"جدة التاريخية"... ترسم ليالي رمضان بريشة الذكريات

منذ 1 سنة 180

أصبحت المنطقة التاريخية في مدينة جدة مركازاً للذكريات، وممارسة الطقوس الرمضانية التي تشكل ملامح جميلة للمدينة، فمن بين أزقتها ومبانيها التراثية يفوح عبق الماضي ليتجول في خانة الذكريات ويشعل فتيل الحنين لحظة مشاهدة الفوانيس التي زينت الشوارع والممرات والبسطات حفاوة بشهر رمضان الكريم.

ويرحل زوار المنطقة التاريخية إلى الزمن الحجازي القديم، بممارسة طقوسهم ونمط حياتهم ومأكولاتهم ومشروباتهم، فتطرب مسامعهم بأصوات العسة والسقا وفرقنا، وتستطعم ذائقتهم نكهة الكبدة والبليلة والسوبيا والكركديه، ويستمتعون بمشاهدة مركاز العمدة والأزياء التراثية والألعاب القديمة.

شخصيات غابت مع التطور

ومن الشخصيات التي غابت بسبب التطور والتغيير في أساليب العيش ونبض الحياة، وأعادتها المنطقة التاريخية "رجل العسة"، فبهيئته ورخامة صوته، يصحو عندما ينام أهل الحي ويظل مستيقظاً طوال الليل يحرس المنازل والأسواق والممتلكات الأخرى، ويجوب الشوارع، ويحمل في يده اليمنى عصاً غليظة، وفي الأخرى كشافاً ليلياً ويعلق في رقبته "صفارة" ينفخ فيها عند رؤية أي حركة.

وأوضح عبدالله العكاس (عسة الحارة قديماً) لـ"اندبندنت" أن رجال العسة كان يعينون من قبل أهالي الحارة التي تشهد على خلقهم وأمانتهم، ودورهم كبير في حفظ الأمن في الأحياء والأسواق ولطالما اعتبر وجودهم مصدر اطمئنان للأهالي، ولكن مع تطور الزمن تم تعديل نظام العسس إلى ما يعرف بالدوريات الأمنية.

أما مازن إسماعيل فهو يمثل دور "المسحراتي" وهو المسؤول الذي يأخذ على عاتقه إيقاظ الناس في ساعات الفجر الأولى لتناول وجبة السحور. وقال لـ"اندبندنت"، "المسحراتي يعد موروثاً قديماً ارتبط بالعادات والمظاهر الرمضانية، ومن المشاهد التي تضفي على شهر رمضان طابعاً روحانياً واجتماعياً جميلاً"، مضيفاً أنه على رغم جمال مشهد المسحراتي فإنه تلاشى في الوقت الحاضر لتغير نمط الحياة واستبدال المآذن به.

جدة_تاريخية__المصدر_(روح_السعودية).jpg

ومن عبارات المسحراتي "يا نايم وحد الدايم يا غافي وحد الله"، "يا نايم وحد مولاك للي خلقك ما بنساك"، و"قوموا إلى سحوركم جاء رمضان يزوركم".

وتقمص إسماعيل السقا مهنة "السقا" التي عرفت قبل التطور الحضاري بإيصال المياه إلى البيوت والمباني. وقال خلال حديثه لـ"اندبندنت"، "السقا هو الشخص المسؤول عن نقل المياه من الخزانات أو الأنهار إلى المساجد والمدارس والمنازل، مستخدمين أواني حديدية يحملها السقا على ظهره أو على ظهر دابة ويتجول في الحارات ليزود الأهالي بالماء، وكانوا يستخدمون الماء في الاستحمام وغسل الأواني والشرب".

بسطات المأكولات الحجازية

وتمتد بين أزقة المنطقة التاريخية بسطات الكبدة والبليلة والبطاطا التي تعد من الوجبات الرئيسة لأهل الحجاز خصوصاً في رمضان، ويزينها الباعة بكلمات الجذب لشرائها، ووضح المتخصص في طهي البليلة منذ 35 عاماً هاشم عجيب أن سر إقبال الناس على البليلة في مرسم رمضان ارتباطها بالذكريات، إذ اعتاد أهل الحجاز من الصغر على تناول البليلة في هذا الشهر، مبيناً لـ"اندبندنت" أن الذائقة تختلف من شخص إلى آخر، فبعد طهيها وتحضيرها يتم اختيار الإضافات التي توضع عليها من قبل المشتري، وهي الطرشي والكمون والشطة والخل.

وعن طريقة تحضيرها أوضح أنه يتم نقعها من الليل ثم غليها حتى تنضج ومن ثم تركها على نار هادئة، وبعدها يتم غرفها في وعاء مقعر، يضاف عليها الطرشي والكمون والخل وبعض الإضافات التي يطلبها المشتري.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي بسطة أكلات زمان يعرض إدريس هوساوي البطاطا المقلية المفضلة لدى الجميع في رمضان، إذ أفاد هوساوي خلال حديثه لـ"اندبندنت" بأن هذه الوجبة تجذب الصغار قبل الكبار خصوصاً في شهر رمضان لسهولة أكلها وطعم مذاقها، مبيناً أن إعدادها يتطلب وقتاً من اختيار نوع البطاطا وغسلها وتنظيفها وإزالة قشرتها وتقطيعها، ومن ثم قليها في الزيت الحار، ومن ثم تقديمها في أطباق ويضاف عليها بحسب الرغبة بهارات الملح والفلفل الأسود والصوصات.

أما نادية العلوي فجذبت الزوار برائحة الكبدة التي صاحبتها 30 عاماً، موضحة لـ"اندبندنت" أنها في كل عام من رمضان تقيم بسطتها، كون طبق الكبدة من الأطباق المفضلة لدى الحجازيين في هذا الشهر، وتبدأ البسطة كما قالت علوي بانتقاء الكبدة ومن ثم تقطيعها وطهيها على صاج (وعاء مسطح) أمام الناس ووضع البهارات والخل والثوم عليها إضافة إلى الرغبات الأخرى.

ألعاب شعبية

وفي إحدى زوايا المنطقة التاريخية عاد الكبار بذاكرتهم إلى مرحلة الطفولة مشاركين أبناءهم الألعاب الشعبية، ومنها "البربر" وهي لعبة شعبية قديمة، وتمارس بالرجل اليمنى، وفيها يتم وضع قطعة صغيرة مستديرة من الفخار في الأرض، كما يتم حفر عدة حفر صغيرة في أماكن متفرقة من الملعب، ثم يدفع اللاعب القطعة إلى إحدى حفر الملعب بقدمه اليمنى، بعد أن يرفع قدمه اليسرى إلى الركبة.

ولعبة "الكيرم" وهي عبارة عن لوح خشبي مربع الشكل يتكون من أربعة ثقوب، وله أربعة أنواع من الحبوب، ولها أربعة ألوان: الأسود ويحسب بـ"خمس نقاط"، والأصفر أو الخشبي بـ"10 نقاط" والوردي بـ"50 نقطة"، إضافة إلى لعبتي البلورات والأونو والضومنة أو الدومينو، وهي مجموعة من القطع على شكل مستطيل عددها 28 قطعة، وكل قطعة مقسمة إلى جزأين بواسطة خط في المنتصف وكل جزء عليه مجموعة من النقاط أو الدوائر تمثل الأرقام.

أما لعبة "الفرفيرة" فهي تستهوي الصغار والكبار، وتعد قاسماً مشتركاً بين جميع شرائح المجتمع الحجازي في رمضان، وتعكس هذه اللعبة الشعبية مظهراً رمضانياً يكاد لا يتكرر إلا مرة كل عام، لتحتل الصدارة في الألعاب الشعبية.