الهجوم على الديمقراطية: ما هي أوجه التشابه بين العنف السياسي في البرازيل والولايات المتحدة؟

منذ 1 سنة 162

بقلم:  Adel Dellal  •  آخر تحديث: 09/01/2023 - 17:26

بين الهجوم على الكابيتول الأمريكي والكونغرس البرازيلي

بين الهجوم على الكابيتول الأمريكي والكونغرس البرازيلي   -   حقوق النشر  يورونيوز

اقتحم متظاهرون مؤيدون للرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، الأحد، مبنى الكونغرس والمباني الحكومية في العاصمة برازيليا لإلغاء انتخابات حملت الزعيم اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إلى السلطة في وقت سابق من هذا الشهر.

واحتلّ المقتحمون المباني السياسية، وهم يلوحون بالعلم البرازيلي، تحت شعار "النظام والتقدم" في محاولة فاشلة لـ "مناهضة" عملية الانتقال السلمي للسلطة.

بدت المشاهد في برازيليا مشابهة بشكل مخيف لأحداث مبنى الكابيتول الأمريكي في الـ 6 يناير-كانون الثاني، أي قبل عامين، وهناك روابط أعمق أيضاً. فقد قال أحد ضيوف ستيف بانون، أحد أبرز المقربين من الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، على البودكاست: "كل شيء تفوح منه رائحة"، بعد يوم واحد من الجولة الأولى من التصويت في انتخابات البرازيل في أكتوبر- تشرين الأول من العام الماضي.

كان السباق متجهاً نحو جولة الإعادة والنتيجة النهائية لم تكن قريبة من الإعلان. ومع ذلك، نشر بانون، كما كان يفعل منذ أسابيع، شائعات لا أساس لها حول تزوير الانتخابات.

عبر عدة حلقات من البودكاست الخاص به وفي منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، أثار هو وضيوفه مزاعم "سرقة الانتخابات" وقوات غامضة. قام بترويج هاشتاغ "ربيع البرازيل"، واستمر في تشجيع المعارضة حتى بعد أن بدا بولسونارو نفسه في تقبل نتائج الانتخابات. 

ومثلما حدث في اقتحام الكابيتول، ساعدت تلك التقارير الكاذبة والشائعات غير المثبتة في تأجيج حشد حطم النوافذ واقتحم المباني الحكومية في محاولة لدعم قضيتهم.

"افعلوا كل ما هو ضروري!"

في اليوم السابق لاقتحام الكابيتول، قال بانون لمتابعي البودكاست: "الجحيم سينهار غداً". وقد حُكم عليه بالسجن لمدة أربعة أشهر لرفضه الامتثال لأمر الإدلاء بشهادته أمام لجنة بالكونغرس حققت في الهجوم ولكنه حرّ طليق في انتظار الاستئناف.

إلى جانب مستشاري ترامب البارزين الآخرين الذين نشروا شائعات حول الاحتيال، لم يكن بانون نادماً الأحد، حتى مع ظهور لقطات للدمار الواسع النطاق في البرازيل. وكتب على موقع التواصل الاجتماعي غيتر: "لولا سرق الانتخابات ... البرازيليون يعرفون ذلك". وأطلق على من اقتحموا المباني اسم "مقاتلون من أجل الحرية".

علي ألكسندر، ناشط ظهر بعد انتخابات 2020 كأحد قادة حركة "أوقفوا السرقة" الموالية لترامب، شجع الجماهير وكتب "افعلوا كل ما هو ضروري!" ويدعي أن لديه اتصالات داخل البلاد. انتقد أنصار بولسونارو عبر الإنترنت أزمة وجودية و "سيطرة شيوعية" مفترضة وهو نفس النوع من الخطاب الذي دفع مثيري الشغب في واشنطن قبل عامين إلى اقتحام مبنى الكابيتول.

التشكيك في أنظمة التصويت

تم تسليط الضوء على الروابط بين بولسونارو وحركة ترامب من خلال اجتماع في نوفمبر-تشرين الثاني بين الرئيس السابق ونجل السيد بولسونارو في منتجع ترامب في فلوريدا. خلال تلك الرحلة، تحدث إدواردو بولسونارو أيضاً مع بانون ومستشار ترامب جيسون ميلر، وفقاً لتقارير "واشنطن بوست" ووسائل إعلام أخرى.

كما هو الحال في الولايات المتحدة في عام 2020، ركز رافضو الانتخابات الحزبيون اهتمامهم على آليات التصويت. في البرازيل، وشككوا في آلات جدولة الأصوات الإلكترونية. 

وأعلنت لافتة عرضها مثيري الشغب يوم الأحد "نريد شفرة المصدر" باللغتين الإنجليزية والبرتغالية، في إشارة إلى شائعات مفادها أن آلات التصويت الإلكترونية تمت برمجتها أو اختراقها بطريقة ما من أجل فشل بولسونارو.

أعيد عدد من حسابات تويتر البرازيلية البارزة التي نشرت شائعات نفي الانتخابات، بعد الانتخابات وبعد استحواذ إيلون ماسك على شركة تويتر، وفقاً لتحليل إعلامي، فقد سبق أن تم حظر الحسابات وأشار ماسك نفسه إلى أن بعض موظفي تويتر في البرازيل كانوا "متحيزين سياسياً بشدة" من دون إعطاء تفاصيل أو أدلة.

سارع بعض معارضي ترامب في الولايات المتحدة إلى إلقاء اللوم على الرئيس السابق ومستشاريه لتشجيع الاضطرابات في البرازيل. جيمي راسكين، عضو الحزب الديمقراطي بمجلس النواب الأمريكي وعضو لجنة التحقيق في أحداث الشغب في الكابيتول، وصف المتظاهرين البرازيليين بـ "الفاشيين الذين صمموا أنفسهم على غرار مثيري الشغب في الـ 6 يناير-كانون الثاني من أنصار ترامب".

أثارت مسألة الهجوم على الكونغرس، التي تعتبر أكبر هجوم على الديمقراطية البرازيلية منذ عقود، موجات صادمة في جميع أنحاء العالم. ولكن أكثر ما أثار قلق الكثيرين هو أصداء ما حدث في واشنطن قبل عامين بالضبط، عندما اقتحم أنصار الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب مبنى الكابيتول بالعاصمة واشنطن في الـ 6 يناير-كانون في محاولة لمنع جو بايدن من تولي منصبه. 

وقد دفع التوقيت المماثل للأحداث المتابعبن، والمحللين لإجراء مقارنة بين الحدثين، ولكن هل اقتحام مبنى الكابتول في واشنطن والكونغرس في برازيليا متشابها؟

للوهلة الأولى، يبدو من المؤكد أن الهجومين يحملان تشابهًا غريبًا مع بعضهما البعض.

هناك تشابه ملحوظ في الحدث. فوراء الحالتين يوجد رئيس يميني "متطرف" مثير للقلق ولديه ولع باستخدام تويتر، يطعن في خسارته في انتخابات ديمقراطية، وينشر الأكاذيب ونظريات المؤامرة لقاعدة مؤيديه المخلصين.

عند فجر، أو عشية، في الولايات المتحدة، تنصيب خلفه، تتحول هذه المشاعر في النهاية إلى انتفاضة عنيفة تستهدف المباني في قلب الأنظمة الديمقراطية لكلا البلدين.

تحطمت النوافذ، وتعرضت الأعمال الفنية والمعالم للتلف، في حالة البرازيل، حتى دستورها لعام 1988، كل ذلك من قبل المتظاهرين الذين يحملون علم بلدهم المزين بالنجوم.

تكمن في قلب "التمردين"، إذا جاز القول، أيديولوجية قومية مماثلة لها تاريخ في مقاومة الانتقال الديمقراطي للسلطة.

"محاولة انقلاب مثيرة للشفقة من قبل بولسونارو"، كانت الكلمات التي استخدمها المؤرخ الأرجنتيني فيديريكو فينشلشتاين، الباحث في التاريخ الفاشي، لوصف أحداث يوم الأحد.

ونتيجة لذلك، دان كل من بايدن ولولا بشدة المتظاهرين، ووصفوهما بأنهم متطرفون ويشكلون تهديداً لسلامة بلادهم. ومع ذلك، ذهب الأخير خطوة أخرى إلى الأمام، واصفاً إياهم بـ "الفاشيين"، وهي كلمة مرغوبة يتردد قادة الولايات المتحدة عموماً في استخدامها.

وفي النهاية، شهد الحدثان تواجد الزعيمين اليمينيين المتطرفين، بشكل أو بآخر في نفس المكان، وهو فلوريدا. فبينما وجد ترامب ملاذاً في إقامته الضخمة بمار إيه لاغو، فإن مصير بولسونارو بدا أقل بريقاً إلى حد ما حيث شوهد وهو يتناول أجنحة الدجاج في مطعم "كي إف سي" في أورلاندو.

ومع ذلك، في حين أن المقارنات بين أعمال الشغب في البرازيل وأعمال الشغب المناهضة للديمقراطية في الولايات المتحدة قد تكون متكافئة، تظل الاختلافات الرئيسية قائمة.

تجدر الإشارة إلى اختلاف توقيت الحادثين. وقع اقتحام مبنى الكابيتول قبل أسبوعين من تنصيب بايدن، بينما حدثت انتفاضة البرازيل بعد أكثر من أسبوع من تولي لولا منصبه. 

وبالتالي يُمثل اقتحام مبنى الكابيتول محاولة لإعاقة انتقال السلطة، بينما يهدف الهجوم على الكونغرس البرازيلي إلى قلب النظام.

استهدف التمرد في البرازيل أيضاً مفتاحاً آخر، وهو القصر الرئاسي. لم يتجرأ أنصار ترامب على مهاجمة البيت الأبيض حيث كان ترامب لا يزال يقيم رسمياً في الـ 6 يناير-كانون الثاني 2021.

لكن ربما يبقى الاختلاف الأكبر في السياقات الاجتماعية السياسية المختلفة بشكل صارخ والتي تحيط بالأحداث.

كدولة لم تشهد ديمقراطيتها اضطرابات كبيرة خلال القرن الماضي، فإن الـ 6 يناير-كانون الثاني يُمثل بالنسبة للذاكرة العامة للولايات المتحدة لحظة مظلمة بشكل خاص، والتي غالباً ما تكون مصدراً للنقاشات الإعلامية والأكاديمية المكثفة.

من ناحية أخرى، تتمتع البرازيل بعلاقة أكثر اضطراباً مع الديمقراطية، والتي عادت رسمياً في العام 1985، بعد 21 عاماً من الدكتاتورية العسكرية. والقرن الماضي كثيراً ما تخللته ثورات وانقلابات وانتفاضات، وبالتالي فتاريخ البرازيل يتميز بعدم الاستقرار السياسي الأكبر بالمقارنة مع الولايات المتحدة.

لقد لعب الجيش نفسه دوراً مختلفاً تماماً في الأحداث المناهضة للديمقراطية في كلا البلدين. وربما قد تورط أعضاء سابقون في القوات المسلحة في هجمات الكابيتول الأمريكية، لكن في البرازيل، دعم مسؤولون عسكريون رفيعو المستوى الاحتجاجات المؤيدة لبولسونارو التي سبقت أعمال الشغب، دون الإقدام على المشاركة في اقتحام الكونغرس يوم الأحد.

كتب المؤرخ رافائيل يوريس المقيم بالولايات المتحدة "أعتقد أنه من العدل أن نقول إن قطاعات من الجيش البرازيلي كانت تشجع ما حدث ... لكن عندما تعلق الأمر بها، سكتت القوات المسلحة".

مثل هذه الاختلافات بين البلدين، بدورها، يمكن أن تؤدي إلى أن تداعيات كلا الحدثين تبدو مختلفة تماماً.

اتخذ نظام العدالة الأمريكي نهجاً متشدداً في التعامل مع العصيان، الذين حُكم على المئات منهم. وبالتالي تمت إدانتهم من قبل الكثير من وسائل الإعلام، على الرغم من أن شدة هجمات الـ 6 يناير-كانون الثاني 2021 لا تزال أكثر إثارة للجدل بين المحافظين.

قد يعد لولا باتباع نهج "القبضة الحديدية"، المشابه للقضاء الأمريكي حيث يقول للصحفيين إن "كل من فعلوا ذلك سيتم العثور عليهم ومعاقبتهم". ولكن نظراً لأن محاولة الانقلاب التي قامت بها البرازيل قد تشمل أفراداً على مستوى عالٍ من النفوذ في البلاد، فإن مسألة محاكمتهم أو عقابهم قد تؤتي ثمارها.