بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وفي محاكمة تاريخية، تسعى محكمة في باريس هذا الأسبوع إلى تحديد ما إذا كان ثلاثة مسؤولين أمنيين رفيعي المستوى في نظام بشار الأسد، مسؤولين عن قتل باتريك الدباغ ووالده مازن وهما فرنسيان من أصل سوري اعتقلا عام 2013.
انطلقت اليوم الثلاثاء، جلسات الاستماع التي تستمر أربعة أيام، حول ممارسات نظام الرئيس بشار الأسد، واستخدام التعذيب والاعتقالات التعسفية على نطاق واسع للتمسك بالسلطة خلال الحرب السورية.
وتأتي المحاكمة الفرنسية في الوقت الذي يستعيد فيه الرئيس السوري هالة من الاحترام الدولي، بعد أن كان مُستبعَداً بسبب العنف الذي مارسه ضد معارضيه. وتأمل جماعات حقوق الإنسان، وهي طرف في القضية الفرنسية، أن تُعيد تركيز الانتباه على الفظائع المزعومة المُرتكبة.
وتتعلق القضية بالضحيتين باتريك الدباغ ووالده مازن. وكان باتريك (مولود عام 1993) طالبًا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في دمشق، بينما كان والده (1956) مستشارًا تربويًا رئيسيًا في المدرسة الفرنسية بالعاصمة السورية.
وقد تم اعتقالهما في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 على يد عناصر قالوا إنهم من جهاز المخابرات الجوية السورية.
ووفق صهر مازن الذي اعتُقل في الوقت ذاته ثم أُطلق سراحه بعد يومين، فقد نُقل الرجلان اللذان يحملان الجنسيتين الفرنسية والسورية، إلى مطار المزة قرب دمشق الذي يوصف بأنه أحد أسوأ مراكز التعذيب التابعة للنظام.
وبعدها غابت أي إشارات إلى أنهما على قيد الحياة، إلى أن تم الإعلان عن وفاتهما في آب/أغسطس 2018.
من ناحية أخرى، طُردت زوجة مازن الدباغ وابنته من منزلهما في دمشق الذي استولى عليه عبد السلام محمود. ونص الاتهام على أن هذه الوقائع "من المرجّح أن تشكّل جرائم حرب وابتزاز وتمويه ابتزاز"، كما أن "الحجز على ممتلكات سوريين اختفوا أو وُضعوا في معتقلات أو مهجّرين قسرا أو لاجئين، كان ممارسة منتشرة للنظام السوري".
المتورطون في القضية:
- علي مملوك، الرئيس السابق لمكتب الأمن الوطني المشرف على أجهزة الأمن والمخابرات السورية، و يُزعم أنه عمل مباشرة مع الأسد. وهو الآن في أواخر السبعينيات من عمره.
- جميل حسن، المدير السابق للمخابرات الجوية، يزعم الناجون الذين شهدوا في القضية أنهم رأوه في مركز احتجاز في العاصمة دمشق، حيث يُعتقد أن الدباغ كان محتجزًا هناك. وهو في أوائل السبعينيات من عمره.
- عبد السلام محمود، المدير السابق لفرع التحقيق في المخابرات الجوية، ويُزعم أنه استولى على منزل آل دباغ بعد اعتقالهم. وهو في منتصف الستينيات من عمره.
الرجال الثلاثة متهمون بالتحريض على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وإعطاء تعليمات بارتكابها والسماح لمرؤوسيهم بارتكابها من خلال الاعتقال وتعذيب وقتل الأب والابن. كما أنهم متهمون أيضًا بمصادرة منزلهم.
وتجري محاكمة المتهمين غيابيًا، بعد أن أصدر قضاة فرنسيون مذكرات توقيف بحقهم في أكتوبر/تشرين الأول 2018، على الرغم من إقرارهم بأن احتمال تسليمهم إلى فرنسا ضئيل.
ولم يكن هناك محامو دفاع لتمثيلهم مع بدء جلسات الاستماع صباح اليوم الثلاثاء. وقد قرر القضاة الفرنسيون أنهم لا يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية.
ويقول باتريك بودوان، محامي المنظمات الحقوقية المشاركة في القضية: "المتهمون من كبار المسؤولين في نظام القمع والتعذيب السوري. وهذا يعطي نبرة خاصة لهذه المحاكمة. والملف القانوني مفصل للغاية، ومليء بالأدلة على ممارسات التعذيب الممنهج والمتنوع والوحشي للغاية".
لماذا تتم المحاكمة في فرنسا؟
كان باتريك ومازن دباغ يحملان جنسية مزدوجة فرنسية سورية، وهو ما مكّن القضاة الفرنسيين من متابعة القضية، وبدأ التحقيق في اختفائهما عام 2015، عندما أدلى عبيدة دباغ، شقيق مازن، بشهادته للمحققين الذين كانوا ينظرون فعلًا في جرائم الحرب في سوريا.
وقدّم عشرات الشهود، من بينهم العديد من الفارين من الجيش السوري ومحتجزون سابقون في المزة، تفاصيل للمحققين الفرنسيين واللجنة الدولية للعدالة والمساءلة، وهي منظمة غير حكومية، بشأن التعذيب في هذا السجن.
وتحدثوا عن جرائم اغتصاب وحرمان من الطعام والماء، وعن الضرب على الأقدام والركب وأماكن أخرى بالسياط والكابلات والهراوات، وعن الصعق بالكهرباء والحرق بالأسيد أو الماء المغلي، وعن التعليق من السقف لساعات أو أيام.
كما درس المحققون صورًا فوتوغرافية قدّمها شرطي سوري، لآلاف من ضحايا التعذيب، أصبحت فيما بعد تُعرف بملف "قيصر".
وسيتمّ تصوير جلسات الاستماع المقررة على مدى أربعة أيام لحفظها ضمن أرشيف القضاء. ولأول مرة في محكمة الجنايات في باريس، سيتم توفير الترجمة العربية للجمهور.
تحقيق فرنسي آخر يستهدف الرئيس الأسد
في تحقيق منفصل، استهدف القضاة الفرنسيون أيضًا الرئيس الأسد نفسه، لكن محكمة الاستئناف في باريس لا تزال تدرس ما إذا كان الأسد يتمتع بحصانة مطلقة كرئيس دولة، وقد طلب منها المدعون الفرنسيون البت في هذه المسألة في جلسة مغلقة في 15 مايو/أيار.
ويحقق القضاة في الهجمات بالأسلحة الكيماوية التي أسفرت عن مقتل أكثر من 1000 شخص وإصابة آلاف آخرين في ضواحي دمشق عام 2013. وقد أصدروا مذكرات اعتقال دولية بحق الأسد وشقيقه ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة المدرعة واثنين من جنرالات الجيش السوري، هما غسان عباس وبسام الحسن، بتهمة التواطؤ المزعوم في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
فُتح التحقيق الفرنسي في عام 2021 استجابةً لشكوى جنائية من الناجين من الهجوم. ويجري التحقيق بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، والذي ينص على أنه في بعض الحالات، يمكن ملاحقة الجرائم خارج البلدان التي وقعت فيها.