تعود إيرباص والخطوط الجوية القطرية إلى ساحة القضاء في لندن يوم الجمعة لاستئناف معركة قضائية ستسلط الضوء على علاقاتهما مع الجهات التنظيمية ضمن نزاع حول سلامة طائرات إيه 350 الموقوفة عن التحليق.
وأقامت الشركة القطرية دعوى ضد إيرباص تتعلق بأضرار بالسطح المطلي، ونظام مكافحة الصواعق الأساسي في طائرات إيه 350. وأوقفت الهيئة العامة للطيران المدني في قطر ما لا يقل عن 29 طائرة من هذا الطراز بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة.
وتقر أكبر شركة لتصنيع الطائرات في العالم، والمدعومة من الجهات التنظيمية الأوروبية، بوجود عيوب تتعلق بالجودة في جزء من أسطول إيه 350، لكنها تؤكد أن طائرتها الأبرز للمسافات الطويلة آمنة.
ويقول خبراء إن هذه هي المرة الأولى، التي يتحول فيها نزاع دولي كبير كهذا بشأن العقود والسلامة في مجال الطيران، والذي يتضمن مطالبات تقترب الآن من ملياري دولار، إلى محاكمة علنية.
وستكون جلسة يوم الجمعة إجرائية، إلا أن مصادر مطلعة على القضية ذكرت أنها قد تتضمن عرض دفوع تتعلق بمراسلات كل طرف مع الجهات التنظيمية.
وربما قد يؤثر حجم مثل تلك المراسلات رفيعة المستوى على المدى، الذي يتعين أن يذهب إليه كل طرف في مراجعة رسائل البريد الإلكتروني الداخلية لديه، استعدادا لمحاكمة محتملة منتصف عام 2023.
وتأتي الجلسة بعدما ذكرت رويترز يوم الخميس أن القيادة القطرية بحثت الخلاف مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارة إلى الدوحة في ديسمبر- كانون الأول الماضي.
وقالت إيرباص للمحكمة إنها ستسعى لإثبات أن الخطوط الجوية القطرية "تواطأت" مع الهيئة العامة للطيران المدني في قطر على إيقاف الطائرات دون داع للحصول على تعويض، وهو اتهام تنفيه الشركة.
تقارب بين إيرباص والجهة التنظيمية المراقبة
وفي إفادة شهود قدمت إلى المحكمة في جلسة استماع في أكتوبر-تشرين الأول ومتاحة للعامة، أشارت الشركة القطرية لما أسمته "تقاربا خاصا" في العلاقات بين إيرباص والجهة التنظيمية المراقبة لها وهي وكالة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي (إياسا).
وعرضت الشركة القطرية بريدا إلكترونيا داخليا من إيرباص يلخص مكالمة بين سابين كلاوك كبيرة المسؤولين الفنيين بإيرباص وباتريك كي المدير التنفيذي لإياسا في يوليو-تموز 2021، زاعمة أن إيرباص كانت تحاول الحصول على دعم إياسا.
وأبلغت كلاوك زملاءها، في الرسالة الإلكترونية التي لم يتم الكشف عنها قبل ذلك، "تحدثت للتو مع باتريك كي عبر الهاتف... باتريك ملتزم تماما بالاتصال بنظيره في الهيئة العامة للطيران المدني القطرية ليدرس معه كيف يمكنه أن يساعدهم على تبرير إعادة الطائرة إلى التحليق".
ورفض متحدث باسم إياسا التعليق على رسائل إلكترونية بعينها ولكنه قال إن الوكالة لديها "مراسلات متعددة" مع الهيئة القطرية "كما جرت العادة"، مضيفا أن الهدف كان مجرد شرح موقف إياسا وتقديم الدعم الفني للهيئة القطرية.
ولم ترد الهيئة العامة للطيران المدني على طلب للتعقيب. كما امتنعت شركة إيرباص ومقرها فرنسا عن التعليق قبل جلسة يوم الجمعة. وامتنع أيضا مكتب الاتصال الحكومي القطري عن التعليق.
كما تكشف وثائق تخص القضية ومتاحة للجمهور تورط الولايات المتحدة للمرة الأولى، إذ أطلعت إيرباص إدارة الطيران الاتحادية على مجريات الخلاف.
وقال مسؤول تنفيذي هندسي بإيرباص في بريد إلكتروني داخلي في ديسمبر-كانون الأول الماضي "إنهم يتفهمون الأمر، وهم بالفعل على اطلاع جيد من خلال اياسا، وليس لديهم أي مخاوف بعينها فيما يتعلق بصلاحية الطيران أو السلامة".
وقال متحدث باسم إدارة الطيران الاتحادية "نحن على علم بالمشكلة ونتواصل مع إياسا، التي تعتمد طائرات إيرباص". ومن المقرر أن تبدأ الجلسة أمام دائرة بالمحكمة العليا في لندن عند الساعة العاشرة والنصف بتوقيت غرينتش.
مباحثات بين الزعيمين الفرنسي والقطري
وسبق وأن أفاد مسؤول فرنسي ورسائل داخلية بالبريد الإلكتروني لشركة إيرباص تم الكشف عنها في الآونة الأخيرة في إطار النزاع القضائي أن الخلاف بين إيرباص والخطوط الجوية القطرية حول طائرات ممنوعة من التحليق من طراز إيه 350 حظي باهتمام الزعيمين الفرنسي والقطري. وقال المسؤول الفرنسي إن الزعيمين بحثا المسألة خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الدوحة في ديسمبر-كانون الأول العام الماضي.
ويمثل النقاش أول تأكيد لامتداد الخلاف المتعلق بالتعاقد والسلامة خارج أروقة المحاكم. وأدى الخلاف إلى تدهور العلاقات بين الشركتين وإلغاء غير مسبوق لطلبيات كبيرة. وقال المسؤول متحدثا بالنيابة عن مكتب ماكرون "نؤكد أن الموضوع طُرح مع جوانب أخرى للعلاقات الاقتصادية الثنائية".
وأحجم مكتب الاتصالات الحكومي في قطر عن التعليق على المسألة.
وكان المسؤول الفرنسي يرد على استفسار من رويترز بشأن رسائل بريد إلكتروني لم يتم الإعلان عنها سابقا وكُشف عنها الشهر الماضي في وثائق المحكمة في إطار النزاع القضائي في بريطانيا بين الخطوط الجوية القطرية وإيرباص بشأن مطالبات بتعويضات إجمالية عن الأضرار تقترب من ملياري دولار.
وأرسلت إيرباص رسائل البريد الإلكتروني إلى شركة الطيران بموجب إجراءات إفصاح قانوني قبل محاكمة مقررة مبدئيا في منتصف عام 2023، ما لم يتم التوصل إلى تسوية قبل ذلك.
وأحجمت إيرباص عن التعليق يوم الخميس قبيل جلسة إجرائية جديد في قسم تابع للمحكمة العليا في لندن يوم الجمعة. ولم يتسن الوصول إلى متحدث باسم الخطوط الجوية القطرية على الفور للحصول على تعليق.
وتقول شركة الطيران إن تشققا واسعا في الطلاء كشف عن أضرار أعمق في سطح الطائرات مما دفعها للتوقف عن تسلم الطلبيات. كما منعت الهيئة التنظيمية القطرية المعنية تدريجيا تحليق 29 طائرة بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة على مدار العام المنصرم.
شقاق في قلب صناعة الطيران
وأقرت إيرباص بوجود مشاكل في الجودة في هذا الطراز الخاص بالمسافات البعيدة لكنها تنفي وجود أي خطر على السلامة وألغت جميع الطلبيات الجديدة مع الخطوط الجوية القطرية التي زادت مشترياتها من بوينج المنافسة.
ويشكل الخلاف شقاقا علنيا في قلب صناعة الطيران البالغة قيمتها 150 مليار دولار مع وجود ملايين الدولارات على المحك.
وإلى جانب الإجراءات القانونية، بحثت إيرباص أيضا خططا داخلية للمضي قدما في القضية على جبهات سياسية وتنظيمية وتجارية متعددة، وذلك بحسب عدة رسائل أرسلت بالبريد الإلكتروني وتم الكشف عنها كجزء من الجلسات التحضيرية للمحاكمة.
وكتب مهندس كبير في إيرباص في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى سابين كلاوك كبيرة المسؤولين الفنيين بالشركة في الثامن من ديسمبر كانون الأول من العام الماضي "سياسيا: زيارة السيد ماكرون و(الرئيس التنفيذي لشركة إيرباص) جيوم فوري للشيخ (ح) في نهاية الأسبوع الماضي. يمكن أن تسفر عن بعض النفوذ، الذي لم يتضح بعد".
والتقى ماكرون بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قبل ذلك بخمسة أيام بمناسبة مرور 50 عاما من العلاقات مع حليف اقتصادي مهم. كما اجتمع الزعيمان في غداء عمل في باريس في مايو أيار.
وقال بعض الدبلوماسيين الأوروبيين لرويترز إن الضغوط تتزايد للحفاظ على علاقات طيبة مع قطر في الوقت الذي تواجه فيه القارة شتاء صعبا مع نقص في إمدادات الطاقة بينما تعتبر الدولة الخليجية موردا بديلا للغاز عن روسيا.
علاقات مع الجهات التنظيمية
تم تضمين البريد الإلكتروني الذي يعود للثامن من ديسمبر كانون الأول في إفادة شهود متاحة علنا قُدمت مع وثائق لجلسة تمهيدية في أكتوبر تشرين الأول.
وتشير رسائل أخرى بالبريد الإلكتروني إلى أن مفاوضات بدأت في ديسمبر كانون الأول العام الماضي بينما كانت المعركة القانونية قد بدأت تتكشف.
وجاء في بريد الثامن من ديسمبر كانون الأول الخاص بإيرباص "ينبغي مواصلة العمل على الجانبين الأخيرين (السياسي والتجاري) بالتوازي لإيجاد مخرج سريع من الأزمة مع وضع مربح للجانبين".