انتشر مصطلح مدرب الحياة أو "اللايف كوتش" في السنوات الأخيرة بشكل واسع، حتى بات وكأنه العمل الثانوي الذي يدر الأرباح على حاملي شهاداته، ويحسن في حياة عملائهم أحياناً. ولكن كثراً انتهجوا هذه المهنة على سبيل الاستسهال ونصبوا أنفسهم مدربين بعد دورات سريعة، في حين درس آخرون وتعمقوا في فهم المشكلات النفسية التي تتطلب مساعدة مدرب حياة.
ولأن كلمة حياة تشتمل عمرنا كله وتحصي أنفاسنا، فتكون هذه التسمية العالمية الشاملة فضفاضة بعض الشيء على ما يقوم به مدربو الحياة الذين لم يحلوا يوماً مكان الاختصاصي النفسي أو طبيب الأمراض النفسية.
على الضفة الأخرى هناك مدربون أكثر تخصصاً، هم مدربو الصحة. فماذا يفعلون؟ وهل يسندون مهنة الطب؟
البدايات
بدأ الحديث في خمسينيات القرن الماضي عن تعزيز الصحة من خلال تغييرات نمط الحياة بسبب ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان وأمراض القلب والسكتات الدماغية، ومع تطور تعريف العافية بدأت في أوائل التسعينيات حركة التدريب الصحي الحديثة. ولكن التدريب الصحي المعروف اليوم هو نهج لتحسين صحة الشخص وعافيته من خلال إرشادات لتغيير العادات ونمط الحياة.
وبحسب موقع Health Coach Institute فإن الشخص إذا ما أراد تغيير جوانب متعددة من حياته، عليه زيارة عدد من المهنيين كمدرب الحياة وخبير التغذية والمدرب الرياضي، لكن يمكنه بالمقابل الاكتفاء بمدرب الصحة.
وفي دراسة أجريت عام 2017 حول الفعالية السريرية للتدريب الصحي، تبين أنه ساعد في تحسين مؤشرات الضغط والكوليسترول ووزن الجسم وسواها.
للوقوف على طريقة عمل مدربي الصحة كان هذا اللقاء لـ"اندبندنت عربية" مع مدربة الصحة التكاملية الأردنية ميساء زريقات.
فبعد انخراطها لأكثر من 10 سنوات في الشأن الصحي في مؤتمرات وندوات حول صحة الهرمونات والجهاز الهضمي، درست ميساء في معهد IIN- Institute for Integrative Nutrition في نيويورك ونالت شهادتين، واحدة في التدريب الصحي المتكامل، والأخرى في صحة الهرمونات. وما دفعها إلى الاندماج أكثر في هذا العالم إفراط إفراز هرمون الاستروجين لديها، الأمر الذي قد يتسبب بسرطان الثدي، إضافة إلى حال الجهاز الهضمي لابنها بعد أن شخص بأمراض عدة لم يكن فعلاً يعانيها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لدينا وقت أكثر من الطبيب
تعتبر ميساء التي كانت تعمل كصحافية سابقاً أن الشهادة في التدريب الصحي وحدها ليست كافية، ويحتاج ممارس التدريب أن يكون لديه خلفية علمية واسعة. ويعمل المدربون إلى جانب الأطباء في العيادات والمستشفيات ويمكنهم متابعة المرضى، خصوصاً أن الأطباء لا يملكون الوقت الكافي للمتابعة مع المريض.
تشير ميساء أن التدريب الصحي ولد من الطب الوظيفي Function Medicine إذ يعاين الطبيب مريضه ساعتين أو ثلاث ساعات، وليس كما عهدنا الأطباء الآخرين بوقت أكثر اختصاراً، كون الطب الوظيفي يبحث أكثر عمقاً في تشكل المرض، وينظر إلى الشخص كجسم واحد وليس إلى الأعضاء، كون كل الأعضاء تؤثر في بعضها بعضاً.
ويأتي دور مدربي الصحة بمتابعة الأشخاص الذين يريدون الاهتمام بصحتهم فيبحثون عن مصادر المشكلات الصحية، تقول ميساء "نعمل كالمحققين فعلاً، في جلسات تستغرق الواحدة ساعة ونصف ساعة نجمع فيها أطراف القصة لنربط الأمور ببعضها بعضاً، وعندما تجتمع لدينا معلومات تشير إلى مشكلة في مكان ما أو عضو ما، ننصح بالذهاب إلى الطبيب المختص. في الواقع نحن نرسم خريطة، نزيل الطبقات طبقة تلو الأخرى لنكشف سر العوارض".
وتعطي مثلاً أنك إذا ذهبت إلى طبيب جهاز هضمي بسبب ألم في المعدة فهو يركز على هذا الأمر، في حين يبحث مدرب الصحة في موضوع الرأس والركبتين والهرمونات، وأي عارض ممكن أي يكون مرتبطاً بشكل مباشر أو غير مباشر بهذا الألم.
يتبع مدربو الصحة نصائح الطبيب، ويتابعون المريض على أوجه عدة ذهنية وعاطفية وروحانية ونفسية. على اعتبار أن كثيراً من الأمراض منشأها نفسي، وعندما تبدأ العوارض بالظهور يأتي المرض، فإذا رصدت العوارض في بدايتها يمكن حينها العمل عليها، كالتوقف عن تناول أنواع من الطعام، ووضع لائحة بالأطعمة المناسبة للحالة في برنامج، ليس على طريقة اختصاصيي التغذية، بل لجهة معرفة الأطعمة التي تثير هذه العوارض.
عملاء من جميع الأعمار
يعمل مدربو الصحة مع الفئات العمرية كافة، ويصطحب الأهالي أطفالهم أيضاً.
ويتابع الأطفال الذين لا يأكلون إلا نوعاً واحداً من الطعام، أو الذين يأكلون كثيراً من الحلويات أو الذين تكون أوزانهم أقل من المعتاد، كي لا يؤثر في نموهم لاحقاً.
ولأنها وصلت إلى التدريب الصحي بسبب خلل في هرموناتها تقول ميساء "قصتي مع هرموناتي بدأت في الأربعينيات من عمري، وكان من المهم جداً بالنسبة لي أن أفهم التحول في هرموناتي والتغيرات التي يمر بها جسدي. إن وجود خلل هرموني في هذا العمر أمر خطر للغاية قد يتسبب بالإصابة ببعض السرطانات الهرمونية إلى التقلبات المزاجية والاكتئاب. ونبدأ بفقدان عضلاتنا واكتساب الوزن والصداع واحتباس الماء، وPMSing أو المتلازمة السابقة للحيض. وفي حين تعد هذه الأعراض مقبولة من النساء كشيخوخة طبيعية، لكنها في الواقع ليست علامات طبيعية، إنما علامات من اختلال التوازن الهرموني. وهذا هو المكان الذي يفكر فيه الطب الوظيفي بشكل مختلف كعلاج وقائي أيضاً".
تضيف "علمني الطب الوظيفي مدى أهمية تبني روتين الرعاية الذاتية وأهمية صحة الأمعاء ومستويات السكر والتوتر المزمن، ودورها في الحفاظ على توازن هرموناتنا".
لسنا بديل الطبيب
كمدربة صحية تعمل مع الأشخاص الذين يرغبون في تحسين صحتهم، تذكر ميساء أن مدربي الحياة ليسوا أطباء، لذلك لا يصفون الأدوية ولا يتدخلون في وصف الأدوية التي يصفها الأطباء. بل "كمدربين صحيين نساعد عملاءنا في اتباع تعليمات أطبائهم التي غالباً ما يساء استخدامها أو يساء فهمها. ومن المهم أن نعمل مع عملائنا بشكل فردي، إذ أثبتت دراسات جديدة أن ما يعتبر طعام شخص ما، قد يكون سماً لشخص آخر. وأنه لا يوجد نهج واحد يناسب كل المقاسات للصحة والعافية، وأن الحاجات الغذائية الفردية مرتبطة بصحة الأمعاء المحددة لكل شخص اعتماداً على الميكروبيوم أي النبيت الجرثومي المعوي المتنوع، ولهذا السبب تعد صحة الأمعاء ومستويات السكر في الدم وأساليب نمط الحياة أمراً بالغ الأهمية لصحتنا العامة".
وانطلاقاً من فكرة أن ما نأكله يعتبر طعامنا الثانوي وأن الطعام الأساسي المهم إن لم يكن فقط لصحتنا هو ما نطعم أرواحنا، إنه علاقاتنا ومهنتنا وتعليمنا وفرحنا ومواردنا المالية وبيئتنا المنزلية، كل هذا يؤثر في صحتنا بقدر الطعام الذي نضعه في أطباقنا.
لهذا السبب تقول ميساء فإن "تعلم الوثوق بصوتنا الداخلي ولغة أجسادنا أمر مهم للغاية، وتعلم كيفية الوثوق في رباننا الداخلي مهم جداً لصحتنا وعافيتنا".
وإن تشخيص السبب الحقيقي وراء مرضنا ومعرفة ما يحتاج إليه جسمنا لشفاء نفسه، وإعطاء الأمر لو نصف فرصة، هو المفتاح. إذ في النهاية لن يساعدك وضع ضمادة طبية في حل المشكلة، ولكن معالجة الأعراض ستشفيك تماماً".
التحقيق في الجذور
لذا يبدأ مدرب الصحة بجلسة التاريخ الصحي لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول صحة العملاء، فيلعب دور المحقق لمحاولة العثور على الأسباب الجذرية لأعراض العميل، وهذا أهم جزء في الشفاء.
ويعد العمل على إزالة المحفزات المسببة للأمراض أكثر أهمية ثم معالجة الأعراض الفعلية.
وتقول ميساء "نحن مدربون ومؤهلون للحصول على فهم عميق لكيفية تطور الأمراض المزمنة، وعوامل نمط الحياة التي تؤثر في صحتك، لذلك على رغم أننا لا نعالج المرض بأنفسنا، فإننا نساعد عملاءنا في تحسين صحتهم بشكل عام، ونساعد في تأخير بداية الأمراض المزمنة".
بالمحصلة فإن مدرب الصحة يساعدك في فهم أسباب المرض وجذوره الجسدية والنفسية، ويرسم خطة متوازنة للعلاج بمرافقة أطباء بحسب ما تقتضي الحاجة، ويتابع تطور الحالة ويرافقك في طريق العلاج.