الموقف السعودي والحق الفلسطيني...

منذ 1 أسبوع 27

تمر هذه الأيام ذكرى مرور ثمانين عاماً على اللقاء التاريخي بين الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت (14 فبراير - شباط 1945)، والذي تم فيه إرساء أسس العلاقة الاستراتيجية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية. تاريخياً كان أكثر الملفات حساسية في تلك العلاقة هو الصراع العربي - الإسرائيلي، وواجهت العلاقات بين البلدين خيارات صعبة حيال هذا الملف مروراً بجميع مراحل القضية الفلسطينية والحروب العربية - الإسرائيلية، فالموقف الأميركي كان منحازاً لكيان الاحتلال الإسرائيلي، فيما كان الموقف السعودي مع الحق العربي ومساندة الفلسطينيين.

ومع التغيرات المتسارعة والمواقف المتقلبة حول القضية الفلسطينية، بخاصة بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن تهجير أهالي غزة، ثم تصريحات رئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو، التي قفز فيها على التاريخ والجغرافيا معاً... أكدت المملكة العربية السعودية موقفها الراسخ والثابت في حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وأنها لن تقيم علاقات مع الكيان الإسرائيلي من دون ذلك، وأكدت في بيانين صدرا عن الخارجية السعودية يومي 5 و9 فبراير 2025، أن موقفها من القضية الفلسطينية ليس محل تفاوض أو مزايدات، وسبق أن أوضحت موقفها للإدارة الأميركية السابقة والإدارة الحالية. كما أكد الموقف ذاته مجلس الوزراء السعودي في اجتماعه يوم 11 فبراير 2025.

هذا الموقف الثابت مع الحق الفلسطيني يرتكز على ما أرساه الملك المؤسس. يقول الكولونيل وليام إيدي، مترجم اللقاء التاريخي بين الزعيمين عبد العزيز وروزفلت، عمَّا دار بينهما: «كضيف عربي لم يشأ الملك أن يتطرق إلى أي موضوع قبل أن يتحدث مضيفه. بدأ روزفلت بالحديث عن الحرب وثقته بهزيمة ألمانيا، ثم تحدث عن رغبته في أن يتلقى نصيحة الملك فيما يتعلق بمشكلة اللاجئين اليهود الذين عانوا من الاضطهاد النازي ورغبتهم في الهجرة إلى فلسطين. كان رد الملك مباشراً وواضحاً: أعطهم أراضي ومنازل الألمان الذين اضطهدوهم. رد روزفلت بأنهم لا يرغبون في العيش في ألمانيا لأنهم لا يثقون بالألمان ويريدون الهجرة إلى فلسطين. قال الملك إنه ليس لديه شك بأن اليهود لديهم سبب مقنع في عدم الثقة بالألمان، ولكن أيضاً ليس لديه شك بأن الحلفاء سيدمرون القوة النازية إلى الأبد، وأن نصرهم سيساعد على حماية ضحايا النازية، وإذا كان الحلفاء لا يتوقعون التحكم في السياسة الألمانية بعد انتهاء الحرب، فلماذا كل هذه الحرب المكلفة؟ ابن سعود لا يتخيل ترك عدو لديه القدرة على الانتقام بعد الهزيمة. حاول روزفلت العزف على وتر الضيافة العربية وطلب مساعدة الملك في حل المشكلة الصهيونية، لكنَّ الملك رد: دع العدو الظالم يدفع الثمن. هكذا ننظر، نحن العرب، إلى من يشن الحروب ويُهزم. التعويض يجب أن يدفعه الجاني وليس الضحية. ما الأذى الذي سببه العرب ليهود أوروبا؟ إنهم النصارى الألمان الذين سلبوا أرواحهم وأراضيهم، دع الألمان يدفعون الثمن. مرة أخرى حاول روزفلت أن يعود للموضوع قائلاً إن الملك لم يساعده بتاتاً على إيجاد حل المشكلة، لكن الملك وقد بدا أنه نفد بعض صبره، لم يشأ أن يعيد شرح وجهة نظره غير أنه قال (بنبرة تهكمية) إنه كعربي قادم من الصحراء لا يفهم سبباً لهذا التعاطف الزائد مع الألمان، القيم العربية تكون فيها المراعاة للأصدقاء وليس للأعداء. الملك ختم حديثه بأن التقاليد العربية تقضي بتوزيع المغانم والمغارم في المعارك على المنتصرين، بناءً على حجم مساهمتهم في المعركة. في معسكر الحلفاء هناك 50 دولة، وفلسطين بينها دولة صغيرة المساحة وفقيرة الموارد، وتم تحميلها أكثر من حصتها من اللاجئين الأوروبيين».

إن المتأمل فيما قاله الملك عبد العزيز للرئيس الأميركي روزفلت وما تلته من رسائل، وما سبقته من مراسلات مع الحكومة البريطانية حول القضية الفلسطينية، يلاحظ أن الموقف نفسه والنهج ذاته سار عليه أبناؤه الملوك من بعده وصولاً إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان وتأكيداتهما المتكررة على مركزية القضية الفلسطينية لدى المملكة العربية السعودية، وأن السلام الدائم لن يتحقق إلا بقبول مبدأ التعايش السلمي من خلال حل الدولتين. يطول الحديث عن كل الجهود والمبادرات والدعم السعودي للفلسطينيين، لكن يمكن القول إنه عبر ثمانين عاماً أو تزيد والموقف السعودي تجاه الحق الفلسطيني يزداد رسوخاً وثباتاً، والموقف الأميركي يزداد انحيازاً لكيان الاحتلال الإسرائيلي رغم كل جرائمه وممارسته الظلم تجاه الشعب الفلسطيني، وتجرده من الشعور الإنساني، ورفضه مبادرات السلام، ومع ذلك هناك من يقفز على الحقائق ويحاول المزايدة على الموقف السعودي!