ملخص
في شارع الجمهورية قرب سوق الغزل يقع الجامع، الذي أعاد تصميمه المهندس المعماري الراحل محمد مكية، بعد تكليفه بهذه المهمة عام 1961 من مديرية الأوقاف العراقية، بما يناسب هوية منارته التاريخية، إذ تعود عمارة الجامع لزمن الخليفة العباسي المكتفي بالله (902 – 908 من الميلاد).
يعد جامع الخلفاء الواقع وسط بغداد أحد معالم العاصمة في جانب الرصافة منها، لكنه مر منذ بنائه في العصر العباسي بموجات من التخريب والإهمال، وفي المرحلة الحالية يعيش إهمالاً مروعاً منذ سنوات، حتى إن لافتة "الجامع مغلق لأغراض الصيانة" أصابها التهالك، وباتت حروفها مطموسة بفعل تقادم الأيام.
في شارع الجمهورية قرب سوق الغزل يقع الجامع، الذي أعاد تصميمه المهندس المعماري الراحل محمد مكية، بعد تكليفه بهذه المهمة عام 1961 من مديرية الأوقاف العراقية، بما يناسب هوية منارته التاريخية، إذ تعود عمارة الجامع لزمن الخليفة العباسي المكتفي بالله، عندما تم بناؤه خلال فترة حكمه (902 – 908 من الميلاد).
في كتابه "خواطر السنين" ذكر مكية، "حاولت تصميم الجامع بعيداً من زمن العباسيين، مع عمل جدارية تحمل مشاهد وطبقات وإطاراً حروفياً يكرر صدى المنارة التاريخي".
نفذ هذا المعماري تصميمه لكنه لم ينجح في تحقيق طموحه بشق زقاق مشجر بالنخيل من الجامع باتجاه نهر دجلة لربط المئذنة وجامعها ببيئة بغداد النهرية.
عرف عن محمد مكية أن له سيرة ومنجزاً قيماً في مجال تصميم الجوامع، ومنها إلى جانب "الخلفاء"، مسجد الدولة الكبير في الكويت، وجامع السلطان قابوس الكبير في مسقط، ومبنى جامعة الكوفة (لم يتم تنفيذه)، ومسجد الصديق في الدوحة.
فضاء روحي مهمل
الطيور في سوق الغزل القريب من "الخلفاء" معروضة للبيع في أقفاص متجاورة، بينما الجامع تسوره أسيجة يخنقها التراب والإهمال. في هذا الفضاء حيث قلب بغداد وأحياؤها القديمة لا توجد مساحات فارغة أو قطع أراض بعد أن استحوذ عليها المستثمرون الذين يشيدون هذه الأيام أكبر البنايات وأوسعها في بغداد، لذا فالأبنية التاريخية والشواهد المهمة هناك يكاد يطويها النسيان.
المعماري والكاتب بلال سمير يقول لـ"اندبندنت عربية"، إن "جامع الخلفاء مهمل لدرجة مؤلمة، فهو اليوم لا ينتمي لفضاءات الاستثمار العقاري، بل لا ينتمي لأي مما يمكن الترويج له في بغداد من معالم، وبما أنه لا مكان لفضاءات الجانب الروحي للإنسان على مواقع التواصل التي تشغلنا على الدوام، لذا نشعر بأهمية تلك الفضاءات الواقعية لجذب انتباهنا".
خسارة بغدادية
خسر العراق عدداً من معالمه ومبانيه كواحدة من ضرائب السنوات الصعبة التي خلت، وخشية أن يلتحق "الخلفاء" بهذه المباني المنسية، يحذر المعماري والأكاديمي خالد السلطاني من أن "بغداد ستخسر كثيراً، وبل وستتأذى لبقاء الجامع بمثل ذلك الوضع، بعد ما أصاب هذا الصرح المعماري المميز من إهمال وخراب ونسيان".
ويوضح "جامع الخلفاء (أو بالأحرى عمارة جامع الخلفاء)، مثلت حدثاً معمارياً نادراً، إذ جسدت عمارته نوعاً من النزوع نحو اكتشاف الذات المعمارية المحلية، وترويض تقاليدها وحتى رموزها، والارتقاء بها لتكون متسقة ومتكافئة مع اشتراطات العمارة العالمية وتطلعات الحداثة، وهو أمر أدى في ما بعد إلى ظهور التيار الإقليمي الجديد كأحد اجتهادات الممارسة المعمارية المحلية، وإضافتها إلى تنويعات الخطاب المعماري العالمي الحديث".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من ناحية أخرى يقول السلطاني، "سنجد أنه في موقع الجامع ذاته ينتصب عنصر معماري غاية في الأهمية، أعني به مئذنة المسجد الجامع التي تعود بتاريخها لعام 1279 (تاريخ بنائها من جديد بعد سقوطها). بالتالي فإنها من الإنشاءات البنائية البغدادية المعدودة التي ترجع إلى تلك الحقب الزمنية القديمة التي مرت على بغداد العباسية، مما يتطلب الحفاظ عليها وإجراء الترميمات الضرورية المستمرة لها، وعدم تركها بهذه الحال المزرية".
السلطاني ينظر إلى خصوصية أخرى في هذا المجال، وهي أن "عمارة المسجد الجامع جسدت إبان ظهورها مثالاً مبدعاً ورائداً في مسار أحد أشهر معماريي الحداثة العراقيين وهو محمد مكية (1914- 2015)، مما يزيد من خسارة بغداد في حال بقاء وضع المسجد مهملاً ومنسياً".
لا أدوار ولا معلومات
توجهنا إلى أمانة بغداد، التي تبعد أمتاراً قليلة عن مبنى "الخلفاء" لسؤال المدير العام لدائرة العلاقات والإعلام فيها محمد الربيعي، إذ قال "كانت هناك لجنة من أمانة بغداد وديوان الوقف السني وهيئة الآثار لصيانة منارة الجامع، كونها بدأت بالميلان لوجود مياه جوفية في المنطقة، وعندما سحبت المياه مالت المنارة أكثر، وبلغنا أن ديوان الوقف السني تعاقد مع مكتب هندسي بخصوص الصيانة، أما أمانة بغداد فليس لها دور لأن الجامع عائد للوقف السني، ويقتصر دور الأمانة على الإشراف في حال الصيانة".
لدى الاتصال بإعلام ديوان الوقف السني، كانت الإجابة بأن "ليست لدينا معلومات حالياً في شأن موضوع الجامع".
وبجولة في محيط الجامع، استطلعت "اندبندنت عربية" آراء ثلاثة مواطنين تجاوزت أعمارهم 60 سنة، اثنان منهما كانا يعرفان كل شيء عن "الخلفاء" وتاريخه كمسجد ومن المهندس المعماري الذي أعاد تصميمه، في حين اشتبه الثالث بأن من صممه في الستينيات هو المعماري الراحل رفعت الجادرجي، بينما ثلاثة من الشبان الجالسين في أحد المقاهى القريبة لم تكن لدى أيهم أية معرفة بالجامع وما يمثله من رموز في عاصمتهم.
غياب تاريخ الجامع عن أذهان الأجيال الجديدة يعكس أمرين: الأول أنه بعيد من اهتمامات هؤلاء، والثاني أن الرأي العام العراقي لم تعد مواضيع مثل إعمار شارع الرشيد أو تأهيل مثل هذا الجامع من ضمن أولوياته.