ملخص
لا تقتصر العروسة فقط على مجرد كونها دمية، لكنها تحمل تصورات المجتمع عن كثير من المفاهيم، مثل الجمال وشكل القوام وطبيعة الأدوار الاجتماعية.
منذ أقدم العصور كانت الدمية هي اللعبة الأكثر تفضيلاً عند الأطفال وبخاصة البنات، فهي الصديقة والرفيقة الدائمة حتى قبل أن تكوّن الطفلة صداقات حقيقية في العالم الخارجي، ومن عرائس الجدات البسيطة التي كانت تصنع من القماش والقطن وحتى أحدث أنواع العرائس حالياً التي ترتدي آخر صيحات الموضة، تاريخ طويل من الذكريات والتطورات التي شهدتها المجتمعات، والتي انعكست على كل شيء ومن بينها ألعاب الأطفال.
لا تقتصر العروسة فقط على مجرد كونها دمية، ولكنها تحمل تصورات المجتمع عن كثير من المفاهيم مثل الجمال وشكل القوام وطبيعة الأدوار الاجتماعية، فالنموذج الأكثر شيوعاً للعروسة هو أنها بيضاء البشرة ذات شعر طويل وعيون ملونة ترتدي أحدث صيحات الموضة من الملابس التي تناسب البالغين، وتنتشر بالطبع أشكال أخرى من العرائس مثل الدمية على شكل الطفل الرضيع التي تمارس معها الصغيرات أمومة مبكرة، لكن النمط السائد للعروسة على مدار عقود هو أنها في هيئة شابة عصرية رشيقة تمثل نمطاً معيناً من الجمال.
وأثبتت دراسة تم إجراؤها في جامعة "دورهام" البريطانية عن تأثير شكل جسم الدمى الرفيعة على رؤية الفتيات للصورة المثالية للقوام، وقد تم إجراء الدراسة عام 2021 على عينة من الأطفال تتراوح أعمارهن بين 5 و9 سنوات، وحذرت من أن التعرض المكثف للنماذج ذات القوام النحيف المثالي في الدمى والأفلام ووسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى عدم الرضا الجسدي لدى الفتيات الصغيرات.
وأظهرت الدراسة بالفعل أن الصغيرات كانت رؤيتهن للقوام المثالي أنه بهذه الصورة شديدة النحافة، محذرة من أن هذا يمكن أن يؤدي لاحقاً إلى مشكلات متعلقة باضطرابات الأكل، لرغبة الفتيات في الحصول على هذا القوام.
"باربي" الدمية الأشهر
في جميع أنحاء العالم تتواجد باربي العروسة الشهيرة التي قدرت بعض الإحصاءات أنه تم بيع مليار نسخة منها على مدار سنوات عمرها التي وصلت حالياً إلى 65 عاماً.
وأطلقت شركة "ماتيل" الأميركية أول دمية "باربي" عام 1959، وتوالت إصداراتها بشكل سنوي بأشكال وأزياء مختلفة. في السنوات الأولى كانت بشكل العروسة التقليدي المتعارف عليه، وعندما وصلت "باربي" إلى عامها الـ21 في عام 1980 أطلقت الشركة عروسة باسمblack barbie ببشرة سمراء.
كان ذلك تحولاً جديداً على الشكل التقليدي للعروسة الشهيرة. لاحقاً في عام 1985 أطلقت "باربي" تحت اسمday to night barbie ببدلة رسمية لامرأة عاملة، تعبيراً عن تزايد أدوار المرأة في المجتمع. وخلال حقبة التسعينيات ظهرت "باربي" بأزياء متنوعة للمهن المختلفة التي لم تكن شائعة للنساء مثل زي الشرطة والطيران وعمال الإطفاء. وبحلول عام 2004 تم إطلاق "باربي" المرشحة الرئاسية كجزء من سلسلة بعنوان "أنا أستطيع أن أكون".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا تزال الدمية الأشهر تطل على محبيها في إصدارات بأزياء تقليدية فاخرة، ولكن المتتبع لتطورها لا بد أن يرصد التحول الكبير في الفكر القائم وراء تسويق الدمية الشهيرة، والتوجهات والأفكار التي أصبحت تحملها. وفي السنوات الأخيرة تبنت الشركة اتجاهاً جديداً بإطلاق عرائس تشبه شخصيات حقيقة لها تأثير في المجتمع، وكان آخرها عروسة على شكل كاميلا ملكة بريطانيا.
عالم خيالي تعيشه البنات الصغيرات مع عرائسهن، فتارة تكون صديقتها التي تتحدث معها وتشاركها الأسرار، وتارة طفلتها الرضيعة التي تطعمها وتبدل لها ملابسها وتعتني بها، وأحياناً تكون الصورة التي تحلم الطفلة بأن تكون عليها عندما تكبر وبخاصة في حال العرائس التي تعكس مهناً بعينها. واللعب بالعرائس هو واحد من أكثر الأنشطة التي تفضلها الصغيرات على مر العصور، لكن ما هو تأثيره على الأطفال وعلاقته بنموهم العقلي والنفسي والمعرفي؟
تقول منة الله إبراهيم الاستشاري النفسي والتربوي، إن "الأطفال الذين تعودوا على اللعب بالدمى متفهمون للعالم أكثر من غيرهم، لأنهم يحولون العالم الذي يعيشون فيه إلى عالم أصغر يمكن التحكم فيه، ومن ثم نجد الأطفال أثناء لعبهم يمكنهم تجربة المشكلات اليومية وتعلم كيفية التعامل مع المواقف بحسب مستواهم العقلي وعمرهم الزمني. ويسهم لعب الأطفال بدور بالغ الأهمية في تطوير مهارات الأطفال، فهو يساعد على التخفيف من حدة التوتر، كما يزيد من الشعور بالسعادة، لأن الجهاز العصبي يكون مسترخياً عند اللعب وينمو بشكل سليم، إضافة إلى تنمية الحواس بشكل جيد".
وتضيف، "يجب ألا نغفل دور لعب الأطفال بالدمى في تطوير النضج العاطفي لهم عندما يتكلمون ويتواصلون مع الآخرين، فالطفل يصنع من الدمى عالمه الخيالي الخاص لاختراع شكل سلوكه وكيف يمكنه التفاعل مع المحيطين به، لتصبح الدمى اختباراً لمهاراته الاجتماعية التي سيعيشها في المستقبل، ويحدث هذا أيضاً في حال العرائس المنتشرة بالأسواق، والتي تمثل مهنة معينة يحبها الطفل مثل الطب أو الهندسة أو الرياضة، فهي تساعد على تبنى مجموعة لا حصر لها من المواقف والسيناريوهات".
ليست للإناث فقط
في أغلب الأحوال يرتبط اللعب بالعرائس والدمى عموماً بجميع أشكالها بالإناث، وقد يرفض بعض الآباء ترك أبنائهم الذكور يلعبون بدمية، على اعتبار أن هذا النوع من الألعاب لا يناسب الذكور، وربما يجعل الطفل ميالاً لنشاطات صنفها المجتمع على أنها للإناث، وقد توارث الآباء هذا الفكر على رغم أنه قد يحمّل الأطفال ذكوراً وإناثاً تبعات مفاهيم مجتمعية ليست لهم يد فيها، ويحرمهم من بعض النشاطات التي قد تساعد في تطوير مداركهم وتنمية مهاراتهم.
تقول الاستشاري النفسي، "كثير من الآباء قلقون في شأن السماح للذكور باللعب بالعرائس، وتكون لديهم تساؤلات حول مسألة السماح أو رفض لعب أطفالهم الذكور بالدمى والعرائس، فمجتمعاتنا تميز بين ألعاب تصلح للذكور وأخرى للإناث، لأننا نعتبر أن الأب مسؤول عن القيام بمهام تختلف عن مهام المرأة. وفى الحقيقة فإن هذا التحديد خاطئ، لأن اللعب بالدمى والعرائس له أهمية بالغة لا يجب أن نغفلها، كونها تساعد على تنمية المهارات المعرفية للطفل وخلق تطور فكرى وعاطفي، فالطفل الذي يلعب بالدمى يتعلم كيف يساعد في الأعمال المنزلية، وسوف يتدرب كذلك على المهارات اليومية".
وتشير إلى أنه "لا يجب علينا الخلط بين لعب الأطفال وتحديد نشاطهم بحسب نوعهم ذكوراً أو إناثاً، فتحديد الألعاب والأنشطة بحسب النوع ناتج من ضغوط اجتماعية لا تزال موجودة في ثقافتنا، بالتالي فإن البعض يرفض ترك الأطفال الذكور يلعبون بالدمى، لكن الطفل اللاعب بها هو حال طبيعية تمثل شكلاً من أشكال الأدوار الذكورية التي سيحتاج إلى القيام بها حينما يصبح أباً لعائلة".
لكن، كيف يفضل الأطفال حالياً شكل دميتهم؟ وهل لا تزال العروسة بشكلها التقليدي هي المفضلة لدى الصغيرات، أم أن أنماطاً أخرى أصبحت هي المفضلة وتراجع الشكل المعتاد للعروسة؟
تجربة مباشرة للتعامل مع الأطفال تقوم بها فنانة مصرية متخصصة في تصميم العرائس، بتنظيم ورش عمل للأطفال لتصميم وتنفيذ عرائسهم بأنفسهم وإطلاق العنان لخيالهم في شأن الدمية التي يرغبون في الحصول عليها بكافة تفاصيلها من حيث الشكل والألوان.
تقول مصممة العرائس علا بشير، "عملت في مجال تصميم العرائس باعتبار أنه تخصصي منذ تخرجت في كلية الفنون الجميلة، ومن بعدها نظمت ورشاً لتصميم العرائس للكبار، ثم اتجهت إلى تنظيم هذه الورش للأطفال حيث يقومون بتصميم العروسة وتنفيذها بأنفسهم".
وتضيف، "تجربة الأطفال تكون غالباً مختلفة كثيراً عن توقعاتنا إذ لا حدود لإبداعهم، وفي تصميماتهم للعرائس تكون النتائج مبهرة. لكن يمكن القول إن البنات لا يزال لديهن الانبهار نفسه بشكل العروسة التقليدية التي اعتدنا عليها، بشعر طويل وفساتين جميلة وألوان مشرقة".
وتتابع، "لا يقتصر الأمر على البنات، فالذكور أيضاً يصممون عرائس بأشكال وأنماط مختلفة، مثل الحيوانات والأبطال الخارقين، على رغم أن السائد في مجتمعاتنا أن العرائس هي ألعاب للبنات، ومن الملاحظ أيضاً أنه كلما قل سن الطفل زاد الإبداع، فالصغار سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً يكونون غير محملين بمفاهيم مجتمعية أو تصورات مسبقة وصور نمطية لأدوار الأشخاص في المجتمع، فيأتي إبداعهم من دون حدود، ويكونون أكثر جرأة في التصميمات والألوان، ويمكنني القول إنني استفدت منهم وأصبحت أكثر جرأة في تصميماتي".