اللغة العربية في إثيوبيا الحاضر والمآل 

منذ 1 سنة 156

تعتبر اللغة العربية في إثيوبيا محدودة التداول مقارنة بلغات أهل الحبشية مثل الأمهرية والأرومية، كما تشكو غربة حقيقية على النطاق الشعبي والمرفق الحكومي.

وضمن التغيرات التي طرأت أخيراً على إثيوبيا والانفتاح على العالم العربي، هل تصبح العربية لغة شعبية إلى جانب اللغات الإثيوبية؟

 يرجع المؤرخون إثيوبيا بثقافاتها المتنوعة إلى تاريخ غائر في القدم، جاءت على إثره اللغات الحبشية المحلية كإفراز طبيعي لمسيرة إنسانها.

ويرصد المهتمون بالأنثروبولوجيا في الشرق الأفريقي انتشار ما يقارب 80 لغة تتحدث بها القبائل والقوميات الإثيوبية في مختلف بقاع البلاد.

ويشار إلى أن اللغتين السائدتين حالياً، وهما الأمهرية والأرومية، تعودان إلى أصل واحد.

وتعد الأمهرية من اللغات الأفروآسيوية وتمتد جذورها إلى اللغة الكعزية ويتحدث بها ما يمثل 65 في المئة من السكان البالغ عددهم 115 مليون نسمة، وفق التقديرات، أما نظيرتها الأرومية فتعد إحدى اللغات الأفروآسيوية ضمن عائلة اللغات الكوشية، ويتحدث بها ما يقارب 40 مليون شخص.

وإلى جانب هاتين اللغتين تأتي اللغات الصومالية والتيغرنجة والعربية، وتتدرج لغات أخرى لقبائل إثيوبية كلهجات محلية محدودة التداول تختلف باختلاف نسب السكان.

اهتمام متزايد 

ويقول المؤرخ الإثيوبي آدم كامل إن "اللغة العربية على رغم ما تعانيه من عدم انتشار كبير في البلاد، فهي لغة متنامية عبر مكانتها ضمن الخريطة اللغوية الإثيوبية، وقد دخلت الحبشة منذ تاريخ قديم نتيجة التجاور والتداخل بين الحبشة القديمة والجزيرة العربية، وسبق مجيئها إلى البلاد نظائرها من اللغات الأجنبية الأخرى، كما شهد تطورها تفاعلات عدة من هجرات متبادلة بين المنطقتين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويوضح كامل، "كان لحركة التجارة والمنافع المتبادلة دورها في ربط الشعوب لما تمثله من عامل احتكاك تكون فيه اللغات وسيلة تواصل مباشر، كما أن هناك دوراً مهماً مثّله نهر النيل في خلق حضارة وادي النيل التي تجمع كلاً من إثيوبيا والسودان ومصر، وما تخلل ذلك من أثر ثقافي متبادل بين سكان الحبشة وأهل وادي النيل".

وأرجع كامل انتشار اللغة العربية في إثيوبيا إلى "العامل الأساس الذي لعبه الإسلام في البقاع الشمالية والشرقية من الحبشة نتيجة الاختلاط، مما أدى إلى التعامل المباشر بين العرب الوافدين والسكان الأحباش واللغة العربية كوسيلة تعامل، فضلاً عن كونها لغة الإسلام الذي اعتنقه بعضهم".

ويضيف، "اعتناق الإسلام افترض الإلمام ببعض الآيات القرآنية لتأدية العبادات والشعائر، وهو ما كان دافعاً لتعلم اللغة العربية وتوسع نفوذها في أوساط الأهالي"، مشيراً إلى "الدور المهم الذي لعبه التجار العرب في نشرهم اللغة العربية داخل إثيوبيا".

وأوضح المؤرخ الإثيوبي أن "بعضهم كانوا قد استقروا قبل الإسلام على الساحل الشرقي لإثيوبيا، وبعد الإسلام تضاعفت أعدادهم جراء هجرات متتالية ونتيجة عوامل سياسية واجتماعية، وانتشروا في المدن الساحلية التي مثلت أسواقاً مشتركة بين أبناء البلاد الأصليين والوافدين العرب، واختلطوا في التعاملات التجارية المتبادلة وغيرها، ومثلت اللغة العربية حينها لغة تخاطب إلى جانب اللغات المحلية".

عوامل سالبة 

ويوضح كامل أنه "على رغم البدايات واللبنات التي أرساها العرب الأوائل والتجار المسلمون، وما لعبته الممالك الإسلامية في بلاد الزيلع وشمال وشرق إثيوبيا من دور مهم في نشر اللغة العربية، فإن هناك عوامل أخرى سالبة أدت إلى تأخر اللغة العربية عن الانتشار الواسع"، والتي يرجعها بدوره "إلى الطبيعة الجغرافية التي تسود الحبشة وقلة حركة غالبية السكان والتمسك ببيئاتهم المحلية، فظلت الثقافات الحبشية هي السائدة من دون إتاحة أي من الفرص لثقافات وافدة كي تكون منافساً".

ويشير أيضاً إلى "ما لعبه الاستعمار الغربي والبرتغالي الصليبي بدءاً من القرن الـ 14 وحتى الـ 16 من أدوار مناهضة للإسلام في دعم الأحباش النصارى خلال حروبهم ضد الممالك الإسلامية".

ويضيف، "نتيجة هذين العاملين وعوامل أخرى أقل تأثيراً يرجع السبب في تأخر اللغة العربية إلى أن تكون منافسة للغات الحبشية المحلية على رغم ارتباط إثيوبيا القديم بالعرب والجزيرة العربية".

مؤثرات إيجابية

وعن المؤثرات الإيجابية في دعم انتشار اللغة العربية يقول المعلم الإثيوبي الباحث في اللغة العربية حسن أحمد إن "الوضع الآن اختلف بحكم الانفتاح الذي خلقه العصر، وأصبحت فيه الدول منفتحة بحكم الفضائيات والوسائل الحديثة في الاتصالات التي قربت الدول إلى بعضها، وانعكس ذلك على جملة الثقافات".

ويضيف، "من أهم المؤثرات الإيجابية لانتشار اللغة العربية كونها لغة القرآن الكريم ولغة خطاب لكل البشر المسيحيين والمسلمين معاً، وبحكم التقارب الجغرافي والتداخل الثقافي والتقارب اللغوي فإن العربية تعتبر مشاركة لبعض اللغات الإثيوبية المحلية في الأصول والانتماء إلى اللغات السامية من جهة، والتاريخ المشترك من جهة أخرى".

ويتابع أن الإعلام والقنوات الناطقة بالعربية له دور في الانتشار، إذ كشف عن بعد وطني في الدفاع عن مصالح البلاد، وكانت الخطوات الجادة من الحكومة الإثيوبية باستخدام هذه اللغة لمصالحها، فأنشأت بعض وسائل الإعلام العربية مثل ’فانا - عربي‘ والقنوات الناطقة بالعربية إلى جانب الاهتمام بصحيفة العلم الإثيوبية العربية العريقة".

ويوضح المتخصص في اللغة العربية أنه "بحسب القرار الحكومي الأخير فمن المقرر أن تدرّس اللغة العربية رسمياً في كل المدارس الحكومية بالعاصمة أديس أبابا كلغة تنافس نظيراتها الأخرى، فضلاً عن أن هناك بعض الأقاليم التي تعتمد اللغة العربية كلغة تعامل وتعليم، مثل إقليم بني شنقول قمز".

 المعاهد المتخصصة

ويتابع، "كثير من الشركات الوافدة تعتمد في التعامل على اللغة العربية كلغة تواصل وتخاطب مما يشجع على تعلمها والاهتمام بها، وإلى جانب الاهتمام الرسمي فهناك رعاية من جهات خاصة مثل المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية في دعم وتمكين اللغة العربية من خلال ما يقوم به من نشاط".

ويشير حسن إلى الصعوبات التي تواجه اللغة العربية في إثيوبيا قائلاً، "من واقع عملي كمدرس للغة العربية لأكثر من 17 عاماً، أؤكد أنه لا توجد حتى الآن معاهد متخصصة لتعليمها على رغم الحاجة الشديدة إلى تعلمها لدى كثير من الأشخاص الذين يرغبون في الانفتاح على العالم العربي، سواء بحكم المصالح التجارية أو الرسمية، كما لا توجد المراكز والمجالس التي تهتم بها لتطويرها على غرار مراكز اللغات الأخرى المنافسة مثل المجلس البريطاني للغة الإنجليزية والمركز الفرنسي والإيطالي وغيرها".

ويتابع أن عدم وجود الدورات التدريبية التعليمية لذوي الكفاءات العالية والتبادل العلمي مع العالم العربي للاستمرار في نشر اللغة العربية داخل إثيوبيا يعد أيضاً من بين ما يعوق تقدم العربية في البلاد.

 ويؤكد حسن أن "مستقبل اللغة العربية في إثيوبيا واعد بكثير من الانتشار إذا استمر الاهتمام بها ووجدت الدعم المناسب من الدول العربية إلى جانب الاهتمام الحكومي الرسمي، مما يساعد في تفعيل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياحية مع الدول كافة وخصوصاً العربية منها".