"العلاوي"... تراث جزائري يرقص على إيقاع التاريخ

منذ 1 سنة 170

تقاوم بعض العادات والتقاليد الجزائرية من أجل البقاء في ظل التحول الذي مس مختلف المجتمعات جراء العولمة والتطور التكنولوجي، ولعل رقصة "العلاوي" واحدة من التراث الشعبي الذي يواجه الاندثار بعد أن انحصر ظهورها على الأعراس والمناسبات ومواسم جني المحاصيل الزراعية.

معالم الفلكلور

وتعتبر رقصة "العلاوي" من أبرز معالم الفلكلور في الجزائر لا سيما مناطق غرب البلاد، وتخص الرجال من دون النسوة، إذ كانت حاضرة في المناسبات المختلفة سواء كانت اجتماعية مثل حفلات الزفاف أو الختان أو تعليمية كمواعيد التخرج والنجاح في امتحانات نهاية السنة أو حتى الوطنية عندما تحيي البلاد مناسبات الثورة التحريرية والاستقلال وغيرها، إضافة إلى الدينية مثل الاحتفال بالعام الهجري وليلة القدر والمولد النبوي.

خفت زخم رقصة "العلاوي" خلال الآونة الأخيرة، إذ أصبحت تظهر في مساحة ضيقة مرتبطة ببعض العائلات التي تحاول الحفاظ على تقاليدها تحت أنظار ما تبقى من كبار السن وشيوخ القبائل.

وتعود الرقصة إلى القرن الـ16 وتحديداً منطقة وهران غرب الجزائر، إذ تذكر كتب التاريخ أنها جاءت لتعبر عن الغبطة والسرور ونشوة انتصار القوات العسكرية الجزائرية في معارك ردع الهجمات الإسبانية على شمال أفريقيا، وكان قائد "العلاوي" آنذاك بمثابة زعيم عسكري يقوم بترجمة تعليمات القائد الميداني لجنوده أعضاء فرقة عن طريق حركات تتمثل في هز الأكتاف وضرب الأرض بالأرجل التي تنم عن الشجاعة وبسالة الفارس المغوار.

روايات وتسميات

ويرى المؤرخون أن "العلاوي" رقصة حربية فروسية مرتبطة بقبائل "أولاد نهار" المنتشرة في محافظة تلمسان على الحدود مع المغرب، والمنحدرة من أصول عربية هلالية، كما يذهب بعضهم إلى أنها كانت في الأصل تمارين حربية للجيش الذي جاء من منطقة مجاورة لمساعدة مدينة وهران على مواجهة احتلال الإسبان.

رقصة_العلاوي-_التواصل_الاجتماعي.jpg

ويعتقد آخرون أنها رقصة ارتبطت بفترة الحاج محيي الدين والد الأمير عبدالقادر مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، وكانت تمارس بعد الانتهاء من المعارك والحروب، إذ يمسك الفرسان بنادقهم وسيوفهم لأداء هذه الرقصة تخفيفاً من عناء الحرب والتعبير عن الانتصار على قوات الاحتلال الفرنسي.

وسميت "علاوي" لأنها رقصة الفرسان من أعلى أحصنتهم، كما يطلق عليها رقصة "النهارية" نسبة إلى قبائل "أولاد نهار"، وهي كلها رقصات عربية إما لفرسان في حال العلاوي، أو مشاة إذا تعلق الأمر بالنهارية، وهي عبارة عن إيقاعات متقطعة ضربتان على "قلال" الذي هو "طبل"، تعادلها ضربتان بالرجل الواحدة على الأرض تمهيداً لتنفيذ الإيقاع الموالي المسمى "العريشية" التي تمثل ثلاث ضربات سريعة تعادلها ثلاث مماثلة بالرجل الواحدة على الأرض.

أنواع العلاوي

على رغم أن "العلاوي" ذكورية إلا أن للنساء حظاً برقصة يطلق عليها "الصف"، وهي غير إيقاعية كما الحال عند الرجال، بحكم أن النسوة يساعدن في الرقص من خلال الغناء والضرب على الدف أكثر مما يشاركن فعلياً الرجل في الرقص.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتختلف رقصة "العلاوي" من قبيلة إلى أخرى، فـ"الرقادة" التي سميت كذلك بسبب بعض وضعيات الراقص، تشارك فيها النساء بإطلاق الزغاريد التشجيعية، بينما يهز الرجال أكتافهم ويغنون تعبيراً عن الشجاعة، أما "النهارية" فتتميز بهز خفيف لمنطقة الكتفين والخضر، بينما "الدارة" أو "السنجاق"  تتميز بأن راقصيها يصطفون على شكل دائرة، في حين "العرفة" تعتمد على اصطفاف الرجال في شكل قوس يقودهم أحد الراقصين، وأخيراً "الصف" إذ تقف النساء في صفين ويتحرك أحدهما باتجاه الآخر ذهاباً وإياباً.

أداء مختلف

في السياق قال الباحث في التراث الجزائري إبراهيم بهلول إن هذا الطابع الفني الذي يعتبر رقصة شعبية وشكلاً من أشكال الموسيقى له إيقاعات تطرب لها الآذان وتسحر عيون المتتبع لجمالها ورونقها وتجعله ينجذب نحوها، وهي تؤدى في صورة جماعية يقوم أعضائها بحركات كوليغرافية، تهتز فيها الأكتاف وضربات الأرجل القوية في نسق متناغم منظم تشكل لوحة فنية رائعة الجمال، مضيفاً أن رقصة "العلاوي" التي تعتبر في الجزائر رمزاً من رموز الشهامة والحوكمة الحربية، ولها أبعاد تاريخية واجتماعية فنية وعسكرية، تختلف في أدائها من منطقة إلى أخرى.

رقصة_وفلكور_من_تقاليد_بعض_مناطق_الجزائر_لم_تتمكن_من_الصمود_أما_رياح_العولمة-_التواصل_الاجتماعي.jpg

وأشار بهلول إلى طبيعة اللباس الذي يرتديه عادة أعضاء فرقة "العلاوي"، هي "الشاش" الذي يوضع على الرأس ويسمى "التوتي" أو "العمامة"، إضافة إلى "القندورة" وهي العباءة، ثم سروال وحذاء، كما يضع الراقص حزاماً على كتفيه مشدوداً إلى ما يسمى بـ"قطايشة" تتدحرج على مستوى الكتفين أثناء الرقص، وبجانبه الأيسر يضع بندقية، وينتهي الحزام بمصحف ملفوف في قطعة من جلد تيمناً به في المعارك، مضيفاً أن عدد أعضاء الفرقة قد يصل إلى 25 رجلاً، يستخدم بعضهم آلات موسيقية بين "البندير" أي الطبل، و"القصبة" أي المزمار.

فقدان الهوية

إلى ذلك يرى متخصص التاريخ الحديث والمعاصر عبدالرحمن جعدي أن العولمة تفرض تحدياتها القوية التي تهدد بفقدان هوية الشعوب، وتعرض تقاليدها للطمس في كثير من جوانبها ومظاهرها، لذلك أصبح من اللازم خلق أجواء تراثية وثقافية في أماكنها بغرض المحافظة على الهوية الثقافية، وحتى تصبح منسجمة مع أذواق الأجيال المستقبلية، موضحاً أن التوثيق والترويج الإعلامي مهمان من أجل حماية الموروث الثقافي من جهة، واستغلاله سياحياً من جهة ثانية، لافتاً إلى أن رقصة "العلاوي" تؤدى أيضاً خلال مواسم جني المحاصيل الزراعية، لأنها تعتمد على الرشاقة في الحركة والسرعة في التنسيق.

ودعا جعدي إلى وضع استراتيجية للحفاظ على الموروث الفني والثقافي الجزائري والحرص على نقله إلى الأجيال اللاحقة، لأنه بات ضرورة حتمية، مشدداً على أهمية التحرك على مستوى منظمة "يونيسكو" كما فعلت الجهات الوصية مع عديد من الفنون والآلات الموسيقية والأطباق الشعبية، مضيفاً أن "العلاوي" باتت لا تظهر إلا عبر حيز ضيق، بعد أن رفضها الجيل الحالي كغيرها من العادات والتقاليد، غير أن اللافت هو محاولات الجهات الرسمية إعادة بعث الرقصة من خلال تقديمها في مختلف المناسبات في سعي إلى رد الاعتبار لها.