تزخر مصر بكثير من القصور التاريخية الشهيرة الواقعة في بؤرة الاهتمام والتي يعرفها الناس باعتبارها من المعالم الشهيرة، سواء في القاهرة أو غيرها من المحافظات الممتدة من شمال إلى جنوب البلاد، إذ تحكي فصولاً من التاريخ شهدتها على مر السنوات مما جعلها تمثل جزءاً من التراث الثقافي إلى جانب القيمة التاريخية.
وفي المقابل تضم مصر عشرات القصور المهجورة لأسباب مختلفة، إذ ربما يمر عليها الناس ولا يعرفون حكاياتها على رغم أنها لا تقل أهمية عن القصور الشهيرة، لكنها تحتاج إلى بعض الاهتمام لتعود لرونقها وتتحول إلى جزء من المشهد الثقافي المصري.
هذه القصور المنسية بني معظمها خلال القرن الـ 19 وأوائل القرن الـ 20، إذ شهدت القاهرة ومدن كبيرة أخرى في مصر بين عامي 1860 و1940 طفرة إنشائية كبرى أدت إلى بناء قصور غير تقليدية ومبان فخمة عدة مزجت بين عدد من الأساليب المعمارية، لكن بعد مرور سنوات عانت تلك القصور والمباني الإهمال.
30 موقعاً في المحافظات
دفعت هذه القصور مصورة روسية إلى تبني مشروع فني امتد لما يزيد على 10 سنوات لتوثيقها، إذ تنقلت بين 30 موقعاً في جميع المحافظات المصرية لاستكشاف القصور المهجورة التي تمثل قيمة معمارية وتراثية كبيرة، إلى جانب الحكايات الإنسانية التي ارتبطت بها وبمن عاشوا فيها على مدى سنوات قبل أن تصبح مهجورة يغلفها الصمت والفراغ.
الجامعة الأميركية بالقاهرة أصدرت نتاج المشروع الفني في كتاب بعنوان "تراب.. العمارة المصرية المنسية"، وصدرت منه نسخة حديثة أخيراً، ويعد الكتاب مرجعاً للمهتمين بالبحث عن تاريخ القصور المصرية المهجورة في جميع أنحاء البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
زينيا نيكولسكايا، وهي عضوة اتحاد الفنانين الروس وأمينة سابقة للمركز الروسي للتصوير، درست التصوير في الأكاديمية الروسية للفنون في سانت بطرسبورغ، وحصلت على درجة الدكتوراه من جامعة "سندرلاند" بالمملكة المتحدة، وشاركت في أكثر من 40 معرضاً دولياً منها 20 معرضاً فردياً.
وعن بداية اهتمامها بالقصور المهجورة في مصر تقول نيكولسكايا لـ "اندبندنت عربية" إن "البداية كانت عندما دخلت بالمصادفة إلى قصر سراج الدين باشا الواقع بحي جاردن سيتي بالقاهرة، وانبهرت به للغاية وكتبت قصة صحافية لواحدة من المجلات في روسيا، وجاء رد الفعل عليها بأكثر مما توقعت، ومن هنا قررت التعرف على مزيد عن المعمار المصري خلال هذه الفترة الزمنية وعن التاريخ المصري بشكل عام، ومن هنا جاءت البداية التي استمرت على مدى سنوات ونتج منها هذا المشروع في جميع أنحاء مصر".
وتضيف نيكولسكايا، "لا أستطيع القول إن هذه القصور أثرية، فهي ربما تعود للتاريخ الحديث مما يعطيها ميزة نسبية وهو أنك يمكن أن تلتقي بشخص عاش فيها أو كانت له علاقة مباشرة معها، وجميع هذه القصص من أشخاص حقيقيين، مما يمثل إضافة كبيرة للحكاية التي تعبر عنها الصورة".
بين القاهرة وسان بطرسبرغ
وقضت زيلينسكا بدايات الشباب في مدينة سان بطرسبرغ الروسية التي تعد من المدن الأوروبية الطابع وتضم قصوراً مبهرة تشتهر بها، فماذا يجمع قصور القاهرة وسانت بطرسبرغ؟ وما هي أوجه التشابه بينهما؟
تجيب زيلينسكا، "بالفعل هناك تشابه بين قصور مصر والقصور في روسيا، فكلا البلدين كان يمر باضطرابات سياسية وثورات خلال فترات معينة من تاريخه الحديث جعلت بعض هذه القصور إما غير مرغوب فيها أو تمت إعادة استخدامها لأغراض أخرى غير الهدف الأساس الذي بنيت من أجله، وحدث هذا بالفعل في كثير من القصور المصرية مثلما حدث في روسيا، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة في كلا البلدين".
وتضيف، "هناك وجه آخر للتشابه بين قصور مصر وروسيا، وهو أن كثيراً من هذه القصور عكس ثقافات أجنبية وطرزاً معمارية تنتمي لدول أخرى، فعدد من القصور التي قمت بتصويرها في مصر تم بناؤها على طراز معماري أوروبي، وهو ما كان سائداً خلال فترة إنشائها، وكذلك الأمر في سانت بطرسبرغ، إذ تعد من أكثر المدن الروسية التي يغلب عليها طابع البناء الأجنبي".
الاستغلال الأمثل
قصر السكاكينى، قصر سعيد حليم، قصر سراج باشا، قصر عمر طوسون باشا، قصر كاساداغلي، وغيرها من القصور المهجورة التي تمتد بالعشرات في جميع أنحاء مصر من الشمال للجنوب يمكن استغلالها في أغراض مختلفة تعيد لها الحياة بعد سنوات طويلة من النسيان وتضعها في بؤرة الضوء من جديد.
تقول زيلينسكا، "ليس بالضرورة أن تتحول هذه القصور إلى أماكن سياحية، لكنني أرى أن الاستخدام الأمثل في كثير من الأحيان أن يكون لها دور ثقافي، مثل أن تمنح لمؤسسات فنية وثقافية لتقام فيها فعاليات مختلفة، فالمباني تموت عندما تهجر ولا يستخدمها الناس، والجانب التجاري ليس دائماً اختياراً مثالياً في مثل هذه الحالات، باعتبار أن هذه الأماكن ذات طبيعة خاصة، وفي الوقت ذاته فإن انتظار جمع الأموال حتى يمكن تطويرها سيجعل حالها تسوء، ويمكن فقد بعضها مع الزمن".