ألمانيا تشهد تظاهرات ضخمة تؤشر إلى تنامي القلق الشعبي من صعود اليمين المتطرف في البلاد، وسط مخاوف من تغيير المشهد السياسي بشكل جذري عشية الانتخابات البرلمانية المرتقبة في الثالث والعشرين من شباط فبراير الجاري.
شهدت مدينة ميونخ تظاهرة ضخمة احتجاجًا على صعود اليمين المتطرف في ألمانيا، حيث تجمع أكثر من 200 ألف شخص في ساحة "تيريزينفيزه" استجابةً لدعوة تحالف "ميونخ مدينة متنوعة"، الذي رفع شعار "الديمقراطية بحاجة إليك".
بدأت المظاهرة بزخم كبير، حيث أعلنت شرطة ميونخ بعد عشر دقائق فقط من انطلاق الحدث عن مشاركة أكثر من 100 ألف متظاهر، ومع استمرار تدفق المحتجين، ارتفع العدد ليصل إلى 200 ألف متظاهر وفقًا للتقديرات الرسمية، في حين أشار المنظمون إلى أن العدد قد تجاوز 320 ألف مشارك.
تأتي هذه الاحتجاجات ضمن سلسلة مظاهرات شهدتها مختلف المدن الألمانية منذ أواخر يناير، عقب تمرير الحزب المسيحي الديمقراطي (CDU-CSU) قانونًا جديدًا للجوء بمساندة حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD) اليميني المتطرف، ما أثار موجة غضب شعبية ودفع الآلاف إلى النزول للشوارع رفضًا لما اعتبروه تحالفًا خطيرًا يهدد القيم الديمقراطية.
أصوات المحتجين: مخاوف من انزلاق نحو اليمين المتطرف
تحدث عدد من المتظاهرين عن دوافعهم للمشاركة في الاحتجاج، معبرين عن قلقهم من تنامي الخطاب اليميني المتطرف في المشهد السياسي الألماني.
أحد المحتجين قال: "من الواضح أن الأحزاب التي تُعرّف نفسها على أنها وسطية بدأت تنحرف تدريجيًا نحو اليمين، وهذا أمر مقلق للغاية. نحتاج إلى الوعي بما يحدث، خاصة أن شخصيات مثل فريدريش ميرتس تختبر الحدود باستمرار لترى مدى تقبل المجتمع لهذه التوجهات. علينا أن نكون أكثر وعيًا في قراراتنا الانتخابية."
متظاهر آخر صرّح: "أشارك اليوم لإيصال رسالة قوية ضد صعود اليمين المتطرف. التاريخ يعلمنا أن التهاون مع هذه التيارات قد يؤدي إلى كوارث، تمامًا كما حدث في عام 1933. من المؤسف أن نرى تنامي الدعم لأحزاب لا تؤمن بالديمقراطية، وهذا ما يدفعني للنزول إلى الشارع."
محتج ثالث قال: "أنا هنا دفاعًا عن الديمقراطية، وليس فقط لمعارضة اليمين المتطرف. علينا أن نكون مع القيم الديمقراطية، وليس فقط ضد التوجهات الخطيرة التي يمثلها حزب "البديل من أجل ألمانيا"."
وأضاف أحد المشاركين أنه من المهم "إظهار أن التيار الوسطي في المجتمع هو الأساس، وألا نترك مساحة إضافية للأحزاب اليمينية المتطرفة. كما أن الأحزاب الوسطية يجب أن لا تتوهم أنها تستطيع استغلال هذا المد لتحقيق مكاسب سياسية، لأن ذلك يمنح هذه القوى نفوذًا أكبر."
تصريحات المنظمين: القلق على مستقبل الديمقراطية
ميكي فينجاتز، رئيسة تحالف "ميونخ مدينة متنوعة" وأحد منظمي المظاهرة، أكدت أهمية هذا الحراك الشعبي بقولها: "قمنا بالتحضير لهذه التظاهرة منذ يناير، ونحن نرى أنها ضرورية للغاية، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات الفيدرالية. الديمقراطية في خطر، لأن حزبًا متطرفًا قد يحصل على أصوات غير متوقعة، مما قد يغير ملامح المشهد السياسي. نريد أن نوصل رسالة واضحة بأننا مجتمع متماسك ومنفتح، ويرفض التطرف بكل أشكاله."
احتجاجات في بريمن ضد اليمين المتطرف: أكثر من 35 ألف متظاهر
ولم تقتصر المظاهرات المناهضة لليمين المتطرف على ميونخ، حيث شهدت مدينة بريمن أيضًا احتجاجًا واسعًا شارك فيه 35 ألف شخص في ساحة دومشوف، استجابةً لدعوة تحالف "عالي الصوت ضد اليمين"، الذي حظي بدعم عدد من المنظمات المدنية.
وشهدت المظاهرة تزايدًا في أعداد المشاركين مع مرور الوقت، حيث قامت الشرطة بتحديث تقديراتها عدة مرات، لترفع العدد النهائي إلى حوالي 35 ألف متظاهر، فيما أكد المنظمون أن العدد الفعلي قد يكون تجاوز 50 ألف شخص.
وكان من المقرر أن تُقام التظاهرة في ساحة السوق بوسط المدينة، لكن بسبب التدفق الكبير للمتظاهرين، قرر المنظمون نقل الحدث إلى ساحة دومشوف لتوفير مساحة أوسع للحشود الغفيرة.
تصاعد الغضب الشعبي ضد اليمين المتطرف في ألمانيا
تعكس هذه المظاهرات الضخمة تنامي القلق الشعبي من صعود اليمين المتطرف في ألمانيا، وسط مخاوف من تغيير المشهد السياسي بشكل جذري.
يشدد المحتجون على أن معركتهم ليست فقط ضد حزب معين، بل ضد أي محاولة لجرّ البلاد نحو سياسات قومية متشددة، مؤكدين أن الدفاع عن التعددية والديمقراطية لم يعد خيارًا، بل ضرورة ملحّة في هذا الظرف الحساس.