في مثل هذا اليوم، تم توقيع اتفاقيات رودوس لتحقيق هدنة مؤقتة بين دول عربية وإسرائيل، واليوم بعد مرور عقودٍ من الزمن، لاتزال الحلول غير قادرة على تحقيق تطلعات شعوب المنطقة.
في 24 فبراير 1949، قبل 76 عاما بالضبط، شهدت جزيرة رودوس توقيع اتفاقيات هدنة بين إسرائيل وكل من مصر، الأردن، لبنان، وسوريا، معلنةً نهاية المرحلة العسكرية الأولى من الصراع العربي-الإسرائيلي. جاءت هذه الاتفاقيات بعد حرب 1948، بهدف وقف الأعمال العدائية ووضع خطوط هدنة مؤقتة دون المساس بالحدود السياسية المستقبلية. كانت تلك الاتفاقيات بمثابة هدنة مؤقتة على أمل تحقيق سلام عادل وشامل في المستقبل. ولكن، بعد مرور أكثر من سبعة عقود، تظل القضية الفلسطينيةعالقةً بين قرارات دولية لم تُنفذ ومبادرات سياسية تتجاوز بعضها البعض، وتتجاوزها الأحداث.
في عام 2025، ومع التطورات الدراماتيكية، تعود قضية الفلسطينيين إلى الواجهة من زاوية أخرى، مع خطة ترامب لتهجير أهل غزة إلى الأردن ومصر، ومع تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي اقترح بأن "السعودية كبيرة بما يكفي لتستوعب الفلسطينيين."
جاءت هذه التصريحات في إطار حملة ضغط سياسي تهدف إلى إعادة ترتيب الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة. إذ اعتبر نتنياهو أن الحل الأمثل يكمن في نقل الفلسطينيين إلى السعودية، مُكرِّسًا بذلك رؤية إسرائيلية تسعى إلى تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها الأصليين، بحسب ما يعلن مسؤولو الحكومة الإسرائيلية الحالية.
أثارت هذه التصريحات ردود فعل غاضبة من السعودية ودول عربية أخرى، حيث اعتُبرت محاولة لتصفية القضية الفلسطينية على حساب سيادة الدول العربية. وأكدت الرياض موقفها الثابت من هذه المسألة، رافضةً بشكل قاطع أي محاولات للتوطين أو نقل الفلسطينيين من أراضيهم.
ضغوط على مصر والأردن: توطين وتصفية بغطاء إقليمي
لم تتوقف الأجندة الإسرائيلية عند حدود التصريحات، بل ترافقت مع ضغوط متزايدة على كل من مصر والأردن لقبول خطط توطين الفلسطينيين خارج أرضهم. وتأتي هذه الضغوط في سياق مشروع طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يُعرف بـ"خطة غزة"، الذي يقترح إعادة توطين سكان غزة في دول عربية مجاورة، وتحويل القطاع إلى منطقة سياحية تحت مسمى "ريفييرا الشرق الأوسط".
ويتجاوز هذا المشروع حدود الواقع السياسي، ويتناقض مع القرارات الدولية السابقة، خصوصاً حق العودة وتقرير المصير. ورغم الضغط الدولي، ترفض مصر والأردن هذه المقترحات، مؤكدةً على ضرورة احترام حقوق الفلسطينيين وعدم المساس بسيادة البلدين.
بين الأمس واليوم
تكشف المقارنة بين اتفاقيات رودوس 1949 والمشهد السياسي في 2025عن تحولات عميقة في الديناميكيات الإقليمية والدولية. ففي عام 1949، سعت اتفاقيات رودوس إلى تحقيق هدنة مؤقتة تمهيدًا لحلول سلمية دائمة، لكنها لم تتطرق إلى قضايا الحل النهائي مثل الحدود واللاجئين. أما اليوم، فتواجه القضية الفلسطينية تحدّيا وجوديًا يهدد الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني.
في خضم هذه التحولات، ترفض السعودية التصريحات الإسرائيلية، وتؤكد موقفها تجاه حقوق الفلسطينيين في العودة وتقرير المصير، وترفض أيضا بشكل قاطع أي محاولات لتوطينهم خارج أرضهم التاريخية. لكنها في الوقت نفسه تعبر بصورةٍ متزايدة عن رغبتها بالسلام في المنطقة، وهي كانت قد أعلنت مواقف مرحبة بتوقيع إتفاقية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل برعايةٍ أميركية، لكن على قاعدة حل الدولتين، وهو ما تصر حكومة نتنياهو على رفضه.
وفي السياق نفسه، وبعد 76 عاماً من اتفاقية رودوس، تواجه كل من مصر والأردن ضغوطًا هائلة لقبول الخطة التي اقترحها ترامب. ومع ذلك، فقد أكدت كل من القاهرة وعمان رفض المشروع انطلاقاً من تهديده للسيادة الوطنية لكل منهما.
وتكشف الذكرى السنوية لاتفاقيات رودوس عن استمرارية تعقيدات الصراع في المنطقة، رغم تبدل الزمان والمكان. ففي حين سعت تلك الاتفاقيات إلى تحقيق هدنة مؤقتة، لاتزال محاولات الوصول إلى حلول في المنطقة قاصرةً عن تحقيق صيغة تتلاءم مع القرارات الدولية، وقبول الأطراف المعنية.