بلاد «بونت»... لغز تاريخي!

منذ 14 ساعة 21

تمثل «بونت» واحداً من أكثر الألغاز التاريخية تعقيداً. ففي البداية لا يوجد ذكر لبلد أو منطقة باسم «بونت» في أي من المصادر التاريخية القديمة سوى في المصادر الفرعونية فقط. فلولا تلك المصادر المكتوبة والمصورة من مصر القديمة ما كنا قد سمعنا عن بلاد «بونت»! والغريب في الموضوع أننا لا نملك فقط مصادر كتابية عن بلاد بونت، وإنما لدينا تصوير كامل لجغرافية المكان بتضاريسه ونباتاته وحيواناته، بل وكذلك بالبشر الذين كانوا يعيشون بـ«بونت»، أي أهل «بونت» أنفسهم. من خلال المناظر المصورة على جدران المعابد المصرية، ولعل أشهرها تلك الموجودة على جدران معبد الملكة حتشبسوت بالدير البحري بالأقصر. والتي سوف نتناولها بالشرح في مقال نفرده لهذا الحدث التاريخي المهم «وصول البعثة التجارية للملكة حتشبسوت إلى بلاد بونت».

ورغم كل ما سبق فما زلنا لا نعرف أين تقع بلاد «بونت»؟ وقد انقسم العلماء في ذلك إلى فريقين. الأول يؤمن بوجود «بونت» في شبه الجزيرة العربية، ومن هؤلاء من ذهب إلى تحديد وجودها في مناطق قريبة من واحة تيماء بأراضي المملكة العربية السعودية. وآخرون يعتقدون في وجودها إلى الجنوب في مكان ما باليمن. وكما ذكرنا فإن التضاريس والنباتات والحيوانات ومنتجات «بونت» من بخور وعطور وأصماغ وجلود حيوانات وعاج وذهب وغير ذلك من منتجات «بونت» المذكورة في المصادر الفرعونية هي كل ما لدينا عن تلك البلاد التي يعود تاريخ التجارة بينها وبين مصر القديمة إلى أكثر من أربعة آلاف عام.

ويرى أصحاب الرأي القائل بوجود «بونت» في الجزيرة العربية أن التجارة من «بونت» إلى مصر كانت تتم عن طريقين تجاريين. الطريق الأول البري من «بونت» إلى الطريق التجاري الغربي الساحلي للسعودية إلى الشمال، حيث المرور بغزة ومنها إلى شبه جزيرة سيناء ومصر. والطريق الثاني يبدأ من «بونت» متجهاً جنوباً إلى أضيق نقطة عبور على البحر الأحمر عند باب المندب، حيث يتم العبور بالسفن إلى الساحل الأفريقي المواجه ومنه مرة أخرى تسير القوافل براً بمحاذاة الساحل الغربي للبحر الأحمر مروراً بعدد من الأسواق الأفريقية وصولاً إلى مصر. كانت مثل تلك الرحلات تستغرق شهوراً تصل إلى خمسة شهور أو أكثر.

كانت منتجات «بونت» من بخور وأصماغ عطرية وغيرها من أهم المنتجات المطلوبة في السوق المصرية لاستخدامها ليس فقط في الطقوس الدينية التي تقام بالمعابد، وإنما كذلك لدخولها في تحنيط مومياوات الفراعنة. ولعل هذا هو السبب وراء قيام المصريين القدماء بوصف «بونت» بأنها «أرض الإله».

أما فريق العلماء الآخر، فيرى أن ما ظهر من مناظر لبلاد «بونت» يرجح كونها مكاناً جغرافياً في قارة أفريقيا، وهناك عدد كبير من الترشيحات منها الصومال أو إثيوبيا أو حتى إريتريا. وبقي أن نؤكد عدم وجود علاقة بين الاسم «بونت»، الذي ظهر في المناظر المصرية واسم «بونت لاند» الحديث لإحدى مناطق الصومال. ولا يزال باب النقاش حول لغز أين توجد بلاد «بونت» مفتوحاً.