض القلب الأخرى.

وقال لونغو إن المجموعة المرجعية من أقارب الدرجة الأولى، الذين شاركوا في النظام الغذائي ذاته وأسلوب الحياة، كان لديهم رواسب لويحية بنسبة 30%.

من جهته، أوضح الدكتور أندرو فريمان، وهو مدير الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية لدى المركز الوطني اليهودي للصحة في دنفر، أنه مع ذلك، فإن العلامات الإضافية لتآكل القلب والأوعية الدموية كانت غائبة عن الدراسة، ما ترك بعض الأسئلة من دون إجابة.

وأضاف فريمان، الذي لم يشارك في البحث: "ما زلت أعتقد أنها دراسة مثيرة للاهتمام وواعدة. إذ أنها تضع حجر الأساس لمعرفة ما نتعلمه من المصابين بمتلازمة لارون للحد من الأضرار التي تؤثر على الناس مع تقدمهم في العمر".